Saturday 14/06/2014 Issue 442 السبت 16 ,شعبان 1435 العدد
14/06/2014

ثقافة القطارات لأهل الصحراء

كثير منا يسافر إلى بلدان العالم القريبة أو البعيدة. وقد تختلف بعض تلك البلدان القريبة والبعيدة عنا في أمور كثيرة؛ لكنها أيضاً تختلف فيما بينها اختلافاً كبيراً في ثقافة الحياة، وفي طرق التعامل بين الأفراد في المكان العام، وعلاقة الفرد بتلك المنشآت وقوانينها وحدود المسموح والممنوع قانوناً أو عرفاً.

وفي موضوع النقل بالقطارات على وجه الخصوص، يوجد في أوربا؛ وهي أكثر بقع الجغرافيا العالمية استخداماً له في المواصلات العامة، وخاصة تحت الأرض، عدد من القوانين والأعراف التي تحكم تلك الأمكنة العامة، وتوقع الناس لما هو مطلوب أو مفروض في هذه المواضع. ودون الإلمام بها تقع مشكلات جوهرية على المستوى الأمني والاجتماعي والنفسي؛ سواء بالنسبة لمن لا يدرك تلك المعطيات ويلتزم بها، أو بالنسبة لمن يعاني - مهما كانت درجة المعاناة - من تلك التعديات أو القصور لدى غير الملتزمين بالقوانين والأعراف.

ومنذ أن سمعت عن المحاولات الجدية لبدء مشروع نقل القطارات في مدينة الرياض، وفي عدد من المدن السعودية متزامناً أو لاحقاً لمشروع الرياض؛ وأنا أتحسس من عدم بحث ذلك الجانب، أو التطرق إليه بأي حال من الأحوال. فلم نسمع عن ندوات تهيئ الناس لتلك النقلة الحضارية، ولم نشاهد أي منتج يتعلق بتلك التهيئة، وهي في ظني أهم بكثير من المنشآت، والحديث عن المليارات، التي تنفق على خطوطه المختلفة، والشركات المنفذة لكل جزء منه، ومدى عالميتها وخبرتها في مجال الإنشاءات الكبيرة وخاصة في مشروعات مماثلة.

فنحن انتقلنا من الصحراء والقرية بمنشآتها المحدودة (الخيمة وبيت الطين) إلى المدن الخرسانية والاسفلت والسيارات، فأصبحنا نعيش بالمفهوم السابق في تلك البيوت العالية الأسوار، ولا نريد لأحد أن يقترب منا ببناء أو سور أو نظر أو يشاركنا في ظل شجرة على طريقتنا القديمة. لكن تخطيط المدن الحديثة، والنقل العام في الكبيرة منها يتطلب اشتراكاً في كل المداخل والمخارج، وتقبلاً لحق الآخر في المرور الآمن، وعدم مضايقته بأي وسيلة كانت، وحساب كل نوع من العلاقات في مدونات مدنية؛ لا أظنها موجودة حالياً، ولا أرى إرهاصات لوجودها في وقت قريب.

وأهم من عملية التثقيف، أرى أن تفكر المؤسسات القائمة على الحياة العامة في المدن الكبيرة، والعاصمة الرياض على وجه الخصوص، وربما تكون أولاها إمارة المنطقة وأجهزة وزارة الداخلية، في وضع آليات عملية لطريقة فرض القانون العام على الناس في المواقع العامة نفسها؛ وألا تكتفي تلك الجهات بالطرق القديمة المتمثلة في الشكوى إلى الشرطة عند الاختلاف، والذهاب إلى مراكز الشرطة. إذ إن مثل هذه الإجراءات عرقلة للحد من التعديات، وإحباط لأصحاب الحق البسيط في الموقع العام من أن ينالوه، إذا كانوا سيضطرون إلى رفع قضايا. ففي إحدى الحالات التي يمكن أن توضح الوضع حتى قبل وجود هذه المرافق الكبيرة، نبهت أحد المخالفين لنظام منع التدخين في أحد المراكز التجارية، فأزبد وأرعد وتلفظ بألفاظ نابية، وأدخل قضية «إن معه حرمة»، ولا أدري ما علاقة هذا بتنبيهي له بأن لا يدخن في مكان ممنوع فيه التدخين. وعندما استدعيت أمن المركز تحدث معه بلطف شديد، والتفت إلي قائلاً: ماذا نعمل؟ فإذا كان الأمن لا يستطيع فرض النظام، فمن يفرضه؟

واقتراحي أن يُرصد ما لا يقل عن واحد بالمئة من حجم تلك المشاريع لتهيئة الناس من أجل التعامل معها، وبعضهم مع بعض في تلك المواقع، ومردوده بالتأكيد سيكون اقتصادياً وأمنياً وحضارياً؛ فبناء الإنسان وثقافته أهم من المنشآت التي قد يخربها الإنسان بجهله أو يقلل الفائدة منها.

- الرياض