Saturday 14/06/2014 Issue 442 السبت 16 ,شعبان 1435 العدد

سهام القحطاني

المرأة.. وباركود الجلد الثاني

14/06/2014

لماذا تمثل المرأة لدينا إشكالية؟

و«لدينا» لاتقتصر على المجتمع السعودي فقط بل كل المجتمعات العربية والإسلامية بنسب مختلفة وفقا لمساحة الطارئ مقابل الأصل.

والسؤال السابق يطرح «إشكالية الطارئ»لا «الأصل» وأؤكد على هذا الأمر أن الإشكالية في مسألة المرأة لدينا هي إشكالية الطارئ لا الأصل؛ لأقطع الطريق على أي مُزايدة على إيماني بما كفلته أصول الإسلام من فعالية كرامة للمرأة ونشاط حقوقي مدعوم بأدلة صحيحة وصافية من أي شبهة أو اجتهاد عنصري أو قياس لنموذج فاسد أو إغراق في تأويل مبهم ،فالعوار دائما ما يحصل من استغلال الهامش وتهميش الأصل وفساد تجار الدين لا قصور في الدين أو نقص في أصوله.

وبالتالي فالمساحة هنا مفتوحة لنقد شريعة التأويل أو باركود «الجلد الثاني» لقوننة حالة الاقتضاء التي تخلو من معيار ضابط أو قاعدة مُقيِدة أو إطار حاكم إلا من حالة تُقيّد قاعدة أو تصورا يُؤسس لمعيار ضبط أو سندا تراثيا يُشكل إطار حكم. وبذلك فنحن أمام متغير يُوجب ثابت يتأسس في ضوئه قاعدة مٌلِزمة وتصور لمعيار ضابط وإطار حاكم وهو ما يعني أن خطية الصدق موحدة الاتجاه وهي أحادية بدورها مُنشأة لليقين،واجتماع الصدق واليقين باعتبار ثلاثية باركود «الجلد الثاني» يعني قدسية الحكم الصادر لماهية التصور بمعلوماته وصفاته وحقيقته.

كما يعني أن الخروج على ذلك الصدق بالاختلاف هو إنكار والخروج على ذلك اليقين بتعدد التوثيق هو تشكيك،وإحاطة الطارئ بالصدق المغلق واليقين الثابت هما اللذان يحولانه إلى باركود»الجلد الثاني» أو معادل الأصل. وبذلك فالجهد الأكبر في مسألة المرأة يُصرف في إعادة المسألة إلى أصلها وتفكيكها عن محيط الطارئ أو باركود الجلد الثاني لِمُعادل الأصل،وهو جهد بما فيه من إهدار للطاقة الحقوقية النسوية وإضاعة لمسافات نهضوية لها تأثيرها البالغ في «تأخير المنجز الحضاري للمرأة» لكنه جهد كان ومايزال ضروريا لأن المسألة مازالت معلقة بالبينية «الطارئ والأصل» ومازال نصف محيط الطارئ غير مفكك. لكن تظل الفائدة قائمة لسان حالها يقول «أن تأتي متأخرا أفضل من أن لاتأتي أبدا». كما أن فاتورة الهدر تلك دفعتها كل نساء العلمانية الغربية قبل أن يحققن فعالية النشاط الحقوقي من خلال ترسيم القوانين الموجبة للتكافؤ بين الجميع. مع إيماني أن معركة المرأة العربية والمسلمة مع باركود الجلد الثاني أيسر من المرأة الغربية،لأن التشريعات الموجبة للتكافؤ وفّرها الإسلام العظيم لكن صراع المرأة هنا قوننة التشريعات لتُصبح ملِزمة الإجرائية والتحقق.

كما في ذلك الجهد المُهدر طاقته أيضا الكثير من صراع الاستحقاقات مع تجار الدين والأعراف والعبودية الجديدة،صراع يقدم الجزء على الأكل باعتبار الأولية مقابل إنكار أن التكاملية سبقت الأولية في الجوهر والقصد قبل الفعل،صراع باعتبار أن «الحذر يسبق القدر» في مخالفة صريحة لنفعية التطور عبر النشوء والارتقاء ،صراع باعتبار أن الباطل المّفضي إلى الاعتقاد بالخير أولى من الحق المُفضي إلى الشر وفق اعتقاد عليم بالجوهر والقصد.

