Saturday 15/11/2014 Issue 451 السبت 22 ,محرم 1436 العدد
15/11/2014

العملاق 3

أقبل العملاق إلي فوق الجبل فإذا به يقول: أيها الإنسان الصغير الخائف الذليل؛ إنك لضعيف؛ أكاد أركلك بقدمي فتتدحرج من القمة إلى أسفل الوادي. وقد ارتعت وقلت له بلسان مختلج: ألم تعطني الأمان؟ فقال: كيف لا أغضب على أحفادي الأقزام وهم يرعبونني أكثر مما أرعبتك؟ فقلت: وهل مثلك يصاب بالرعب؟ قال: نعم، لقد فاجأني الإنسان المتأخر بما يهز الجنان، ويفقد التوازن. ثم اتكأ على جانب من صخرة ضخمة، استظل بظلالها، وصمت قليلاً. فلما أمنت أردت أن أستدرجه، فقلت: فكيف للإنسان الذليل الحقير أن يفزع العملاق الضخم؟ فقال: أول فزع لي حين نظرت إلى السماء، ففيها جرم له أزيز، ترتجف الأرض منه، وفيه أنوار حمراء وبيضاء. فقلت: ما هذا الأمر؟ فلم يجف الرعب إلا بعد مرور هذا الجرم مرات متعددة، لكن الرعب عاد لما استقررت في جبال اللوز، وإذا بأسراب هذه الأجرام تغدو وتروح على فلسطين وجوانب من مصر، ولم أمكث قليلاً إلا وقد اهتزت الأرض بالارتطام، وتناثرت مكونات الجرم، وبعضها اشتعل ناراً، فانزويت في رأس شعب، وفيه كهدف، فإذا الناس يتقاطرون إلى مكان الجرم، فانسريت وراءهم، أسمع أصواتهم، وهم يكررون اسم الطائرة، فأدركت أنها من صناعة هذا الإنسان الذي احتقرته، وعزمت أن أتجه إلى فلسطين موطن الخيرات، ومصر بجانب البحر كما كان موسى يسير بجانب البحر، وإذا بالأجرام والنيران تتنزل على المدن والمياه، وكنت أسمعهم يقولون «هي الحرب الثلاثية من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على قناة السويس عام 1952». مكثت زمناً حتى تعلمت اللغة والمفردات الجديدة والمآسي البشرية من أثر هذه الصناعة المدمرة.

قلت له: ألم تركب الطائرات خفية؟ قال: وكيف أركبها وأبوابها أصغر من عيون أغنامنا وإبلنا، فكيف الولوج لها؟ قلت: لو ركبتها أنت لزادت أثقالها وأوزانها وتحطمت بك. ثم قال العملاق: إن الرعب من إنسانكم لم يقف عند هذا الأمر، بل كنت في قمة جبل، فأقبلت الراعية بأغنامها، فتمددت عليّ كأني صخرة كبيرة، وقد سمعت أصواتاً كثيرة، فالتزمت بالسكينة، وقد أقبلت الأغنام ووطئتني بأظلافها، وأقبلت الراعية قريباً من هامة رأسي، وقد خشيت أن تجلس فوق جبهتي، لكنها وقفت، ثم اتبعت أغنامها والأصوات التي سمعتها مع هذه الراعية، ولم يكن معها بشر آخر، فتعجبت من هذه الأصوات، وأخذت أرقب الراعية، فإذا بها جرم صغير وضعته بجانبها، فأخذتني الرغبة في معرفته، فتارة تأتي أغاني، وتارة أحاديث، وتارة قرآن، ثم أخذت أرصد المجالس فأسمعها، وإذا بهم يتحدثون عنها ويسمونها الراديو، فقلت كيف امتلك مثلها وأنا أحوج ما أكون إليها في وحدتي وغربتي؟

ومن الغرائب المخيفة التي أفزعتني مع ضخامة جسمي أنني كنت في كهف، فإذا الصوت القوي يتحرك في بطن الوادي، فأصابني الرعب منه، وأدركت أن سهمي لا يؤثر فيه ويفتك به، وحرصت ألا يراني أحد، فتجاوز هذا مكاني، لكني اشتقت إلى معرفة أسراره، فاقتربت منه ليلاً، فإذا الناس من حوله يصنعون خبزاً لهم، فقلت هذا لمن منهم، فإذا هو لهم جميعاً، وشبعوا وهو لا يتجاوز ثلاث لقيمات لي.

ثم اقتربت منها في ظلام دامس، فإذا هم يتحدثون عنها ويسمونها السيارة، فلما نام القوم طفت بها، ولمستها، فإذا هي من حديد، فقلت: هؤلاء الأقزام ينامون بجانبها، ويركبون عليها ولا يخافون! فلماذا أخاف؟ لكني أردت أن أعرف فائدتها وسرعتها، فمكثت غير بعيد عنها، فنهض القوم صباحاً، وحملوا أمتعتهم، وسارت بهم، وكنت أسير بجانبهم، لكني أسرع من هذه السيارة، فكدت أن أحملها بما فيها من القوم وأوصلهم إلى نزل بيوت الشعر، فأعجبتني هذه التي عوضت عن الإبل والخيل والحمير، لكني رأيت معاناتهم منها، فهي ترتطم بالحجارة، ويقفون عندها يوماً كاملاً، وهم تارة ينزلون عنها في الكثبان الرملية، ويتعاونون على دفعها، ولا قدرة لهم، فأتدخل بأن أدفعها لهم ليلاً بحيث لا يشعرون، وتارة أمدّ أصبعي لها وأحركها وهم لا يشعرون، ولاسيما السيارات البيضاء صغيرة الحجم، التي يسمونها الدستن أو الونيت.

قلت له: فماذا ترى هذا التحول من الإبل والقوافل التي تحملها سيارة صغيرة؟

قال العملاق: الله قادر على تطور حياة الإنسان، وهادى البشرية إلى آلات التطور، فإنني كنت أرى القوافل تحمل أثقالها، والناس يسيرون بجانبها، ويمكثون شهوراً في سفرهم، وهم ينزلون ويرتحلون، ويسيرون نهاراً وليلاً.

وقد أدركت الامتزاج فرأيت القوافل، وهذه السيارات النادرة تتجاوزهم، وتفزع الإبل، والناس يندهشون منها، ثم تحول الجميع إليها، وتركوا الإبل في أقل من عشر سنوات.

- تبوك Masd_300@hotmail.com