Saturday 15/02/2014 Issue 428 السبت 15 ,ربيع الثاني 1435 العدد

لائحة الأندية الأدبية المعدلة

القصور والمجانية

قامت تجربة الانتخابات في الأندية الأدبية على أساس «استقلالية الأندية» عن الوزارة، من خلال تشكيل «جمعيات عمومية» من الأدباء والمثقفين، هذه الجمعيات تختار من بين أعضائها مجالس إدارات الأندية من خلال «الانتخابات». هذه الأركان الثلاثة المترابطة والتي لا يقوم أحدها إلا بالبقية (استقلالية الأندية، والجمعيات العمومية، والانتخابات)، ولتوضيح معناها وأهميتها بالنسبة لتجربة الانتخابات، تناولت كل واحد منها بمقال منفرد تحدثت فيه عن التعديلات التي طرأت على لائحة الأندية الأدبية والتي مست هذه الأركان في جوهرها. وقد جاء في النصوص الجديدة أو المعدلة ما يجعل الأندية الأدبية بجمعياتها ومجالسها خاضعة لإشراف الوزارة، ويجعل الجمعيات العمومية شكلية تفقد كثيرا من صلاحياتها، وليس لديها آليات واقعية منصوص عليها لاتخاذ القرار في الأندية، وأصبحت الانتخابات رهن قرار الوزارة وامتثالا لأمرها، وإن خالف رغبة وإرادة المثقفين في الأندية. هذه الأشياء مجتمعة تجعل الأندية الأدبية تحت الإدارة المباشرة للوزارة وبنصوص قانونية صريحة، والتعديلات التي ألمت بنصوص اللائحة في هذه المفاصل هي تعديلات مستهدفة، وليست مجرد أخطاء، وهو ما يبعث على الإحباط والحزن. وحين يغلبني الحزن لمثل هذه التراجعات العميقة والمقصودة في تجربة انتخابات الأندية من خلال بعض نصوص اللائحة؛ يتملكني العجب من نصوص أخرى هي أقرب إلى ترف النص ومجانيته فيما لا حاجة له، وقصور النص عما الحاجة إليه ملحة، ما يظهر عشوائية وضبابية في الرؤية حول اللائحة، مفهومها، وأهدافها، نتج عنها ما يشبه العبثية في بعض النصوص، ومن ذلك ما يأتي:

فقر ومجانية المصطلحات:

ضبط المصطلحات والمفاهيم ليس من قبيل الإجراء الشكلي أو التناول المصطنع، بقدر ما هو عملية تمس صلب المضمون، لذا لزم أن تكون مصطلحات القوانين واللوائح مبينة وشاملة لكل معنى أو مفهوم غير معلوم بالضرورة. وقد ورد في اللائحة بعض المفاهيم التي كان من المهم في رأيي توضيحها ومنها ما ورد في الفقرة5 من المادة4 عن الأهداف؛ «5. التعاون مع الجهات ذات الصلة.» الصلة بماذا؟؟؟ الأندية أم الوزارة؟ جهات معرفية ثقافية أم أمنية؟... هذا التعبير «الجهات ذات الصلة» بحاجة لتوضيح دقيق فقد تدعي جهات كثيرة أنها ذات صلة. كذلك ما ورد في نص المادة2 من اللائحة المالية عن «الأنظمة واللوائح المعمول بها»، وفي ظني هذه الأنظمة واللوائح ليست من المعلوم بالضرورة. ومع وجود مثل هذه المفاهيم التي يصنع غيابها كثير من اللبس والغموض، كان بعض (مصطلحات اللائحة) في نص المادة3 من اللائحة الأساسية المعدلة دليلاً على ترف بعض النصوص ومجانيتها، من ذلك مصطلح «ـ الجمعية : الجمعية العمومية» وهذا يعني أنه كلما ورد المصطلح «الجمعية» ـ منفردا دون إضافةـ فالتعريف المقصود من هذا المصطلح هو «الجمعية العمومية»، ولم يرد في أي نص من نصوص اللائحة الأساسية أو المالية أو الانتخابات مصطلح «الجمعية» بل ورد التعريف «الجمعية العمومية»! وإن كانت اللائحة تذكر التعريف فما سبب النص على مصطلح لا يستخدم أو لا حاجة له؟. كذلك في ذات المادة المصطلح «العضو: هو الأديب من الجنسين الذي تكون عضويته سارية...» وهذا يلزم أن يكون العضو أديباً، لكن آلية العضوية في اللائحة المعدلة (كما أوضحت في مقال سابق) تفتح الباب على مصراعيه للمتطفلين على الأدب والثقافة عموما.

