Saturday 15/02/2014 Issue 428 السبت 15 ,ربيع الثاني 1435 العدد
15/02/2014

من فرضيات النحو العربي

لا يختلف نحو هذه اللغة الشريفة عن أنحاء اللغات الأخرى من حيث اعتماده على جملة من الفرضيات التي كانت منطلق تفسير ظواهر اللغة كما هدي إليها نحويوها، ففرضية القوة كانت وراء القول بعمل الأفعال في الأسماء {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}[النساء-164]، وبعمل الأسماء حملا عليها {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}[المائدة-95]، وحمل عمل الحرف (إنّ) على الفعل {إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[البقرة-115]، وفرضية الأوّلية في الوضع اللغوي وراء استحقاق الأسماء ظاهرة التصرف الإعرابي وحمل ما أعرب من الأفعال عليها {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء-48]، ومن فرضيات النحو أوّلوية التذكير، فالتأنيث فرع عليه، وبهذا يفسر منع أعلام الإناث التنوين {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ}[آل عمران-96]، وما انتهى بألف تأنيث {عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى}[المزمل-20]، وكذلك أوّليّة المفرد وفرعية المثنى والجمع، وبه فسر منع صرف الجمع على صيغة منتهى الجموع {قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ}[النمل-44]، ومنها أوّليّة التنكير على التعريف، ولذا كانت العلميّة علة أساسيّة من علل المنع من الصرف، وفرضيّة التمكّن من الاسميّة علّة تنوينه، ومن فرضيّاته أن التجرّد قبل الزيادة؛ ولذلك منع من الصرف المزيد بألف ونون {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ}[البقرة-102]، ومن فرضيّات النحو أن الألفاظ في الجملة ذات مراتب مستقرة؛ وبذا تعرف رتبته وإن تأخر اللفظ أو تقدم {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ}[الحج-37]، ومن ذلك تأخر الفاعل عن فعله فإن تقدم عدّ مبتدأ وساغ نصبه بالأحرف النواسخ {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}[البقرة-67]، فإن وقع بعد حرف مختص بالفعل قدّر الفعل {وَإِنْ أحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ}[التوبة-6]، ومن فرضيات النحو أن الإظهار قبل الإضمار وبهذا يعرف مرجع الضمير إن تقدم أو تأخر، ومن فرضياته ترابط أجزاء التركيب، ولذا كانت المطابقة بين تلك الأجزاء، كالمطابقة بين المبتدأ وخبره، والتابع ومتبوعه، والحال وصاحبها، وكذا يذكر الفعل لتذكير الفاعل ويؤنث لتأنيثه، ويذكر الخبر أو يؤنث حسب المبتدأ الذي يبنى عليه {وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا}[الأحزاب-13]، ومن مقتضيات الترابط عود الضمير من جملة الخبر أو الحال أو الصلة إلى متعلق سابق، ومن فرضياته كون الفعل وفاعله كالكلمة الواحدة؛ وبهذا فُسّر تسكين الماضي المتصل بضمير رفع متحرك {إِن كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ}[المائدة-116]، ولا يعمل في الظاهر والضمير منه معًا، وبهذا فسروا تجريد الفعل مع الفاعل الظاهر {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون-1] وتأوّلوا خلاف ذلك {لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ}[الأنبياء-3]، ولهذا يتأوّلون ناصبًا للمفعول به الذي شغل فعله عنه بضميره {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر-49]. هذه بعض فرضيات النحو قبلناها أو توقفنا فيها، وكان همنا بيان أنّ النحو نتيجة عقل متدبر متأمل لا يقف عند الوصف السطحي للظاهرة بل يحاول أن يستنبط من جملة الاستعمال النظام الحاكم وما يصاحبه من حكمة اقتضته أو ما بدا أنه الحكمة.

- الرياض