Saturday 13/12/2014 Issue 455 السبت 21 ,صفر 1436 العدد
13/12/2014

التشكيليات الوجه الآخر للعملة التشكيلية قيمة ومقامًا وحضورًا مشرفًا (8)

بدرية الناصر في لوحاتها سيمفونيات تنافس بيتهوفن في الإحساس العاطفي

استعرضنا في الأعداد السابقة نخبة من الفنانين كنماذج لعدد كبير ممن كان لهم دور بارز في انطلاقة الفن التشكيلي السعودي وجاء الاختيار بناء على تنوع الأساليب والمناطق الأكثر حراكًا وعودًا إلى دورهم البارز في تأسيس وحضور الفن التشكيلي السعودي على المستويين المحلي والدولي، استطاعوا أن يبقوا لهم مكانًا ومكانة في سجل تاريخ الحراك التشكيلي السعودي.. أبدعوا ومروا بتجارب عدة حققوا بها أساليب رسمت علامات بارزة في الفن التشكيلي المحلي والخليجي والعربي، كان حضورهم ومشاركاتهم كالذي يتنفس تحت الماء لعدم وجود جمهور يشاهد أو مقتنٍ بدعم فترة التأسيس الصعبة.. إلى أن وضعوا أقدامهم على يلم السهرة وصنعوا مع بقية زملائهم الأجيال الرائدة ومن جاء بعدهم بقليل إبداعًا اسمه الفن التشكيلي وضع الجهات المعنية بالثقافة أمام الأمر الواقع فكان الدعم وكانت المعارض ومنحت الجوائز وكان الحضور الدولي... نخب حملت على عاتقها مسؤولية كبيرة لا يمكن إغفالهم أو نسيانهم.. وجاء استعراضنا للأسماء التالية كنماذج للعديد من أمثالهم وهم، أحمد الاعرج، سليمان الحلوة، عبد العزيز الماجد، سعد المسعري، سليمان باجبع، بكر شيخون، حمزة باجودة

وفي هذا العدد سيكون للوجه الآخر للعملة التشكيلية العالية القيمة مساحة من الضوء لا تقل عن تلك المساحة التي أعطيناها على من تشرفنا بتقديمهم في الأعداد السابقة حيث ننطلق من هذا العدد بتقديم نخبة من المبدعات التشكيليات.

اخترنا منهن أسماء تستحق التذكير بهم للأجيال الجديدة تذكيرا لا يعني أنهن منسيات ولكنه تذكير بصيغة التكريم ولو بأقل مما يستحققن.

الرسم بإيحاءات سيمفونيا بتهوفن

تعتد السيمفونية التاسعة من سيمفونيات بيتهوفن أجمل قطعة من ببن جميع سيمفونياته.. لتمتعها بنقلات وتوزيع هارموني واختتام بالكورال. هذه السيمفونية التي تلقيت فيها وعدد من زملائي في معهد التربية الفنية في بداية السبعينات الميلادية دورات لكيفية الاستماع لها ولغيرها من المقطوعات الراقية من خلال دورات في النشاط المسائي من الأستاذ محمد هاشم عطية... أعادتها إلى ذاكرتي إبداعات الفنانة بدرية الناصر من خلال التقارب بين إيقاعات تلك المقطوعة وتطور مراحل إبداع الفنانة بدرية وكذلك تنوع موضوعاتها.. ويمكن معرفة هذا التحرك والتقارب بين توزيع نوتة الأنغام القوية المجلجلة والأنغام الهادئة الحالمة..وما يبرز بين هاتين الحالتين من لحظات السكون دون تأثير على جمال خط سير إبداع الفنانة بدرية.. هذا التحرك أو التبدل الإيجابي مطلب وفقًا وتبعًا للفكرة أو الحدث أو لحظة اليقظة تجاه التعامل مع اللوحة... فالفنانة تسعى لتحقيق المعنى البصري للفكرة التي بنت عليها العمل إما من الواقع أو من مختزل التخيل.. من يتابع سير إبداعها يجد أنها تتعامل باحترافية الواثق وقدرات المحترف، تفاجئنا بالفكرة فتنقلنا من خلال تنوعها وتنويعاتها من حالات الرومانسية الحالمة الباعثة للتفاؤل إلى حالات الحزن والألم.

