Saturday 13/12/2014 Issue 455 السبت 21 ,صفر 1436 العدد

شخصيات روائية «أكثر شهرة» من مؤلفيها

لكي تخلق شخصية «إنسانية» لعملك يلزمك إبداع أدبي وحبكة فنية روائية، فبث الروح في شخصية من الورق يحتاج لأكثر مما قد تظن، فبناء وميلاد الشخصية الرواية بكل تعقيدات البناء النفسي والروحي، التمييز بين الشخص ككائن حي والشخصية الروائية بمثابة كائن ورقي إبداعي وتخييلي، الروائي يضع في مخططة عناصر بناء الشخصية، من هو الشخصية مقوماته الجسمية والنفسية والاجتماعية مظهره الخارجي (الجسم والثياب)، تكوينه النفسي والاجتماعي، وذلك يشمل النشأة، البيئة، الذكاء، الثقافة، الجانب الانفعالي الوجداني والمزاج والطباع والسلوك.

الشخصية الروائية تعني الكثير جدا للروائي وهو في علاقته الجدلية معها كثيرا ما تتمرد عليه وعلى مخططه وتذهب في اتجاه لم يخطط له، وهي في كل أحوالها ركيزة الروائي الأساسية في الكشف عن القوى التي تحرك الواقع من حوله، وعن ديناميكية الحياة وتفاعلاتها، وللشخصية الروائية أبعاد منها البعد المادي، البعد الاجتماعي، البعد النفسي والبعد الأيديولوجي، وتماماً كما في الحياة تتنوع الشخصية الروائية بحسب أطوارها عبر العمل الروائي، وهناك ضروب من الشخصيات؛ فنجد الشخصية المركزية والثانوية والخالية من الاعتبار والشخصية المدورة والمسطحة والإيجابية والسلبية والثابتة والنامية.

قال بيكاسو «أنا لا أبحث أنا أجد»

أكدت الدراسة التي أجراها أخيرا العالم البريطاني دانيل نيتل ونشرتها مجلة العلوم الأمريكية، أكدت تفشي الشخصية الفصامية بين المبدعين أكثر من الناس العاديين، وهذه الشخصية، على حد تعبير العالم البريطاني، «تزوّد المعنيين بها أفكارًا واعتقادات خارجة على المألوف». من الأمثلة على ذلك:

الموسيقار المعروف شوبان على سبيل المثال، كان يعتقد أن بيتهوفن استمدّ ألحانه من أرواح الأموات في القبور. أما الكاتب الشهير شارلز ديكنز فكان يشعر بأن أبطال رواياته يلاحقونه. من جهته كان العالم إسحق نيوتن يكرّس وقته للعمل، ويتحاشى المجتمع لأنه يؤمن بأن الغير يضمر له الشر.

كي لا أستفيض وأفيض تدعوك لمراجعة حياة وسلوك من التشكيليين الهولندي «فان خوخ» أو فان جوخ، من الروائيين الأمريكي ارنست همنغواي، من الشعراء الروسي ياسنين، من الموسيقيين البولندي فردريك شوبان.

هذا لا يعني أبدا أن «غرابة أطوار الكثير من المبدعين/ات»، تعني عدم وبساطتهم، لكنها أيضا لا تثبت ذلك، الشيء المؤكد في الشخصية المبدعة أنها «غير عادية» شفافة وتحمل حساسية خاصة وتنحى في اتجاه التمرد، التفرد والاختلاف.

