Saturday 11/01/2014 Issue 425 السبت 10 ,ربيع الاول 1435 العدد

المصطلحاتُ البلاغيّة: من دقة التسمية إلى دقة التطبيق

اشتهرت التداوليّة على أنها فنٌ من فنون البلاغة الجديدة (مع تحفظي على المسمى), حتى أنّ بعض الجامعات العربيّة, أفردت دراستها في مسارات خاصة, لطلبة مرحلة ما بعد البكالوريوس, كما فعلت جامعة (محمد الخامس) في مسلك: (اللغة والأدب مقاربات نظرية ومنهجية)

كذلك أفردت نفس الجامعة, في المسار ذاته, مقررًا خاصا لتحليل الخطاب, وسيميائيات النص الأدبي, لنفس المرحلة, على الرغم من أنّ (شارل موريس) -وهو أول من بادر إلى تعريف التداولية على أنها: دراسة علاقة العلامات بمستعمليها, أي: دراسة اللغة أثناء ممارستها إحدى وظائفها الإنجازية والحوارية والتواصلية - قد جعل منها جزءا من السيميائيات, حين جعل فروع السيميائية ثلاثة:

- التركيب النحوي: ويُعنى بدراسة العلاقات الشكلية بين العلامات .

- الدلالة: وهي دراسة علاقات العلامات فيما بينها وبين الأشياء، أي ارتباطها بالمعنى.

- التداولية: وهي دراسة ارتباط العلامات بمؤوليها أي بمستعمليها .

لقد هبّت رياحٌ مختلفة على فنون القول, والتعبير العربي, لاسيّما بعد تطعيم الثقافة العربية بثقافات أخرى, والنظر إليها على أنها جسد يمكن للمادة الوافدة أن تخصب فيه, وتنجب علمًا يأخذ ملامحه من كلتا الثقافتين.

ومع إيماننا بأنّ اللغات, وإنْ تغيرت أصواتها, لها ملامح مشتركة تسوّغ لإخضاعها لنفس الإجراءات والملحوظات.إلا أنّنا لا يمكننا الزعم بأن التلاقح بين الثقافات لم يحدث, ولم ترفد علوم لغة, علوم لغة أخرى, لاسيّما بعد ازدهار الترجمة.

كذلك البلاغة عند (بيرلمان) تتعلق بالخطابات الموجهة إلى مختلف المستمعين, وجعلها تشمل الحقل الخطابي الذي يقصد إلى الإقناع في المقام الأوّل, بغضّ النظر عن نوعية المستمع الذي توجه له تلك الخطابات, وهو ما يسمى بـ(الحجاج البلاغي) الذي عده بعض الدارسين بلاغة جديدة, على الرغم من تنبّه علماء البلاغة العربيّة لهذا الفن في القرآن الكريم منذ القرون الأولى, التي تولّد فيها الاهتمام بالفكر البلاغي.

الحقيقة أن الذي استقى مناهل بلاغته من منبع القرآن الثر, سيجد أنّ البلاغة بكل هذه العلوم المحكوم بجدتها, ليست جديدة, فالبلاغة العربيّة الأصيلة , تجعل مراعاة الكلام لمقتضى الحال, شرطا لاكتمال بلاغة البليغ, كذلك أضرب الخبر لخالي الذهن والمشكك, والمنكر, التي يضعها البليغ نصب عينه, وهو يلقي بالخبر, تصب في مصاب البلاغة الجديدة. الأمر ذاته في الشاعرية والخطابية, وعلاقتها بالخبر والإنشاء, وعلم النص الذي لا يعدّ ابنًا شرعيًا لنظرية النظم عند عبدالقاهر الجرجاني وحسب, بل هو روح تلك النظرية, حتى وإن جاء بثوب جديد, مترجم عن ثقافة أخرى . إذن مشكلتنا في البلاغة العربيّة ليست في قدمها, وجدتها, فهي واحدة لا تتجرأ, ولا ذنب لها في ترجمة المترجمين, فمذ وعينا البحث البلاغي في القرآن, ونحن نعالج بلاغته بالتداولية والسيميائية, وتحليل الخطاب, والحجاج, وعلم النص, غير أننا لم نسميها بهذه التسميات الحديثة.

وهنا يفرض السؤال نفسه: هل دارسوا البلاغة العربيّة الذين زعموا بوجود بلاغة جديدة محورها( السيميائية, والتداولية, والحجاج, وتحليل الخطاب, وعلم النص...) درسوا بلاغتنا العربيّة كما يجب؟ وهل حللوا نصوصها تحليلا يليق بمكانتها؟

إنّ من عرف أنّ الكلمة التي تولد في نص بعينة, وتتعاضد مع أخواتها في تركيب لغوي فريد, يعرف كيف يربط الكلمة بسياقها الذي جاءت فيه من خلال الجملة , ثم من خلال كامل النص, دون إغفال لحال الملقي, والمتلقي, ومقتضى الحال, الذي هو مدار كل هذه العلوم المزعوم بجدتها.

ختاما:

العلوم شعوب, وقبائل, تستحق أن تتعارف لتتآلف, وإرجاع النص لأصله بدراسة تقريبية بين ما تشابه من تلك العلوم, يضيف للساحتين العربية وغير العربية, رؤية أوسع وأكثر شمولية؛ لتوليد نظريات جديدة باجتماع الثقافتين, لا استهلاك الوقت في تكرار الفنون بأسماء عدة, وتمويه العلم بكثرة المصطلحات التي تتحكم فيها قدرة المترجم اللغويّة, وتجعلها بين مدّ وجزر, مما يشعر الباحث العربي بعجزه أمام ملاحقة كل هذا الزخم من التسميات ذات الأصل الواحد.

د. زكيّة بنت محمد العتيبي - كلية الآداب - جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن - الرياض