بناء اللوحة بخلطة العاطفة

الفنانة بدرية الناصر فنانة تشكيلية سعودية من المخضرمات في الفن التشكيلي السعودي، وحصلت على عدة جوائز وشهادات شكر وتقدير، كما ساهمت في إعطاء دورات تدريبية في الفن التشكيلي، ولها مشاركات في عدد من المعارض الداخلية والخارجية.

صرحت الفنانة بدرية الناصر في إحدى اللقاءات الصحفية حول معرضها “همس الورود” بأن عنوان المعرض يعني أن نعيش لحظات الجمال، لحظات رقي وأمل، فالعالم من حولنا بدأ يضج بأشياء قبيحة من حروب وجوع وفقر نشاهده من خلال الأخبار، فانطلقت من هذه الزاوية وهي زاوية الجمال، وأهدف إلى أن أجعل كل من يدخل معرضي يشعر بالهدوء والسكينة، ويقدر الجمال الذي مازال موجودًا، فيكتشف أن في الحياة ناحية جميلة، وكأنه يدخل إلى مكان يعزف موسيقى راقية هادئة، في حين يمتلئ العالم الخارجي بالضجيج والصراخ.

هكذا تنظر الفنانة بدرية الناصر للحياة وهكذا هي لوحاتها دون مكياج مزيف أو تغليف كاذب.

عرفت إبداعها منذ أن وضعت أولى خطواتها وعلى مدى ما يزيد عن الثلاثين عامًا، تمزج ألوانها بالحس العاطفي وتتعامل مع اللوحة تبعًا للحظة التحريض الذي تشعر بها حينما يهز وجدانها موقفًا إما وطنيًا أو إنسانيًا لتقدمه على طبق متجانس تحفة وتؤطره لمسة عاطفية رقيقة مهما اختلفت الموضوعات أو الفكرة فالمشهد العام لكل لوحاتها يظهر سيطرة العاطفة والرومانسية على أي مشهد قاسٍ أو محزن أو حتى مشهد عام.

مسيرة وأسلوب وريادة...

أحبت الرسم منذ الطفولة وهذا ما يجعل إبداعاتها صادقة عودًا إلى صدق البدايات، لم تمارس الفن بحثًا عن شهرة أو اعتقادًا، إنها ستقدم عملاً ناضجًا من دون موهبة، ثم دراسة، ثم تجربة طويلة جعلت لها مسارًا ومسيرة من بين رواد البدايات والتأسيس لهذا لفن درست أصول الفن لكنها تلقت التدريب الفعلي بعد تخرجها من معهد المعلمات بإصرار لا يخلو من التعب والاطلاع والتجريب والحضور المستمر دون النظر إلى الخلف وإنما إلى هدف تحقق بأن أصبح لها ريادة حضور مبكر وأسلوب لا تخطئه العين منذ بدايتها المبكرة في المشاركة في المعارض الجماعية التي انطلقت في الثمانينات في المنطقة الشرقية، ونظمتها الرئاسة العامة لرعاية الشباب وكذلك جمعية الثقافة والفنون بالدمام، هذه المسيرة والتاريخ الطويل شاركت من خلاله في مجموعة من المسابقات، وأقامت بإعطاء دورات تدريبية في الفن التشكيلي في الجمعيات والمراكز النسائية، إلا أن حضورها الشخصي بدأ يقل من جانب إقامتها للمعارض الشخصية التي كادت أن تسقي شجرتها بمعرض أقيم قبل عامين في قاعة داما ارت في جدة قدمت فيه عددًا من أعمالها، جمعت فيه بين مشاعر وأحاسيس المرأة بالتراث والطبيعة وعنونته بهمس الورد، شكل حتى الآن هلالاً يغلق ما بينه وبين معرضها الأول الذي أقامته في الدمام بعنوان “قصائد ملونة”.

- monif.art@msn.com