Saturday 14/06/2014 Issue 442 السبت 16 ,شعبان 1435 العدد
14/06/2014

في يوم الاحتفاء ..!

الحديث عن زميل الطفولة المتأخرة، والدراسة المبكرة، والعمل الأكاديمي المتواصل، الأستاذ الدكتور إبراهيم الفوزان حديث عن الذات. ومن المعضلات موضعتها، فحيواتنا اللاهية والعازمة تعيش خُلطة مُسْتحكمة، ومشاربنا الثقافية، واهتماماتنا الأدبية متقاربة. ولست أدْري أيُّنا الأسن، ولكنني متأكد أنه الأكبر، بطموحه واهتماماته، ومتابعاته، ورعايته الأبوية الحانية لطلابه، وأثره البين في مشاهد الأدب عامة، ومشهد الأدب السعودي على

وجه الخصوص.

اللافت للنظر أنك إن أردت أن تراه جاداً صارماً فأنت لا تراه إلا كذلك، وإن أردت أن تراه ناهضاً بكل واجباته الاجتماعية، وعلاقاته الأخوية مع القريب، والزميل، والطالب فأنت تراه كذلك. وهو ممن بارك الله بجهدهم ووقتهم. فما خَلَّفه من كُتُبٍ، وما تَخَرجَّ على يديه من طلاب، وما أُنْجَز في إدارته من أعمال أكاديمية، وما أتَمَّهُ من دراسات حول الأدب السعودي تجْعلُه في تصورك من المتبتلين في محاريب العلم والأدب.

وما يعيشه من خُلطة مع الأصدقاء، والزملاء، والطلاب، يجعله في تصورك من الفارغين من كل الهموم، المحبين لمجالسة الرجال. وهو فوق هذا وذاك صَبُورٌ محتسب، لقد مَسَّه الضُّر واعتورته عوارض المرض، وحين تقابله، لتواسي، أو تأسو، أو تتوجع يلقاك بوجه طلق. فكأنه الآسي و المواسي. لا تسمع منه إلا كلمات الحمد والشكر والتفاؤل، ومن ثم لم يترك لليأس طريقاً إلى مشاعره. إنه بكل مآسيه أكثر منا تفاؤلاً، وأرحب صدراً، وأقدر على بث الثقة، واحتمال الأذى.

في هذه العُجَالة لن أقارب منجزه الأدبي بدراسة جادة، فذلك يتطلب وقتا لم يتوفر، وجهداً لم يتأت. ويقيني أن ثلةً من طلابه، وقليلاً من زملائه سيجدون من الفراغ والجِدَةِ المعرفية مالم أجده، ليفككوا أطرافاً من منجزه النقدي والدراسي. فمراحل حياته انطوت على تقلبات ثقافية، وتنقلات معرفيه، ومرت بمناهج، واستعانت بأدوات، استجاب تنوعها لمتطلبات المراحل التي مَرَّ بها، ولم يتلبث.

لقد بدأ مؤرخاً للأدب السعودي، متقصياً لمنطلقاته في الحجاز. وحين استكمل بنيته التحتية ،بدت أعناق معارفه ،مستعينا بطلابه الذين ندبهم لدراسة أدب المناطق الأخرى. وحين اشتكى أحد طلاب الدراسات العليا مما ألزمه بهِ من دراسة أدب إحدى المناطق النائية، قليلة المراجع، والمصادر ،أكَّدتُ عليه تَحَمُّل المسؤولية، فأستاذه لايمارس الإشراف فقط، وإنما يشايل طلابه، ويزودهم بالمصادر والمراجع، وينقب لهم عن الوثائق، ويرود لهم المجاهيل، فَهَمُّه أن يَمْسح الأدب العربي في كافة مناطق المملكة، و أن يجعله في متناول أيدي الدارسين، ورهانه ألا يعتزل المعترك الأدبي حتى يفي لأدب بلاده بأيسر الحقوق.

