Saturday 15/02/2014 Issue 428 السبت 15 ,ربيع الثاني 1435 العدد

تقليمة

حين يكون الأدب سكّينا لا مسكّنا!

لن يتطوّر إنسان ويبدع وينمو ويسعد مالم يحلّق فوق الشعر والأمثال والأدب والسائد بشكل عام، مالم يحلق فوق المتداول شبه المجمع على الرضا به..

الأدب؛ استئناس، وتنفيس، وتسام، وتطهير، لكنه ليس مشرّعا أخلاقيا، ولا خلاصة فلسفية وقانونية، ولا قاموسا نورانيّا مقدسا كلّه أو جلّه هاد للحياة والكون واكتناه النفوس والأحوال والمآلات..

بقدر ما تتنوع النفوس البشرية يتنوّع الأدب، وبقدر ما يوجد النقص والخبث في البشر يوجد في الأدب والأدباء أيضا، وبقدر ما يظلم الناس بعضهم بعضا يَظلِمُ الأدباء ويسرفون في ظلمهم، وبقدر ما نحذر من أن تستعبد عقولنا وتسيّر يجدر بنا أن نتوخى الحذر ذاته من الأدب أن يستعبدنا ويسيّرنا من حيث لا نعلم أو نحسّ، فكل ما يستسهل أو يستهزأ بشأنه يكون أنكى الأشياء أثرا في حياتنا الواقعيّة والعميلة و أقواها تطبيقا وانقيادا ..

تحضرني في هذا المجال قصة امرئ القيس في يوم الغدير أو يوم دارة جلجل ... حين جلس على ثياب النساء يوم أن ذهبن إلى الغدير يستنقعن ... وحين حال الغروب خرجن عاريات مضطرات ... ثم نظر إلى عنيزة مقبلة مدبرة ... إلخ.

لا أدري كيف لم يفكرن تفكيرا بسيطا بتجنبه كأن تخرج ثنتان عاريتان – مضطرتان - وتسدا عينيه ثمت تخرج الباقيات ويستترن منه قبل أن يفرج عن عينيه!

وبما أنه يحب عنيزة ويعشقها وهي هدفه من هذا العبث فما معنى تعذيب الأخريات وإخراجهن عاريات ؟ وأي عشق يسمح للرجل بالتنعم ببضع نساء في الوقت ذاته؟! لا أظن ولا يظن عاقل بأن عنيزة المعشوقة سترضى بهذا العرض الذي لم يقتصر عليها وترزح للإقبال والإدبار بكل رخص أمامه دون أن تدحره وتستعين برفيقاتها على دفع شر هذا الحيوان !

لا أدري ما الفائدة التي تجنى من تدريس هذا النص أو هذا الشاعر في المستوى الثاني لطلاب اللغة العربية!

لا بأس لو درسنا إياه لكن بطريقة أخرى؛ باستفتاح تحليل هذا النص بأنه أسطورة، بتسليط الضوء على أن ذلك ليس حبا وعشقا وغزلا بل شهوانية وجشعا وشيطانية خالصة.

إن من أعجب بامرئ القيس ولعبه وقص قصصه الماجنة دون تذييل بفضائحها فإنما صنع من امرئ القيس بطلا ورجلا في حين أنه ليس إلا ذكر مادي متلمظ للفساد، وصنع من النساء أسيرات ضعيفات مخبولات لا يملكن من أمر عقولهن وجسومهن شيئا بل هن أدوات صماء في يد الرجل!

لرواية الأدب وتدريسه وتلقينه وتداوله أخطاء فادحة، حري بأولي المسؤولية أن يرتبوا تعاملهم مع الأدب من جديد، وأن ينظروا إلى الأدب والأديب نظرة طبيعية لا تقديسية.

إن للأدب أخطاء وكوارث كغيره، قد تفوق الأخطاء الطبيّة ضررا، ورغم ذلك نشرع له القلوب والعقول والجسوم بلا مساءلة أو حتى استنكار وتأمل!

ألأن آثاره على المدى البعيد نتجاهله؟ أم أننا لم نحس ولم نعِ بآثاره السلبية حتى الآن؟

ما أضعفنا، وما أبأسنا..

خاتمة..

فرّ من المجذوم بأي لباس كان ..

ميمونة الربيش - الرياض