Saturday 15/11/2014 Issue 451 السبت 22 ,محرم 1436 العدد
15/11/2014

فائق حسن في علب خمس!

ربما لا يعرف الكثيرون أو لا يدرك الكثيرون بأن فائق حسن هو فنان تشكيلي عراقي كبير، هو في مستواه مثل بيكاسو. ولكن لأن العراق ليس فرنسا ولا هو إسبانيا، فإن فائق حسن بقي عراقيا وفي أحسن الأحوال عربيا يتذكره بينالي هنا أو بينالي هناك.

هو أستاذ الفن التشكيلي في العراق ولوحاته لا تقدر بثمن!

أعرفه عندما كنت طالبا في معهد الفنون الذي كان يضم المسرح والموسيقى والفنون التشكيلية. كثيراً ما كان يأتي إلى المعهد على دراجة هوائية ينتظره طلبة الفنون التشكيلية بفارغ الصبر لكي يرفدوا من قدراته اللونية والتشكيلية. رحل عن الحياة وترك فراغاً حقيقياً في فن التشكيل.

بسبب مغادرتي العراق بعد سنوات من تخرجي من المعهد وبعد أول إنتاج سينمائي لمؤسستي التي أنشأتها وهو فيلم «الحارس» كان عندي مشروع لتوثيق الفن التشكيلي العراقي وكان فائق حسن أول الرموز التي كنت أود توثيقها.

لم أتمكن من تحقيق هذا المشروع السينمائي لأني غادرت العراق مضطرا!

مكثت خارج العراق قرابة أربعين عاماً.

عدت إلى العراق عام 2008 وكان سؤالي عن أفلامنا السينمائية التي أنتجناها فأعطوني عنوان بناية خزنت فيها الأفلام السينمائية، كل الأفلام السينمائية الوثائقية منها والروائية وكلها وثائق لا تقدر بثمن.

ذهبت صوب البناية «الأرشيف» وهي على ضفة نهر دجلة. عندما دخلت البناية وجدت السقف الكونكريتي للبناية منهاراً. والأفلام السينمائية المصورة تحت الإنقاض فسألت عن تاريخ انهيار السقف فقالوا منذ ثماني سنوات! كانت الأفلام تحت الأنقاض ينزل عليها المطر شتاء وتتعرض لحرارة الصيف التي تتجاوز أحيانا الخمسين درجة.

من مواصفات حفظ الوثيقة السينمائية:

تحفظ في مكان جاف. بعيدا عن المناطق الرطبة. السهول والجبال هي الأمكنة الأسلم لحفظ الوثيقة السينمائية.

تحفظ في درجة حرارة ثابتة تسعة عشر درجة مئوية.

توضع أجهزة تسحب الرطوبة من المكان.

توضع أجهزة في مكتبة الأرشيف تسحب الغبار من الغرف.

تطبع منها أكثر من نسخة وتحفظ في أماكن متباعدة.

تحفظ في كهوف سمك الجدار متر. وتسمى «بنوك الأفلام» وتشبيه غرف الأرشيف بالبنوك لأنها تعادل قيم السبائك الذهبية.

لا يجوز حفظ الوثائق في بنايات عمودية.

ترفع في مكاتب الأرشيف رايات خاصة تبلغ بها الأمم المتحدة وهي من المناطق التي تحرم على طيران الحروف استهدافها.

ورغم الاهتمام الكبير عالميا بالوثائق التاريخية للعالم فإن أوربا تقوم الآن بإعادة ترميم الأفلام والوثائق المصورة. وفق نظم إدارية جديدة وبقوانين.

عندما دخلت المكان المتهدم وجدت آلاف العلب السالبة تحت الطين والأمطار وشاهدت من بين ما شاهدت من العلب الصدئة خمس علب مكتوب عليها «فائق حسن»! يبدو ثمة من صور لوحاته وقد يكون صوره أثناء إبداع اللوحات. لا أدري أية وثائق عنه. أن أية صورة فوتوغرافية له أو للوحاته هي قيمة. وفي هذه الوثائق لا شك ثمة أحداث كثيرة موثقة! لكن الجهل اليوم للأسف هو سيد الموقف. هذا أرشيف سالب وهناك أرشيف موجب وجدته في صالة مثقوبة السقف تنزل منها الأمطار على الأفلام الموجبة. أخشى وأتوقع أن تكون الصور قد فقدت نوعيتها!

أول شيء عملته، دخلت في معركة، إنتصرت فيها أن أخرج الأفلام من تحت الأنقاض وأودعها في بناية عامرة، وهي خطوة بدائية أولى تمهيدا لعمل ترميمي صعب.

كنت أريد إنقاذ فائق حسن والآخرين!

- هولندا k.h.sununu@gmail.com