Saturday 13/12/2014 Issue 455 السبت 21 ,صفر 1436 العدد

الشنفرى.. في برنامج عيد اليحيى على خطى العرب

قام الصديق المتألق عيد اليحيى بجولة ماتعة في أرجاء الجزيرة العربية الفسيحة صاعدا الكثبان والجبال هابطاً الأودية والسهول.. وقد طرّح به حب العرب كل مطرح وجعله يبيت ليلاً في موضع ليصحو نهاراً وهو في موضع آخر.. وقف على الأطلال مع امرئ القيس مرة أخرى، وذهب يقص أثر شعراء المعلقات شاعرا.. شاعراً. وقف بنا جميعاً على طلال العرب الأكبر ألا وهو الشعر الجاهلي العظيم ليثبت من خلال وقوفه على فضاء ذلك الشعر بطلان التعميم في قضية الانتحال من خلال التوثيق الفضائي لمواضع الشعر الجاهلي التي وردت في قصائد الجاهليين، كما وقف بنا مرة أخرى على ملمح مهم في هذه الأمة العربية ألا وهو الجانب القيمي والأخلاقي الرفيع الذي كانت تتمتع به في الجاهلية على الرغم من بعض النواحي المعتمة التي ظهرت كأثر من آثار البداوة والبدائية وظهر الإسلام ليهدف إلى التخلص من ذلك الاعتام وليزيد الإشراق وهجا على وهج.

لن أقف على حلقات البرنامج جميعها، ولكنني سأقف على حلقة الشنفرى التي اشتركت فيها مع الصديق اليحيى في التقديم لهذا الشاعر وللمواضع التي مر بها ولحياته الحافلة لأسجل بعض الملحوظات التي أرجو أن تكون دافعاً لمزيد من التميز في العمل سواء أكان علمياً أم أدبياً أم برنامجاً تلفازيا أم عملاً خليطا ميداوياً

وتتمثل أهم الملحوظات فيما يلي:

- البرنامج والوثائقي. يعد البرنامج من أوائل البرامج التي تنحو ناحية الوثائقية ويقوم بإعدادها وتقديمها ومنتجتها قناة محلية أو عربية ولكنها ذات مرجع محلي، ورغم الإمكانات الهائلة التي أسهمت في نجاح البرنامج وتميزه، مما جذب إليه كثيراً من الناس إلا أنه لم تتحقق فيه الشروط التي يجب أن تتحقق في الأفلام الوثائقية. إن كل حلقة من البرنامج تحتاج إلى ضعفي أو أربعة أضعاف الوقت لتحيط بالجانب التوثيقي للشعراء وللفضاءات التي تقف عليها. وتحتاج إلى كتابة تخصصية أكثر دقة قبل إخراج الفيلم الوثائقي، كما تحتاج إلى استضافة أكثر من ضيف متخصص للحديث على جوانب مختلفة من الفيلم (جوانب تأريخية، وجغرافية، وأركولوجية، وأدبية ونقدية، وثقافية، وأنثروبولوجية)، مع توثيق دقيق وعلمي يشمل كل تلك الجوانب لا لاكتفاء بإضافة دليل يدل مقدم البرنامج على الموضع ثم القيام بسرد بعض المعلومات التأريخية والأشعار حول المكان. ولذا من المؤمل أن تخصص قناة احترافية للأفلام الوثائقية لدينا، وكنت قد طالبت بذلك في مقال أو مداخلة سابقة... فالجزيرة العربية حافلة بموضوعات مهمة وكثيرة ولا مكان للأعمال الناقصة في هذا الزمان ولا قيمة لها.

وفي حلقة الشنفرى هنالك جوانب متعددة حول اسم هذا الشاعر وحول نسبه وحول أصله وهل هو من أغربة العرب كما كان عبد الله نور وبعض الذي ذهبوا إلى ذلك قبله...، وهنالك جوانب متعددة تتعلق بأماكن أخرى ذكرها الشاعر ولم يستطع صاحب البرنامج الوقوف عليها لأنه كان كما شاهدته ذا جدول مزدحم ويهتم لإنجازه حتى إن ضحى ببعض النواحي التوثيقية المهمة فعلى سبيل المثال لم يقف البرنامج على (حلية) وقد أخبرت بها الصديق اليحيى، ولم يظهر (العصداء) وقد وقفنا عندها وصورنا ولكن لم يظهرها التصوير، ولم يحاول أن يقف على (تبالة) وقد وردت في شعره.

كما أنه في مسألة (سلامان) مسألة طويلة... ولم يحاول أن يجري توثيقاً علميًا وتحقيقًا للقبر الموجود في هذه القرية وهو في مقبرة إسلامية بل إنه ترك القبر المقصود ليذهب إلى قبر آخر بجانبه لأنه يناسب التصوير أكثر من القبر المقصود، وقد تحدثت معه حول هذه الجوانب وغيرها...، ولكنه كان يريد كما يقول أن يقدم عملاً أو برنامجاً مهتماً بالنواحي الإنثروبولوجية أكثر منه برنامجاً يهتم بالتدقيق العلمي فتركته يعمل ما يريد...

