Saturday 12/04/2014 Issue 434 السبت 12 ,جمادى الثانية 1435 العدد
12/04/2014

ويسألونك عن (معرض الكتاب)! (1)

تعمدتُ أن أتريث قليلاً قبل الكتابة عن معرض الكتاب الذي احتضنته العاصمة الرياض في تظاهرة ثقافية حضارية رائعة امتدَّت عشرة أيام ابتداءً من الثالث من شهر مارس من هذا العام؛ كي أتمكن من الحصول على تصور كامل عن المعرض، والوصول إلى مرئيات دقيقة خالية من ردَّات الفعل السريعة التي ربما تكون غير موضوعية حول ما صاحبه ويصاحبه من أحداث وأقوال ومشاهد.

وقبل رصد ما يمكن رصده من مشاهد ومشاهدات في المعرض أرى لزاماً عليَّ وعلى كل منصف أن يتقدَّم بالشكر الجزيل والتقدير العاطر لوزارة الثقافة والإعلام التي أحسبها لم تألُ جهداً في عمل كل ما يمكن عمله لإنجاح هذه التظاهرة الثقافية الاستثنائية، وحرصها على أن تظهر الرياض مرتدية أجمل حلل الجمال الفكري والتألق الحضاري خلال تلك الأيام العشرة التي كانت بفضل الله ثم بفضل تلك الجهود أشبه بلآلئ حضارية وجواهر ثقافية من عقد عام عاصمتنا الحبيبة الذي اعتاد أن يتحلَّى بها فتتجلَّى في كل سنة جديدة، تاركة في كل عام إرثاً ثقافياً وحضارياً يتجدَّد في كل مناسبة.

وحين تتحدث الأرقام فإنها تؤكد هذا النجاح الكبير للمعرض، فقد وفَّر أكثر من 600 ألف عنوان، واستضاف أكثر من 900 دار نشر، توزعت على 31 دولة، أما الزوار فقد تجاوز عددهم مليوني زائر من مختلف المناطق والدول، وقد استدلَّ بعض المثقفين بهذا الرقم الكبير لعدد الزوار على وجود تفاعل مستنير يحمل كثيرا من الدلالات التي تبعث شيئاً من الاطمئنان، مؤكدين أننا بالفعل أمة تقرأ وتقرأ، وتدرك بالفعل أهمية الفعل القرائي والممارسة الثقافية إلى حدٍّ كبير، وأنَّ في ذلك دلالات ترد بقوة على تلك النظرات التشاؤمية التي تتهمنا بأننا لسنا كذلك، مدعية أن هذا الإقبال الكبير على مثل هذه المعارض ما هو إلا فعلٌ اجتماعيٌّ جاذب للجمهور أكثر من كونه دافعاً ثقافياً حقيقياً.

وفي ظني أنَّ هذا الاستدلال غير دقيق، فليس بالضرورة أن تكون ضخامة عدد الزوار عاكسة لوعي ثقافي وقرائي وصل إليه المجتمع، ولو دققنا النظر في أكثر الكتب التي أقبل عليها (المتسوقون)، وعرفنا من هم أصحاب تلك الكتب وما هي تجاربهم وخبراتهم الثقافية، وفتشنا عن الموضوعات التي تحملها والأفكار التي تتضمنها لربما تراجع كثير من أصحاب هذه النظرة التفاؤلية عنها!

وهذا يقودني إلى ظاهرة مخجلة بدأت تبرز في المعرض في سنواته الأخيرة، وهي ظاهرة استسهال الإصدار والطباعة، وامتلاك الجرأة على النشر من قبل أشخاص لا ناقة لهم بالكتابة ولا جمل، ولا يمتون إلى أي نوع من الثقافة بأدنى نسب، يدفعهم إلى ذلك شغفهم المجنون بالشهرة، وشدَّة انبهارهم بالأضواء حدَّ الشفقة، وحرصهم المضحك على مزاحمة المثقفين الحقيقيين وتدوين أسمائهم بين زمرة الكتاب الذين قضوا الزمن الطويل لعرض عصارة تجاربهم وخبراتهم، ثم يأتي أولئك الذين لا يملكون أداة واحدة من أدوات الكتابة، ولم تمس تجاربهم النار فضلا عن أن تنضج ويتبجحون بكونهم من كبار الكتاب، وأنه تمكن من (تخريف) كتاب ليس فيه سوى سفاسف وهرطقات خدعوه بها فقالوا (إبداع أدبي) و(فتوح ثقافية)!! وهو ما يشير إليه أحد الكتاب الذي أدرك وجود هذه الظاهرة المقيتة فيؤكد أنه لاحظ في الآونة الأخيرة أنَّ كل من جمع له بين دفتي مذكراته أفكارا أو خطرات غضة دفع بها للطباعة! فتلك فتاة تكتب خواطر عفو الخاطر، وذلك شاب يرص مشاعر تؤذي المشاعر، ومرويات طرية المواقف تجفف نزيف العواطف، وذلك كهل يكتب شعراً أسماه شعراً وهو منه براء، وذلك ركب موجة الكتابة الروائية لتدوينه أحداثاً مرت به في حياته ظناً منه أن مقومات الكتابة السردية متاحة، وأن أهم ما فيها مادة الرصد والتوثيق، وذلك كتب قصصاً لا يمكن أن يتحملها غيره وينوء بقراءتها هو ذاته، وذلك يكتب عن رحلاته البرية وما دار فيها من كيفية استخراج الضب وملاحقة الجربوع والألعاب الشعبية!!

وأقول إنَّ هذه الموضوعات والممارسات التي يشير إليها الكاتب غيض من فيض مما يراه المتأمل في كثير من الكتب التي صدرت حديثاً، وصار تأليفها وإصدارها ونشرها موضة ركبها كثير من الشباب والشابات الذين وجدوا دُوراً تجارية تفتح أبوابها لهم وتطبل لسخافاتهم، ولا همّ لها إلا الكسب المادي بعيداً عن الفائدة المعرفية وعمق التجربة الثقافية، واقرأ ملفات التعريف لكثير من الشباب والشابات في موقع التواصل (تويتر)، ستجد أنه يذيل اسمه بعبارة (صاحب كتاب كذا)، أو (صدر لي كتابان)، وهلم شرا!! وليت الأمر يقف عند هذا، بل يتجاوزه لتجد كثيرا من الناس الذين أصيبت عقولهم بالخواء المعرفي وابتليت بالفقر الثقافي يقبل على هذه الهرطقات، ويتسابق على شرائها، فتنصب لكاتبها منصات التوقيع، وتجد القطعان صافين ينتظرون توقيعاً من كاتبهم الملهم!!

- الرياض omar1401@gmail.com