Saturday 18/10/2014 Issue 447 السبت 24 ,ذو الحجة 1435 العدد

بريد القلب

دفء الورق

في اليوم الثالث من العام 47 قبل المسيح احترقت أشهر مكتبة في الزمان القديم. فعندما غزت الجيوش الرومانية مصر، وخلال احدى المعارك بين يوليوس قيصر ضد شقيق كيلوباترا التهمت النيران مئات الالوف من أوراق ولفائف البردي في مكتبة الاسكندرية الشهيرة.

وعندما غزا جينكيزخان العراق كان أهم ما قام به هو إغراق معظم الكتب في نهر دجلة حتى صار لون النهر أزرق بسبب ذوبان أحبار الكتب العظيمة التي غرقت.

وكان العقاب المثالي والقاسي بنفس الوقت في القرون الوسطى في العالم كله هو احراق مكتبة من يعصي ويعارض الحكام.

بعد مئات السنوات وعندما غزت الجيوش الامريكية العراق أيضاً تحول القسم الأكبر من كتب بغداد إلى رماد.

لكن قبل غرق الكتب وإحراقها اخترع رحالة ووراق شهير اسمه عبدالقاسم اسماعيل، الذي كان وزير بلاد فارس الأكبر في أواخر القرن العاشر، اخترع وسيلة جميلة للاحتفاظ بالكتب والابتعاد بها عن خطر الحروب والحرائق وكل المصائب.

كانت تلك الحيلة، وهو الرجل المغامر العاشق للسفر، هي حمل مكتبته الضخمة معه أينما ذهب وارتحل.

وهكذا كان سفره يعني أربع مئة جمل تحمل مئة وسبعة عشر ألف كتاب في قافلة تمتد كيلومترين طولاً. أما الظريف في قافلته فهو أن الجمال تستخدم كذلك فهرسا للكتب! فكل مجموعة من الجمال تحمل العناوين التي تبدأ بواحد من حروف الابجدية الفارسية الاثنين والثلاثين.

واليوم لا أحد يستطيع حرق ولا إغراق الكتب أو المكتبات الخاصة والعامة أو تخريبها أو حتى العبث بها.

غير أن المؤلم هو انها مكتبات للزينة والفخر والاعتزاز والمباهاة يعلو رفوفها الكثير من الغبار الذي تراكم بفعل الزمن والاهمال وعدم اللمس واهمال القراءة التي طبعت من أجلها.

في البيوت هناك المكتبات الفخمة والمرتبة والغالية الأثمان سواء في رفوفها أوكتبها. وأكثر مكتبات وضعت كي تكون ديكوراً جميلاً في البيت ليعرف الضيف أن في هذا البيت من يقرأ، أن به مثقفين.

ولا يختلف الوضع عنه في المكتبات العامة إلا في رخص رفوف الكتب وتواضع المكان من الكراسي وحتى القراء أيضاً. فعندما تدخل مكتبة عامة مفتوحة للجمهوركي يقرأ فيها ما يشاء ويستعير من الكتب ما يرغب، ويجد فيها نوادر الكتب وأغلاها، عندما تدخلها تشعر بأنك تدخل مكاناً منع التجول فيه، وطرد كل القراء الذين كانوا جالسين يقرأون بصمت ولهفة. فقد اصبحت تلك الأماكن غرفا كبيرة تشعرك بأن الدنيا يمكن وبكل سهولة أن تعيش بلا كتب ولا قراءة، وأن هذه المكتبات خلقت عبثاً وبلا معنى وخسارة نقود كان من الممكن أن يشتري بها الكثير من الأشياء المفيدة للبشر!

لقد خسرنا الكتب وغرف المطالعة والصمت «غير الرهيب». خسرنا الورق والحبر وصوت هدير المطابع، خسرنا تلك الرائحة الجميلة للاوراق الساخنة.

خالد البسام - المنامة