- كان الجانب اللغوي في البرنامج ضعيفاً وقد تحدثت مع الصديق اليحيى وطلبت بعمل مراجعة لغوية شاملة وحتى إن استلزم الأمر إعادة دبلجة الصوت مرة أخرى، ولكنه كالعادة قال إن الفئة المستهدفة وهي عامة الناس لن تهتم كثيرا للناحية اللغوية، ونحن نريد تقديم عمل تعريفي بسيط لا عمل توثيقي. وقد حاول مخرج البرنامج تغطية هذا الضعف بوسائل متعددة وأعتقد أنه نجح إلى حد كبير في ذلك.

وفي الحقيقة أن كل المسوغات التي قدمت لتقديم العمل بهذه الصورة غير شافعة له في خروجه بهذا المستوى في النواحي التوثيقية والعلمية واللغوية ومن المفترض أن نرتفع بالناس علميا وثقافيا لا أن نهبط لمستوى من التبسيط الذي يؤثر في قيمة العمل المنتج.

- طلبت من الصديق اليحيى أن يشير إلى مسألة التعدي على الآثار ويقوم بتوثيقها، وخصوصاً فيما يتعلق (بالناصف من أبيده) حيث وزع هذا الموقع الآثاري إلى مخطط سكني، وكتبت وطالبت على مدى سنوات ماضية بالتنبه إلى هذا الأمر وأنه بمثابة قتل هوية وتأريخ.. كتبت..

– أرسلت برقية في النهاية للهيئة المهتمة بالآثار... ولكن دون جدوى. فما قيمة التوثيق إن لم يهتم بقضايا حول المكان ويذكر ما يحدث حوله في الوقت الحاضر من إلباسات ومشكلات ويعالجها معالجة توثيقية لا أقل ولا أكثر، ومثل ما حدث لي مع اليحيى حدث مع القناة الثقافية إهمال لقضية التعديات على المواقع الآثارية... وهي مسألة مهمة.

- الوعي القبلي والكذب في تغيير الأماكن أو تزويرها أو حتى العمل غير الواعي على لي النصوص والفضاءات بما يخدم الوعي القبلي (المتخلف) فلا زال الوعي القبلي مسيطرا خصوصا في بعض القبائل التي تتركز فيها جوانب الفكر البدائي والفخر الفارغ بكون شاعر يرجع ولو بإحدى الروايات إلى هذه القبيلة أو عاش في بعض الأماكن التي تعيش فيها القبيلة، وعلى الرغم من أن ذلك لا يزيد أو ينقص في كون هذه القبيلة أو تلك تتمتع بدماء زرقاء أو بنية أو خضراء ولا يدل على أن هذه القبيلة أو تلك تمتلك ميزة بصفتها القبلية عن غيرها إلا أن هذا الوعي لما يزل منتشرا حتى عند بعض المثقفين القبليين وأعرف بعضهم وأعرف أن هذا الفكر متغلغل بقوة إلى الدرجة التي تجعل مثقفا خريج السوربون يتصل بي في فترة سابقة، ويريد أن أجمع له المواضع التي وردت في شعر الشنفرى وقصصه لأنه يريد أن يكتب عملا روائيا له، وشفع ذلك بسؤال استفهامي تقريري حول نسب الشنفرى وأنه يعود إلى قبيلته !!. فاعتذرت من هذا المثقف السوربوني القبلي، بل إن اليحيى مقدم البرنامج قد تلقى اتصالات عديدة من بعض هؤلاء المثقفين والمؤرخين القبليين ذوي الوعي القبلي توجه النقد والغضب لأنه لم يهتم بقبيلتهم أو وجهة نظرهم، وقد أعطى بعضهم رقم هاتفي وتواصلت معهم. ولكن للأسف فإن الوعي القبلي المتدني يطغى على الحياد العلمي عند أغلبهم.

- إن الشنفرى في رأيي وغيره من الشعراء الصعاليك يحتاج إلى عدة أفلام وثائقية تتناول هذه الفئة بالدرس والتمحيص من نواح عدة فهم قد تمردوا على النظام القبلي، وهم طقس عبور لم يكتمل بحسب الدراسات الإنثروبولوجية عند سوزان ستتكوفيتش، وهم مقدمة لخلخلة النظام القبلي قبل ظهور الإسلام، وهم ظاهرة فنية متفردة، وهم ظاهرة أسطورة عجيبة ولذا فإنهم يحتاجون وثائقيا إلى وقت أطول ومتخصصين أكثر لتناولهم.

أرجو أن تكون هذه الملحوظات المتناثرة حول البرنامج دافعاً لمزيد من التجويد فيما يقدم من أعمال لاحقة. هذا رجائي مع تقديري للجهد الكبير المبذول في العمل.

جمعان عبدالكريم - الباحة