Saturday 12/04/2014 Issue 434 السبت 12 ,جمادى الثانية 1435 العدد
12/04/2014

نقد العراقيين المعجم العربي القديم(1)

تفضل عليّ أخي الدكتور علي خلف حسين العبيديّ بنسخة من رسالته للدكتوراه التي نوقشت حديثًا، وعنوانها «نقد المعجم العربي القديم في دراسات اللغويين العراقيين المحدثين من 1950إلى 2010»، جعلت الرسالة في مقدمة وتمهيد وبابين ذوَي فصول، وخاتمة. عالج في التمهيد جملة أمور كان البحث في غنى عنها على فضلها ومنفعتها وبخاصة الحديث عن العمل المعجمي قبل الإسلام اعتمادًا على النقوش والمعثورات الآثاريّة، وأما الباب الأول فعنوانه (المعجم العربي القديم بين أصول اللغة وعصور الاحتجاج) وهو عنوان قلق في نظري، وجعل الباب في ثلاثة فصول، أما الفصل الأول فعنوانه (السماع والمعجم العربي) وهو عنوان غريب؛ إذ الهدف بيان أثر هذا الأصل في تأليف المعجم وعلاقته به، فكان يجب أن يفصح العنوان عن مضمونه على نحو أوضح، وتضمن هذا الفصل مبحثين أحدهما عن حدّ السماع ومفهومه والآخر عن السماع في معاجم الألفاظ أولًا ومعاجم المعاني ثانيًا، وجعل قسيمًا ثالثًا سماه (السماع والمعجم العربي رأي وبيان) بين فيه رفضه للتحديد الزماني والمكاني لما يحتج به، وأنا معه في ذلك من حيث الألفاظ المعجمية ذات الجذور العربية والأبنية العربية، ولذلك أدعو إلى إحياء حركة جمع جديدة لما في بيئاتنا المختلفة من ألفاظ، وإلى ضمها إلى المعجم الحديث واستعمالها في لغتنا استعمالًا فصيحًا. ولا نجد في هذا الفصل صدى لدراسات العراقيين. وكذلك في الفصل الثاني (القياس) الذي جعله في مباحث أولها (القياس حدّه وموقف اللغويين القدامى والمحدثين منه) وكان الأولى أن يقتصر على بيان موقف المحدثين من اللغويين العراقيين؛ لأنّ هذا هو موضوع رسالته، ولكنا رأيناه شعب الموضوع وأدخل فيه موقف الغربيين من القياس، وأهم ما فيه الدعوة إلى قبول ألفاظ المحدثين، والباحث مدفوع بحماسته إلى قبول كثير من مقولات المحدثين، وإن كان عليه أن يتوقف فيها توقف الباحث المدقق، فنراه يسكت عن لفظ (عَصْرَنَ) أي جعله معاصرًا، بحجة أنه على بناء (فَعْلَلَ)، وواضح من اللفظ أنه ثلاثي الجذور وألحقت النون فهو من الملحق بالرباعي، فهو على وزن (فَعْلَنَ)، وليست الملحقات مما لبنيتها دلالة مطرد كالجعل أو الاتخاذ أو الإزالة، فالجعل يكون لفعّل بتضعيف العين، فيمكن أن يقال: عصّره أي جعله معاصرًا، كما تقول: سوّده جعله سيّدًا. وأما المبحث الثاني من القياس فهو (موقف المعجميين القدامى من القياس) وهو لمعاجم الألفاظ أولا ثلمعاجم المعاني ثانيًا، والباحث حشد هنا جملة من النصوص المنقولة من المعاجم كما فعل في موضوع السماع، وليس هذا الدرس بلازم لموضوعه، ومع هذا كان يمكن أن يستخلص من هذه النصوص موقفهم مستشهدًا ببعض النصوص، وبخاصة أنّ المعاجم ينقل بعضها من بعض. ونجد ما أشرنا إليه من استخلاص في ما ختم به الباحث هذا المبحث وسماه (رأي والإيضاح)، وكان ينبغي أن يجعل مادة للبحث. وجعل الفصل الثالث من الباب الأول عن (أصول نظرية الاحتجاج اللغوي ومعاييره)، وجعل هذا الفصل في مباحث ثلاثة: الأول أصول نظرية الاحتجاج اللغوي، والثاني معايير الاحتجاج اللغوي، والثالث مستويات الأداء اللغوي والمعجم العربي، وشن الباحث هجومًا على ما نسب إلى الفارابي من نصّ يحدد الإطار الزماني والمكاني المرتبط بقبائل بأعيانها، واستفاد الباحث من عمل العمايرة عن القبائل الست وفاته ما كتبه أستاذ اللسانيات في قسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود الدكتور حمزة المزيني، وكان كتب «قضية الاحتجاج للنحو واللغة»، مجلة جامعة الملك سعود (الآداب)، المجلد العاشر، الآداب (1)، 1418هـ، ص ص3-33. وكل هذه الأعمال أثبتت زيف مضمون نص الفارابيّ، ولكن العبيدي دعا كما دعا غيره إلى الاحتجاج بأشعار وكتابات المنشئين على مر العصور العربية التي وصفت بأنها تعدت زمن الاحتجاج، وكذلك الاحتجاج بأقوال المحدثين بالقيود التي نصت عليها المجامع اللغوية، وهو أمر سائغ في مجال توليد الألفاظ وتكثيرها، وأما التراكيب فلعله ينبغي التريث في أمرها فلا يقبل منها إلا ما لا يخرم قاعدة أو يعاند بناءًا. ويتضمن هذا الفصل أشياء هي مكان توقف ولكن يضيق المقام عن تفصيلها.

- الرياض