Saturday 11/01/2014 Issue 425 السبت 10 ,ربيع الاول 1435 العدد
11/01/2014

في البحث عن الأدب السعودي

يقول ابن قتيبة عبد الله بن مسلم في أول كتابه أدب الكاتب (ط. الدالي 9-10): «فإني رأيت كثيراً من كتاب زماننا كسائر أهله قد استطابوا الدَّعة واستوطؤوا مركب العجز، وأعفوا أنفسهم من كد النظر، وقلوبهم من تعب الفكر، حين نالوا الدَّرَك بغير سبب، وبلغوا البغية بغير آلة».

أن يكون أدب ما مجالا للبحث فتلك بدهية لا جديد فيها؛ فأدب الشعوب مزرعة يزرع فيها أبناؤها آمالَهم وأحلامَهم. ومغسلةٌ يغتسلون فيها من أدران واقعهم.

ودراسة هذا الأدب سبر لشخصية من أنتجوه، وقياس فني لمدى إبداعهم وقدرتهم على التعبير عن ماض مضى وانقضى، وحاضر يهرب من بين أصابعهم، ومستقبل يتمنونه مشرقاً. ولا يخرج الأدب السعودي بأجناسه عما ذكرناه.

وحديثي سينصب على تجربتي في متابعة طلاب الدراسات العليا الذين تناولوا هذا الأدب في بحوثهم ورسائلهم مشرفا ومتابعا لجل خطط البحوث التي أُعدت في القسم منذ عام 1417 وحتى يوم الناس هذا. وقبل الحديث أتوجه إلى القائمين على كرسي الأدب السعودي برجاء أن يعمدوا في المرحلة الأولى إلى صناعة كشاف للرسائل الجامعية التي تناولت الأدب السعودي في جامعات المملكة كلها منذ افتتاح الدراسات العليا فيها. ثم في جامعات الوطن العربي، والعالم (إذ ليس من المعقول أن تبحث عن أطروحة كتبت في جامعة عالمية ولا تعثر على نسخة منها لأسباب مجهولة). وفي مرحلة تالية كشاف بما نُشر عن الأدب السعودي من بحوث محكمة وغير محكمة لأن مثل هاتين الخطوتين ستكونان المنطلق السليم إلى تطوير ما أنجز وعدمِ تكراره حفاظاً على الجهد والوقت والمال.

رسائل الأدب السعودي التي اطلعت عليها تنقسم إلى قسمين: رسائل صارت مصادر في بابها لجودتها وتمكن كاتبيها من مادتهم وآلتهم ووضوح رؤيتهم فاستحقوا الدرك، ورسائل أخرى غابت أو غيبها كاتبوها لمشاعر تناهبتهم مما له علاقة بالآلة أو بالدرك السهل لأسباب نعرفها جميعاً ولعلنا نتجاوزها بصمت لكي لا نجعل منها قضية ونفتحها باباً يدخل منه المغرضون.

بعد هذه المقدمة أتحدث عن الآلة في معالجة أجناس الأدب السعودي كلها (الشعر والرواية والقصة القصيرة والمسرح). وأهم مكونات آلة الباحث لغته؛ ولا أكتمكم أن لغة كثير ممن يدلفون إلى ساحة الأدب السعودي تحتاج إلى ضبط لا يحصل إلا بتكوين لغوي صحيح. أما الأسلوب فهو ينزع في كثير من الأحايين إلى الصحفية والركاكة وهذا يمكن تداركه بالتكوين التراثي في مراحل الدراسة الأولى. من المهم كل الأهمية أن نعد الطلاب في مرحلة البكالوريوس لسوق العمل، ولكن هذا في رأيي لا يتعارض مع تكوين الجادين منهم ليكونوا باحثين في الأدب السعودي أو غيره من المجالات. ولا بد من تمكين هؤلاء من منهج البحث في العلوم الإنسانية، وإطلاعهم على اتجاهات دراسة الأدب عند العرب والغربيين بتوجيههم لإتقان لغة أجنبية.

