Saturday 15/02/2014 Issue 428 السبت 15 ,ربيع الثاني 1435 العدد
15/02/2014

متى تعتمد روايات المؤرخين

ما رأي أ. د. عبدالوهاب أبو سليمان؟

يعتمد العلم حسبما قرأته وتتبعته وفهمته على سعة العقل وقوة الفهم الحاد وصفاء الذهن الذي خلا من غبش التداخل وخلا من لوثة تراكم فهم ليس بذاك وسلم من ضيق النفس وسوء الخلق حساً ومعنى، وما لم يكن العلم ذا نهج عال سالم من دوافع الذات وحب الرئاسة (التصدر) فإنه يحور سالكاً بصاحبه صوب عاليات هشة ومرتفعات هينة.

لقد كنت حال الاسترواح وطلب إذن العقل حتى يستريح ومعه العاطفة كنت أطالع حتى في الطائرة غدوة وروحة ما أقتنيه من كتب بعض المعاصرين في اللغة والنحو.. والحديث.. والأصول والقضاء.. والإدارة، فكنت أنتهي من كتاب صفحاته تصل إلى (300) صفحة ثم حين قراري بعد إنجاز الرسميات وبعد استقراري أطالع ما كتبه بعض الأقدمين في المجال الذي كنت أطالعه حال السفر وإن كان رسمياً فإنني أجد الوقت الذي يجوز لي فيه الاطلاع والنظر فأجد فارقاً عجباً بين كثير من المعاصرين وبين من سلفوا من كبار العلماء العظماء لست أدري قد يشاركني سواي وقد لا يشاركني سواي لكن هذا سيان ذلك أن المهم أنني وجدت فرقاً فيما يلي:

1- المتأخرون منذ 100 عام حتى 1435هـ.

1- تشابه الطرح في المجال نفسه.

2- الاستطراد من غير حاجة.

3- المبالغة في جلب الآراء.

4- العجلة في الاستنتاج.

5- إهمال تعقيد الآثار النصية.

6- الخلط بين الآراء دون تمحيص جيد.

7- بتر النتيجة.

8 - دعوى التجديد مع جرأة خفية.

2- المتقدمون منذ عام: 150هـ حتى 700هـ.

1- إسناد القول إلى قائله بدقة ملحوظة.

2- ثقل القول وغزارة اللغة.

3- حسن الاستشهاد بتحري صحة النص.

4- الخطاب العلمي الرزين.

5- قوة الحضور العقلي الجيد.

6 - تلمس النتيجة دون الجزم بها.

وإن كانت الكتب (المعاصرة) أحسن تصرف من حيث السبك الترتيبي والأبواب والفصول وطرح الخطاب بشكل جيد وإن كان إنشائياً، ولهذا فالكتب غالبها في هذا (الحين) تفيد الطالب والباحث والمحقق لسهولة طرحها البحثي لكن معلوماتها قليلة بخلاف كتب الأقدمين من حيث غزارة العلم وقوة الحاضرة وجلائل الفوائد المبثوثة وزبدة النظر والأحكام.

من هذا المنطلق أحيي الأستاذ الفاضل المرموق (عبدالوهاب أبو سليمان) لاهتمامه بكتابة البحوث والدراسات خاصة فيما يهم: (مكة) وقد نظرت بعضها على حين فترات متباعدة وكنت ألتمس منها ما أحس بفائدته لي لاسيما: الآثار.. والمواقع.. والنصوص.. ومعالجة الخلاف بروح جيدة.

وظني غالبٌ وغلبة ظني هذا العلمي أن الأستاذ الفاضل (عبدالوهاب) ذو صدر رحب وذو بال واسع من هذا وذاك فهو يرحب بزميل وأخ له يطارحه الرأي ليس إلا فإن كان حقاً فذاك يسعه وإن كان الآخر فلا عدوان عليَّ وإنما سبيل المجتهد أن الأجر له ثابت.

أبدأ من هنا.. ومن هنا أبدأ قائلاً:

1- لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم (ولد يوم 12 ربيع الأول) ففي البخاري وسواه أنه يوم 12 أو 13 أو 14 وكلها أسانيد جيدة.