والانشغال بإشكالية الطارئ غالبا ما يُضيّع صفة وهوية الأصل وبالضغط والتقادم ودعم محيط الإضافة يتحول الطارئ إلى أصل ليُصبح الأصل فيما بعد هو الطارئ.

إن أصعب أنواع المعايير على مستوى الفك والتعديل هي تلك المعايير التي تتربى على سند تراثي،لسببين ؛ السبب الأول،لأنها معايير تنبني على تجربة والتجربة هنا هي التي تكوّن قيمته،ووفق هذا السبب تتحول المرأة إلى «وصف بمعنى القيمة». ولاشك أن القيمة البحتة تختلف عن القيمة المبنية على تجربة أو تصور،فهي أكثر عمقا و شمولية و أوسع صلاحية وأقرب إلى التعايش الحضاري المتوالي والتداولي والتمرّس العقلي، وبالتالي فتوصيف القيمة المبنية على تجربة عكس القيمة المبنية على ماهو بحت أو صافي الجذر؛ فهي مُحاطة بالنوعية والوجدانية جالبة للتعثر النهضوي مُرسِخة للتطرف الفكري كما إنها منعدمة الجوهر، ولا يمكن اعتبار السند التراثي مهما ثقُلت ميزان توثيقه بأنه دلالة كافية لتعبئة حيز الجوهر،وبذلك يُضاف لوصف المرأة السند التراثي لتُصبح»وصف تراثي بمعنى القيمة».

والسبب الثاني هو «صدقية التصور الموروث « وتلك الصدقية تحمّل أحادية متطرفة، فالمجتمعات العربية والإسلامية بما فيها السعودية «تعرفت على المرأة « من خلال التصور المتوارث والمتسم بثبات الصدقية وأحادية الإطار. وبذلك فإدراكنا لماهية المرأة سواء المرأة بالنسبة للمرأة أو المرأة بالنسبة للرجل مستمدة من ذلك التصور،التصور الذي حصر «ماهية المرأة» في «الخطيئة والفتنة ونقص الدين والعقل» إضافة إلى تحميلها «مسئولية شيطنة البشرية وإضاعة الجنة».

تُعتبر تصوراتنا إحدى مستويات مصادر إدراكنا للأشياء،وبالتالي لا أحد يٌنكر أن التصور معرفة في ذاته،ويمكن أن نعتبر التصور بمثابة»الخارطة الوراثية»للفرد والجماعة،وبالتالي من السهل تتبع نمو السلم الفكري لأي جماعة من خلال دراسة تلك الخارطة المُوزعِة من خلال خلايا باركودية لوظيفة التصور ونشأته ومراحله.

و لذلك غالبا ما تنمو إشكاليتنا من أحكامنا الحاصلة من تصوراتنا،وقد يقول البعض لكن التصور هو ناتج معطى معرفي مُدخر،وبذلك كما يذهب ذلك الرأي فلا يمكن ربط التصور بمصدر تصدير السلعة المعرفية الفاسدة؛إنما ما يدخله من إضافات وتراكمات هي التي تؤثر في حركة تشكيله وهي حركة عادة ما تُتيح فرصة تسرّب المُفِسد من الأفكار والأقوال.

ولعل هذا الرأي يملك مايستحق من الإقناع في حالة اتصاف التصور بالتجديدية،لكن التصور يتسع كلما تعددت دوراته الحياتية وبذلك فالإضافة والتراكمية بتزايد الدورات الحياتية تتوثق تأصيلا وتقوى مناعتها لتُصبح جزءا من جذر التصور. والدورة الحياتية لا تتضمن غالبا إنتاجا مختلفا،وإن تضمنت توزيعا مختلفا؛لأن التمثيل -روح القصدية المدعومة من التصور- المعتمد على طبيعة التداعي ذاتها لا يتغير،وبذلك تظل المرأة مرتبطة بنوعية تداعي ثابتة أسسها الوصف التراثي لكينونة المرأة. ولاشك أن التمثيل يتضمن حقيبة صياغية مهمة بالنسبة للقصدية كمعبار معرفي منبني على السند التراثي سواء على مستوى التناظر أو التشابه أو على مستوى الكيفية بالعلاقة؛أي نوع العلامة و صفة السبب أو ما يمكن أن نسميه»وظيفة الباركود».

