Saturday 15/11/2014 Issue 451 السبت 22 ,محرم 1436 العدد
15/11/2014

ثقافة القفز على الواقع

يسألني أناس أعرفهم من ثقافات مختلفة عن طبيعة تفكير الشعب السعودي في كثير من الأمور، وبعض البعيدين عن ثقافتنا كثيراً يتساءل عن ماهية أسس التفكير في المنطقة العربية بكاملها. ولأن أغلب ما يسأل عنه هؤلاء وأولئك هو مدى منطقية التفكير في بلدنا أو في الثقافة العربية بمجملها؛ فإن إجاباتي كانت تتراوح بين تحسّن في طرق التفكير لدى الشباب على وجه الخصوص، ومراوحة بين متطلبات العصر الحديث من جهة، وبعض معوقات التفكير المنفتح على كل الاحتمالات بأثر من قيود الثقافة العربية المتأصلة في الإيمان بالمفاجآت والمعجزات وعدم اتساق النتائج مع المقدمات من جهة أخرى.

وعندما مرت في مطلع شهر نوفمبر أحداث نهائي بطولة كأس آسيا لكرة القدم بين فريقي سيدني الأسترالي والهلال السعودي بصورة لم يتوقعها المتحمسون لفوز الهلال بها؛ ظهرت آراء في وسائل الإعلام غريبة وغير منطقية. هي ليست غريبة، في الواقع، ضمن ما ذكرته أعلاه من خواص الثقافة العربية التقليدية، لكني كنت أظن أنها اختفت أو ضعفت قوتها بعد انخراط السعوديين في العلوم الحديثة، وبعدهم عن تراثهم بشقيه الإيجابي والسلبي؛ وهذا هو مصدر وصفي لتلك الآراء بالغرابة.

جلّ ما سمعته أو قرأته منها يتمحور حول «غياب التوفيق» عن فريق الهلال، ممثل كرة القدم السعودية في نهائي آسيا. بعض المحللين أو النقاد الصحفيين يتبرع بالثناء على أداء الهلال، ويبرّر الخيبة الهلالية في مباراتين (بينهما أسبوع يكفي لتفادي ما حصل من إخفاق في المباراة الأولى في ملعب الخصم، خاصة أن الأخيرة كانت على ملعب الهلال، والفارق هدف واحد فقط)؛ بأن كل شيء قُدم إلا التسجيل. هل هذا قول يمكن أن يصدر عن صحفي أو ناقد رياضي، عدا أن تكون العاطفة والرغبة في تهدئة نفوس الهلاليين هي الدافع لمثل تلك الآراء؟

تسجيل الأهداف أيها النقاد الأجلاء هو أهم ما يجب أن يسعى إليه أي فريق في كرة القدم؛ بدءاً من اللاعبين والمدربين والإداريين وانتهاء بالمشجعين والنقاد كذلك، إذ دونها يكون قد فشل في مهمته، ولا تكون هناك كرة قدم جميلة. كثير من الخطط توضع لفرق أندية أو منتخبات حسب الوضع الذي يكونون فيه، للقيام بتسجيل هدف واحد أو هدفين؛ فتكون الخطة قائمة على ذلك، بإشراك بعض اللاعبين الذين يتحقق من خلالهم هذا الغرض، ثم التبديل إن تطلب الأمر الحفاظ على الوضع الإيجابي.

أما أن يقول أحدهم: قدّم الهلال كرة جميلة (بما في ذلك تضييع الفرص السهلة، والاستعراض الذي سمح لهم به الأستراليون في المباراتين، ليحققوا ما هو أهم)، فهذا هراء، وهو ما يدخل فيما ذكرته أعلاه من التفكير غير المنطقي، الذي تشبعت به الثقافة العربية منذ إيمانها بأن الدنيا حظوظ! الدنيا والمنافسات في أي من نشاطاتها الاقتصادية أو السياسية أو الرياضية أو الفنية عمل جاد، ثم قطف لثمرات الاجتهاد المبني على أسس رشيدة.

وقد فاجأنا الوسط الرياضي المحيط بتلك المنافسة، كما هي العادة في مثيلاتها، باللجوء إلى الدعاء بأن يفوزوا؛ بدءاً من رئيس النادي الذي أفسح مجالاً للجدل بينه وبين بعض من لا يملكون إلا الهرطقة: سأدعو ليفوز الهلال.. لا الدعاء هنا غير جائز... إلخ هذه المماحكات. لكنه بعيداً عن هذا الجدل، فإنه لا يلجأ إلى تمني نزول المفاجآت غير المعمول لها بدقة وإتقان إلا المفلسون؛ أما الواثق من عمله وعناصره، التي يبني عليها خططه، فهو يؤمن بقدرته على صنع ما يطمح إليه، وإن لم يكن كذلك يسعى إلى ذلك الهدف المقصود.

- الرياض