لقد لاحظت إقبال بعض الطلاب على دراسة الأدب السعودي لظنهم أنه أيسر معالجة من اللغة والنحو أو الأدب القديم أو الأدب العربي الحديث، وهذا وهم زائف لمن يريد أن ينجز رسالة يفخر بها. فالمادة غزيرة (أكثر من 850 شاعراً من أصحاب الدواوين المنشورة، وأكثر من .............). ودراسة الأدب السعودي بعد مرحلة الدراسات التاريخية والأدبية ينبغي أن تنتقل إلى مرحلة المصارحة إذْ لا يكفي أن يكون الأدب سعوديا ليكون جيداً، فهناك دواوين ضعيفة وهناك روايات أكثر ضعفاً.

ولم أجد، حسب علمي دراسة انتهجت المنهج النقدي في التعامل مع الشعر والرواية والقصة القصيرة وغيرها من أجناس الأدب. إن الرؤية والبناء السطحي والعميق للأدب السعودي يحتاج إلى دراسات بينية تستخدم علم اجتماع الأدب والأنثروبولوجيا وغيرهما لدراسة الأدب السعودي في مدى تعبيره عن ثقافة البلد وتاريخها وحاضرها برؤية تطورية بعيدة عن المجاملة التي ينبغي أن يكون مجالُ الدراسات العليا بعيداً عنها كل البعد.

إن إدراج الأدب السعودي ضمن مسارات طلاب الماجستير والدكتوراه يقتضي الابتعاد به عن ظن السهولة وتفكير التجاوز السهل كما هو الحال في البكالوريوس.

إن اتجاه طلاب الدراسات العليا إلى دراسة الأدب السعودي واستحضار رموزه وقضاياه، أنهى عقوداً من النسيان والتهميش، فالأدب السعودي ظل ردحاً من الزمن خارج المنهج، وكانت الآداب العربية حاضرة الدرس في جامعاتنا، ولولا فريق من الرواد نعرفهم جميعاً لما بادر السعوديون إلى دراسة أدبهم، ولما اهتم به أدباء العالم العربي ونقاده تلك واحدة من مآثر جيل الرواد الذين اضطلعوا بالمنهج التاريخي في دراسة الأدب العربي في المملكة، والمنهج التاريخي في دراسة الأدب ضرورة ملحة، لأن العزوف عنه إهمال لجانب مهم من حياة الأدباء، وإذا تهافتت المناهج اللغوية والفنية والنفسية والثقافية فإنها تشكل إضافة، ولا يكون واحد منها بديلاً عما سواه، وداء المشهد الأدبي والنقدي أنه مشهد إقصائي يرى أنه بالإمكان الاستغناء عما سبق والاكتفاء بالمستجد، وهذا خطأ فادح صوح معه نبت النقد وضوت شواخص الأدب، ذلك أن المشهد الأدبي يتسع لكل التيارات والمذاهب والمناهج والآليات.

لقد اتسع الأدب السعودي، وشهد في مجال الرواية اندياح الدائرة بعد أن كان في عام 1973م لا يكاد يذكر كما عبر عن ذلك أحد أساتذة الأدب السعوديين (حمد بن ناصر الدخيل، في الأدب السعودي، نادي جازان الأدبي، 1420-1999، ص 12). والمطلوب اليوم بعد أن تلمس الأدب السعودي طريقه إلى العالم العربي بقوة أن يتلمس طريقه إلى العالم عن طريق ترجمات ما تزال خجولة، ولا تعتمد الجودة في اختياراتها. وأن تبتعد دراسات الأدب السعودي عن الصحفية والسرعة التي فرضتها وسائل الاتصال الحديثة، فلا بأس أن يتخذ الأدب السعودي من الصحافة ووسائل الاتصال وسيلة للانتشار، ولكن لا أن يجعل نموذجها قدوة لأن ذلك سيقوده إلى السطحية التي لا تخدم تطوره وارتقاءه.

- الرياض