التناقض:

ورد تناقض واضح في اللائحة المعدلة ما بين المادة10 من اللائحة الأساسية والمادة7 من لائحة الانتخابات، إذ تنص الأولى على: «(طلب العضوية) يتقدم الأديب بطلب إلى النادي، على ضوء الاستمارة المعدة لذلك، ويصدر قراراً من لجنة العضويات والإشراف على الانتخابات بهذا الطلب خلال شهرين من تقديمه، وفي حال رفض العضوية تبين لطالبيها أسباب ذلك». في هذه المادة (العضويات والإشراف على الانتخابات) مسمى للجنة واحدة، وهو ما يتناقض مع نصوص لائحة الانتخابات ومنها نص المادة7: «على مجلس إدارة النادي تقديم كافة أسماء الأعضاء العاملين في النادي إلى لجنة الإشراف على الانتخابات مع صور من بطاقاتهم الشخصية وقرارات لجنة العضويات باعتماد عضويتهم.» وفي هذه المادة تفريق واضح بين لجنة (العضويات) ولجنة (الإشراف على الانتخابات)، وهو تناقض سافر بين نص المادتين. ومما ورد في اللائحة المعدلة من التناقض في نص مادة واحدة ما جاء في نص المادة13 من اللائحة الأساسية: «(الجمع بين نوعين من العضويَّة) لا يجوز الجمع بين العضوية العاملة لأكثر من نادٍ أدبي، ويجوز ذلك في غير هذه الحالة.» العضوية في الأندية 3أنواع هي: عاملة، مشاركة، شرفية. عنوان هذه المادة «الجمع بين نوعين من العضوية» يتناقض مع بقية نص المادة «لا يجوز الجمع بين العضوية العاملة ...» فالعضوية العاملة وإن تعددت في أكثر من نادٍ هي نوع واحد من أنواع العضوية الثلاثة. وهدف النص هو منع الجمع بين عضويتين من نوع واحد هو (العضوية العاملة) ويجيز غير هذه الحالة. وجواز غير هذه الحالة يشمل الجمع بين نوع واحد (كالجمع بين عضوية مشاركة في أدبي جازان وعضوية مشاركة في أدبي جدة) أو نوعين مختلفين (كالجمع بين عضوية عاملة في أدبي جازان وعضوية مشاركة في أدبي جدة) أو ثلاثة أنواع ( كالجمع بين عضوية عاملة في أدبي جازان ومشاركة في جدة وشرفية في الرياض) ... وهكذا، والأمثلة في هذا الباب كثيرة. وبالتالي، عنوان المادة لا علاقة له ببقية نصها إلا كمثال من عدة أمثلة على غير ما جاء في صلب موضوعها.

صناعة الإشكال:

من ذلك ما جاء في المادة12 من اللائحة الأساسية المعدلة: «(تغيّر نوع العضوية) تصبح عضوية العضو العامل عضوية مشاركة بانتقاله خارج نطاق النادي، أو برغبته في التحول وهو المقيم في نطاق النادي من عضو عامل لعضو مشارك؛ على أن يبلغ مجلس الإدارة في الحالتين». مكمن الإشكال في رأيي جملة «أو برغبته في التحول» أي أن المادة تتيح للعضو العامل التحول إلى عضو مشارك والذي سيحصل في حالة الانتقال الآتي: يسقط حق العضو المتحول في التصويت على قرارات الجمعية وحق الترشح لمجلس الإدارة، وتنخفض الرسوم السنوية للعضوية من300ريال إلى 200ريال.