هناك تعليق للناقد محمد عباس عن هذا الموضوع ذكر فيه «أنه لم يظهر الشخص الإشكالي التدميري الشبيه ببازاروف بطل «أبناء وبنون» لتورجنيف، فحتى الروايات -المحلية- المعتمدة على الشخصية كمحور لم تتمكن من غرس شخصية لافتة في الذاكرة الجمعية، خذ مثلاً تجربة القصيبي والحمد والدميني في محاولاتهم لطرح شخصيات تستهلك فاصلاً من حياتها من أجل هاجس فكري، أو سياسي (فؤاد الطارف- هشام العابر- سهل الجبلي) فكل هذه الشخصيات تعكس الشخصية المتخيلة أو البطولة الفعلية لروائي يعدد مآثره وخلاصة تجاربه، ولكنه لا يرقى بشخصية بطله إلى مستوى الشخصية المركبة، القادرة على ترك الأثر في القارئ، والمكوث في الذاكرة، فهي خطاب فكري مختزن في شخصية لا أكثر، ينتهي أثره بالفراغ من قراءة النص.

أتفق حقيقة معه بخصوص إنتاج وتشكيل الشخصيات الروائية المحلية وضعفها وعجزها عن ترك تلك البصمة في وجدان القارئ وذلك لافتقارها إلى الصدق.. الصدق المطلق لنرقى بشخصية «إلى مستوى الشخصية المركبة، القادرة على ترك الأثر في القارئ وذلك ليس بالسهل أبدا على الروائي المحلي، وهذا ما عجز عنه كتّابنا صنع شخصية روائية على الورق تتطور لتصبح حقيقة وقيمة، شخصيّة تمثّل أحلامنا وطموحنا ويأسنا وأحزاننا.

فتاريخ الأدب مليء بشخصيات تفوّقت على اسم كاتبها, بثّ فيها كاتبها الحياة, ولشدّة حقيقتها، فهي مضطربة ومستقيمة,تعاني ونفهم معاناتها, ترتكب الأخطاء ونلتمس لها العذر.

«جان فالجان» هو إحدى الشخصيات المركزية والمتطورة في رواية البؤساء التي كتبها الأديب الفرنسي فيكتور هوغو، شخصية جان فالجان تمثل شخصا حُرم من الكثير ولكنه كالشمعة التي تضيء لتعطي النور للآخرين، بعد أن قام باقتراف عدد من الأخطاء سابقا كسرقة رغيف خبز احتاج إليه لكي يؤمن القوت لعائلته، تم سجنه بسبب هذا الرغيف خمس سنوات امتدت بسبب محاولات الهروب التي قام بها إلى تسع عشرة سنة. شخصية «جان فالجان» حقيقية فهي تمثّل حقيقة فرنسا ذلك الوقت والوجه الأسود للحياة، الجوع والظلم والثورة، شخصية «جان فالجان» كانت فرنسا.

ونجح حائز «نوبل» نجيب محفوظ في صنع شخصية حقيقية روائية في الأدب العربي، وهي شخصية «سي السيّد» في ثلاثيتة (بين القصرين وقصر الشوق والسكرية) سي السيّد كانت حقيقة رجل شرقي، داخل منزلة لا رحمة ولا تهاون لدرجة أن الزوجة المغلوبة تقوم بغسل رجليه ولاء وطاعة، وخارج المنزل رجل يبحث عن المتعة بدون قيود أو أخلاقيات.. وأصبحت هذه الشخصية مثلا «عربيا» للرجل المستبد.

«شرلوك هولمز» شخصية خيالية لمحقق من أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ابتكرها الكاتب والطبيب الأسكتلندي سير آرثر كونان دويل، كانت شخصية شرلوك هولمز أيقونة ورمز للقانون والبحث الجنائي، الشخصية المعجزة التي استطاعت وتستطيع حلّ كل القضايا والغموض الذي يكتنفها، العجيب في الأمر أن الكثير من الناس يظنون «شارلوك هولمز» شخصية حقيقية كانت موجودة فعلاً.

أيضاً أذكر «هاري جيمس بوتر»، شخصية خيالية لساحر هو محور السلسلة التي تحمل نفس الاسم للمؤلفة البريطانية ج.ك. رولنغ، وأحد أشهر الشخصيات الخيالية في تاريخ الأدب.

أحلام الفهمي - الدمام