لقد شاركناه الهم، ولكنه سبقنا بعزمات لا تلين، وكنا نعدو وراء القضايا السياسية والأدبية والفكرية، ونخرج من مؤتمر لآخر، ومن منتدى لمنتدى، وهو قابع في مكتبته، او قسمه، أوينتهب الخُطى لينهي مشروعه الوطني، الذي يغبطه عليه لداته ومجايلوه. بقي أن تنهض المؤسسات الثقافية من أندية ومؤسسات وجامعات وملتقيات، لتلقي الراية منه، ومواصلة الأداء، ليكون أدبنا السعودي حاضراً في مشاهد الأدب العربي بندية وأهلية.

إن مؤسساتنا تستخف بمثل هذه المشاريع، وقد لا تكون من أولوياتها، مع أنها الأهم في نظري. فحضور أدبنا في مشاهد الأدب العربي، لا يليق بمثله. ومالا أتردد في تأكيده أن أدباءنا يعرفون عن أدباء الوطن العربي فوق ما يعرفونه عن أدباء بلادهم، وذلك ما لا يقبله محب لأهله وعشيرته.

لقد احَسَّ [الفوزان] بهذا العقوق، وشاطره هذا الإحساس لفيف من الزملاء، ومن ورائهم [جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية]، وهبوا جميعاً لترجمة هذا الإحساس، ومبادرة الأدب المذود عن دوحه، ليُغرِّد مع كُلِّ جِنس من الطير.

وكأني بأدبنا وقد بح صوته من ترديد :ـ

[أحرامٌ على بلابله الدوح: حلالٌ للطير من كل جِنْس] يأخذ مكانه اللائق به بين أداب الأمه العربية. لقد مَرَّت [جامعة الإمام]من خلال [كلية اللغة العربية] بتجربتين، كُتبَ لهما كل النجاح:

التجربة الأولى:. إحياء أَدَبِ الدَّعوة في مختلف العصور، جمعاً وتخريجاً، وتوثيقاً، وتبويباً، ولما استوى المشروع على سوقه، نُدِبَ النجباء من الطلاب إلى دراسته، وتحليل مضامينه.

والتجربة الثانية: استحضار الأدب العربي في المملكة العربية السعودية بعد غياب، أو تغييب من الأساتذة المعارين من جامعات الوطن العربي.

لقد فُرِض برموزه وظواهره وأنواعه، بعد أن عاش غياباً مُخلاًّ بالأَهلية. لقد كان لي شرف الإسهام بشيء من هذه التجربة، وكانت رسالتي للماجستير عن [اتجاهات الشعر المعاصر في نجد] فيما كانت رسالتي للدكتوراه عن [النزعة الإسلامية في الشعر السعودي المعاصر] كما قمت بتدريس مادة [الأدب السعودي ] أو[أدب الجزيرة العربية] كما يُسَمَّى في بعض الأحيان، لقسم [الليسانس] على مدى أربعة عقود، غير أن المُحْتَفى به [أبا أديب] وسَّع قاعدة اهتمامه بالأدب العربي في المملكة بتجنيد طلابه، لاستكمال تاريخ الأدب السعودي في كافة المناطق، وذلك مشروع لم يُسْبق إليه.

ما قمت به مع طلابي وطالباتي دراساتُ جانبٍ من الظواهر الأدبية في الأدب السعودي، وما قام به آخرون من قبل، ومن بعد لا يختلف عما قمت به، وهي اسهامات تُذكر وتشكر، ولكن يبقى مشروع المحتفى به فوق ما سبق من إسهامات. ولعل ما يلحق من دراسات يسد الخلال التي سيتركها زميلنا الأستاذ الدكتور إبراهيم بن فوزان الفوزان بعد عمر مديد حافل بجلائل الأعمال.

شكراً يليق بالوفاء الذي ابتدرته جريدة [الجزيرة] من خلال ملحقها الثقافي المتميز أزجيه لكافة العاملين في هذا الحقل. فالتكريم لذوي التميز، ومعرفة الفضل لذويه، لا يبادره إلا ذوو الفضل. وتلك السنة الحسنة تُحْسُبُ لمن سَنَّها، وقاربها بين الحين والآخر، ونحن بخير ما حُفِظ للسابقين سَبْقهم، وللجادين جِدُّهم. فلنْمض في طريق التآلف والمحبة، نذكر بالخير من يستحقه، ونستنهض همم المترددين، ونتزود من فضائل الأعمال، وخير الزاد التقوى.

- بريدة