وهي وظيفة تدعم التمثيل من خلال «نشاط فاعلية التداعي»بين الأفكار التي تعتمد بدورها على التشابه والتجاور والأثر،والتشابه والأثر هنا يقومان على «النمذجة» لا «النوع»صحيح أن النوع هو «المقام الأول» للتداعي لكنه يظل مقاما صامتا خارج تشكيل نمذجة،في حين أن النمذجة هي فاعل نشاط التداعي،ولذلك «تُنمذّج» النساء في «حواء»،وبذلك نلاحظ أن التصور الداعم للسند التراثي غالبا ما يؤكد على «نمذجة محصورة بالقالب السلبي للسلوك .

يتطور نظامنا التصوري على»آلية التداعي»»فعالية نشاط القصدية» أي أن كل وحدة تصوريّة مصاحبة بمنظومة من الدلالات، وكل منظومة من الدلالات مرتبطة بمجموعة من التمثيلات أو المُمثِلات سواء صاحبة الهيئة الاعتبارية أو صاحبة الهيئة اللغوية.

فاللغة كما يعرف الجميع هي عبارة عن أنظمة إشارية تعمل على إيصال الأفكار عبر استدعاء المفاهيم والقيم المكونة في أذهاننا لنقلها لأذهان الآخرين وبذلك تصبح اللغة في ذاتها» ممثِلة لعقيدة وحياة « بكل حالاتها العقلية والانفعالية والوجدانية وما تُوجبه من قرارات ومواقف وآليات تقويم وما تحّف تلك الآليات من استحقاقات صياغة الحدود.

واللغة كجزء من فعالية نشاط القصدية يعتبر الأهم في تشكيل التصور ليس لأنه وسيلة نشأة التمثيلات إنما إضافة إلى ذلك أنها راعية نقل وترويج ما نعتقد صدقه إلى ذهن الآخر ،فنحن نتقصد نقل مفهوم نعتقده ليصبح مقصدا لآخر ليتساوى معنا في مقصدنا ودرجة صدقنا لهذا المقصد،أو ما نسميه «صناعة المقصد العقدي» وهي الصناعة التي تعتمد على «تصفير خاصية الكذب» مقابل»إحاطة «الصدق» بكمالية اليقين،وهذا التعمد في التلاعب بنسب «الكذب والصدق» غالبا هو مصدر الصراع الفكري بين الأفراد والجماعات.

ليس هناك «فكرة صادقة أو كاذبة» في جوهرها؛إنما الصدق والكذب يُكتسبان من خلال «اللفظ والدلالة» وإن كانت الدلالة أسبق في الغاية فاللفظ أسبق في التأثير لأنه الأسرع في الاستدعاء لقدرته على الربط بين النظائر والمتشابهات لتفعيل تأثير النمذجة،وكلما كان اللفظ مدعوما بمحكي شعبي موجز كان أقدر على كسب تأثير جمعي،وكلما تجاوز اللفظ بالترفع عن المحكي الشعبي بالفكرية فقد كسب التأثير الجمعي،وهذا من أجل الفروق بين الخطابين الديني والثقافي في المجتمع السعودي في مسألة المرأة ، ولذلك لانندهش من قوة التأثير الانفعالي على الجمهور من خلال استدعاءات لفظية يلجأ لها الخطاب المتطرف نحو المرأة لتحريم استحقاقاتها مثل السفور والتحرر والاختلاط لتحصيل صراع بين المرأة والمجتمع ولقوننة الوصاية عليها. ويمكننا تقسيم التمثيل إلى مستويين المستوى الأولى يعتمد على «آليتي التطبيق و التصنيف» والمستوى الثاني يعتمد على آليتي»الابتكار والخلق».

والمستوى الأول مبني على معطى معرفي من خلاله يستمد ذلك المعطى هويته من حيث الشكل واللغة والنوع والخاصية والصفة،وهذا المستوى داعم «لوصف السند التراثي للمرأة»

والمستوى الثاني ينبني من خلاله معان معرفية وتستمد تلك المعاني هويتها من حيث الشكل و اللغة والنوع والخاصية والصفة من آليتي الابتكار والخلق.

والمرأة وفق هذا المستوى «تخرج من محيط الوصف التراثي من خلال النمذجة حالة ولغة»إلى «نظير فاعل» يرتبط بإمكانية قدرة وجهد وإنجاز،وهو مايعني تحرير المرأة من «باركود النمذجة» أو « الجلد الثاني» لإعادتها إلى القيمة الموجِبة للأصل.

- جدة