ولأن العضو العامل ليس مجبراً على حقه في الترشح أو الحضور والتصويت فلا أظن أنه سيرغب التنازل عن ذلك الحق ليخفض رسوم عضويته 100ريال سنوياً، ما يجعل حدوث أمر كهذا من المستحيل، وإذا افترضنا حدوثه مع عدم الحاجة إليه ففيه تقليل لموارد النادي والتي منها رسوم العضوية، لكن المأزق الأكبر الذي تصنعه هذه المادة هو ماذا لو رغب العضو المتحول أو غيره من الأعضاء المشاركين الذين تنطبق عليهم شروط العضوية العاملة التحول من مشارك لعضو عامل؟ ليس في المادة أو اللائحة ما يتناول رغبة التحول من عضو مشارك لعضو عامل وهو الأولى والأكثر فائدة للنادي وجمعيته لأنه يزيد الرسوم ويضيف للجمعية. وبالتالي فهذه المادة أو الجملة منها، لا حاجة لها، وضررها أكثر من نفعها ناهيك عما تخلقه من إشكال.

من الإشكالات أيضا ما تخلقه المادة10 من ذات اللائحة، والتي لا تقيد طلب العضوية بزمن محدد، وبالتالي فطلب العضوية متاح في كل وقت، وتقيد المادة صدور قرار العضوية بلجنة (العضويات والإشراف على الانتخابات) تلك اللجنة الغامضة والتي من الواضح أنها لن تتشكل إلا كل 4سنوات لارتباطها بالانتخابات.

ضعف النصوص:

ما أقصده بضعف النصوص هو عدم دقة عباراتها في أداء مدلول بعينة أو خضوعها للاحتمال والتأويل، ومن ذلك ما ورد في المادة17 من اللائحة الأساسية: «تجتمع الجمعية العمومية اجتماعاً مرة كل عام بدعوة من رئيس مجلس الإدارة خلال 45 يوما من بداية السنة المالية الجديدة...». ما هو خاضع هنا لأكثر من احتمال، هل المقصود انعقاد الاجتماع خلال 45 يوماً، أم تصدر الدعوة خلال 45 يوماً، وكلا الأمرين وارد من منطوق النص والأقرب هو أن الدعوة تصدر خلال تلك المدة. وبإضافة 30 يوما المنصوص عليها في ذات المادة كمدة بين الدعوة والاجتماع إلى 45 يوما فسيمر رُبع الموسم تقريباً دون أن تبدأ الأندية في أنشطتها.

من ذلك أيضاً ما ورد في المادة38 عن المرجعية: «وزارة الثقافة والإعلام في حالة ظهور أية خلافات بين النادي وأعضائه، أو فيما بين أعضاء النادي، ... « وما هو محل استغراب هنا كيف سيكون هناك خلاف بين النادي وأعضائه؟ فالمقصود بالأعضاء كل من عضويته سارية في النادي ويشمل الأعضاء العاملين والمشاركين والشرفيين ومن ضمنهم أعضاء مجلس الإدارة فهم أعضاء عاملون في الأصل. فهل سيكون خلاف هؤلاء الأعضاء مع جدران النادي مثلا ...؟.

هذا بعض ما ظهر لي من ملاحظات في بعض مفاصل اللائحة المعدلة دون حصر أو استقصاء، واستغرب أن تخرج بصياغاتها الحالية من تحت أيدي مثقفين هم شركاء في الهم، وقانونيين لهم من الخبرة ما يؤهلهم لإدراك مكامن الخلل، فلا توجد منطقة وسط بين ديمقراطية الانتخاب والتعيين، ولا يليق بالمثقف أن يلبس أحدهما ثوب الآخر. وما أرجوه أن يتدارك العاكفون عليها الآن أخطاءها خصوصاً ما تعلق بأركانها، ومس التجربة في جوهرها. أمّا إذا اعتمدت بسوءاتها فستكون وثيقة تاريخية ضد كل من شارك في تعديلها...

ألا هل بلغت؟

اللّهم فاشهد.

موسى عقيل - عضو الجمعية العمومية بأدبي جازان Abuhesham110@hotmail.com