2- هناك اختلاف.. وهناك اختلاف قويان حول: (البيت) الذي ولد فيه صلى الله عليه وسلم.

3- قبر آمنة بنت وهب أم النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت أنه بالأبواء وقد ذكر الطبراني في (المعجم الأوسط) أنه ليس قبرها عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه).

4- (مسجد البيعة) لم يثبت بسند قوي وصالح أنه هو، على أمور أخرى لعل أستاذنا يبينها لي للحاجة إلى هذا وضروري إليه ضرورة لعلها تعادل ضرورة (شرب العطشان في يوم صائف).

وكنت أحب دائماً أن أهتبل كل صيد من طرائد نادرة كنت أحب أن أبين أن كتب التاريخ.. والأخبار والسير والروايات المطلقة ليست عمدة في تقرير حصول شيء ما لم يكن السند قوياً ليس في رواة السند: (ضعيف) بصورة من الصور وتقرير: الحوادث.. والوقائع.. والأماكن يجري عليها ما يجري من لازم تحقيق مناط السند لأنه (لولا السند لقال من شاء ما شاء) وفي أسفار جليلة يدركها أستاذنا مثل: (المحدث الفاصل بين الراوي والسامع) و(المنار المنيف) و(علوم الحديث)، و(علل ابن رجب)، و(ابن المديني)، و(ابن أبي حاتم)، و(تواريخ البخاري) الثلاثة. وكذا (زاد المعاد)، و(إعلام الموقعين) كل هذا هناك قد تقرر أن السند في إثبات ما أو نفي ما في حال: معاملة أو حال: عبادة لا بد من سند لا يعارضه رد مثله، ومنهج المؤرخين في تقرير: الحوادث والأماكن.. والحالات.. والوقائع والآثار.. ليس إلا متفقاً ولا جرم مع منهج (علماء الحديث الحفظة) الذين جمعوا بين: الرواية.. والدراية.

ومنهج المؤرخين في حقيقة السند من حيث المعنى أنهم يتركون كل سند يعلمون أن فيه مثالاً بسبب أو علة قادحة، ولست أظن أحداً على الوجه الأغلب يظن أن مؤرخاً أو محققاً يورد حالة أو يورد أثراً وهو يعلم بطلان السند بعلة من العلل، والشروط التي في (مسلم) في (مقدمته للصحيح) وكذا (شروط الحازمي) وما ذكره الشاطبي في (الموافقات) تجعل صحة السند شرطاً لصحة السند وإلا فليس كذلك يكون المتن.. ولهذا قال كما في (صحيح مسلم) قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (كنا إذا قيل لنا قال رسول الله اشرأبت إليه إعناقنا.... أما وقد وكثرت الفتن فقلنا سموا لنا رجالكم). أي سلسلة الرواة الذين ذكروا هذا. أي ذكر المتن أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قاله فإذا كان الناقل (الراوي) مبتدعاً أو واهماً أو ينشر ما يراه ويرويه وليس له صحة قائمة فيترك ومن هناك وقع جملة من الإخباريين وكتاب السير والمؤرخين في مجرد النقل ومجرد الرواية دون تمحيص وتوثق لصحة المنقول، ولا شك أن أستاذنا د. أبو سليمان هو من خيرة من سوف يبين هذا لتمكنه في مثل هذا السبيل.

على أنني أرغب إليه إضافة جديدة فيما سوف يطرحه نحو: تحرير حقيقة وصحة وطرق الروايات فيما ذكره علماء الجرح والتعديل من خلال تراجمهم في مصنفاتهم الباقية إلى اليوم كالمزي، وابن سعد، والعقيلي، والذهبي، وابن كثير خاصة: (البداية والنهاية) وابن حجر وابن عساكر في (تاريخه) وخليفة بن خياط وهو ثقة ثبت روى له البخاري وغيره، وموسى بن عقبة، نفع الله بعلمه نفيد منه ونستفيد، فنحن اليوم أحوج ما نكون إلى العلم بصحة الأسانيد وصحة المتون وسلامتها من المعارض، وأبو سليمان جدير بكل جدير وتجديد.

- الرياض