Saturday 22/02/2014 Issue 429 السبت 22 ,ربيع الثاني 1435 العدد
22/02/2014

الدور التنويري للصحافة المبكرة في المنطقة الشرقية 2-3

ثالثاً - مجلة الإشعاع

وبعد احتجاب جريدة الفجر الجديد -أو إيقافها على الأصح- نجد بائع قطع غيار أدوات السيارات لدى الشيخ عبداللطيف العيسى بالخبر الأستاذ سعد البواردي يتحمس ليصدر مجلة باسم (الإشعاع) لتحل محل (الفجر الجديد)، وكما قال: «إن الإشعاع امتداد لذلك الفجر الغارب. كان هذا في منتصف عام 1374هـ، وجاءت الموافقة سريعة، انتهت السكرة وجاءت الفكرة، وصدر العدد الأول في حجم صغير وطباعة متواضعة «، وقال: « كنت - للأسف - كل أسرة تحريرها. بل أكاد أقول كل كتابها. تحت هذه العناوين جاءت الكتابات متواضعة إلى أقصى حد.. سعد البواردي، س. ب، فتى الوشم، أبو سمير، أبو نازك، كانت ميزانيتها تقتطع من مرتبي الصغير أكثر من نصفه، لا يهم، المهم أن تبقى المجلة أطول أمد ممكن «، ولكن أصابها ما أصاب سابقتها، فنجده يقول: « في الهجيع الأخير من الليل كان الطارق على الباب، وكانت الضيافة التي أشهد أنها كريمة تعاملها، وتداولها باستثناء أسبوعها الأول الذي كنت فيه أناجي السقف، والنوافذ الموصدة، والأرض العارية. شهران وبضعة أيام كان أمامي الخيار الصعب: أن أظل داخل ضيافتي أو أن أعود إلى مسقط رأسي لمدة عام جزاءً لي على سلاطة اللسان، وردعاً لأمثالي، واخترت تراب شقراء، ومنه إلى الرياض حيث تحول مجرى حياتي 180 درجة؛ من بائع قطع غيار إلى بائع كلمات أكثرها لا يستحق الشراء «.

وبإلقاء نظرة سريعة على العدد الأول من المجلة الصادر في شهر المحرم 1375هـ الموافق سبتمبر 1955م نجده بأربعين صفحة عدا الغلاف، كما نجد (س. ب)، وهو الاسم المختصر لصاحبها ورئيس تحريرها المسؤول سعد البواردي يفتتحها بكلمة (هذا الإشعاع).

« هناك إشعاع في الحب يكفكف الدموع المحرومة المظلومة.

هناك إشعاع في القوى يغمر النفوس بالاندفاع لتحطيم الضغينة والآلام من طباع البشر.

هناك إشعاع الأمن الرتيب حيث تخبو تحت أضوائه مخاوف الدمار، والتعدي والدماء.

هناك إشعاع الحرية، الحرية التي يعيش من أجلها الإنسان ليكسب لنفسه البقاء في رواق الحياة موفور الكرامة والمكانة والقدسية.

وهناك إشعاع الفكر، ومن إشعاع الفكر تندفع معنوية الفرد الإنسان ليخلق لنفسه تاريخاً يأمنه على خلوده، وعلى تجديده، وذكراه.

وهناك إشعاع وإشعاع يبرز لك من بين ثنايا الماضي والتاريخ ليذكرك، ويدعوك: يذكرك بأن عليك واجباً لا بد وأن تعمل من أجله شيئاً، ويدعوك لأن تسعى في سبيل تجديده والإفاضة عليه، كل ذلك لأنك إنسان مكتمل القوى، والشعور، والمسئولية...» واختتم مقاله بقوله: « هات يدك بيضاء لكي نصافحها، ولا تنس يا صديقي القارئ أن المشعل الذي سنحمله من أجلك أبيض كالأمل الذي نعيش به، والمشعل يحوجه الوقود الذي يستمد منه قواه.

والوقود الذي ننتظره منك:

صراحة في التعبير.

نزاهة في النقد.

واتجاه معنا إلى ركب الحياة المندفع القوي لكي نسير.

سدد الله الخطى، وجزى المسؤولين خيراً.

س. ب

وفي العدد الثاني نجد رئيس التحرير يكتب موضحاً ومتسائلاً: ما هو حكمك أيها القارئ على مجلتك (الإشعاع)؟ وقال: «إن مجلتك لن تكون بوقاً ولا مزماراً تدوي منه صرخات عقيمة تعنف شرعة، وتمتدح شرعة، وتتخذ من لغة السباب والتهكم أسلوباً تلج منه إلى قلب القارئ الساذج الذي ينقاد بسهولة مع تيار الدعاية المأجورة التي تخدم الاستعمار البغيض، وتشيع في الأفكار بلبلة حمقاء، ورأينا أن هذه المجلة، وقبل كل شيء قامت من أجل غرض واحد، وذلك الغرض هو خدمة الأدب والثقافة العامة، خدمة المجتمع وقضايا الناس، وذلك بأسلوب حكيم معتدل لا تطرف فيه ولا شذوذ... إلخ.

ويشارك في العدد وديع فلسطين - نقلاً عن الأديب - عن موضوع (خطوات في الأدب المعاصر) إلى جانب مواضيع أخرى يكتبها صاحبها سواء باسمه أو بأسمائه المستعارة (س. ب) أو (أبو سمير) أو (فتى الوشم) أو (أبو نازك)، وغيره من الكتاب.

وفي العدد الخامس الصادر في شهر جمادى الأولى 1375هـ الموافق ديسمبر 1955م يكتب لأول مرة علي الزاكي من مطار الزهران - بحرف الزاء - تحت عنوان (واقعنا الأدبي) نختار منه: «نحن بحاجة إلى أدب».

نحن بحاجة إلى أن ننتج أدباً وثيق الصلة بحياتنا ملائماً كل الملائمة لبيئتنا، أقول هذا وأنا مؤمن بأن هناك الكثير من المواطنين يقول الذي أقوله، وما أمرنا هنا إلا تسجيل نظرة عامة على هذه العجالة التي ستضيق ولا شك إذا ما حاولنا بسط كل ما تجيش به النفس حول الموضوع.

إن إنتاجنا الأدبي، بوجه عام، ضئيل لا يجب أن نقتنع به بعد الآن. على أنه - على ضآلته - يعاني نقصاً في الذات إذ ليس له «سيكلوجية « يمكن أن يبني عليها نقداً شاملاً، أو تحليلاً موضوعياً، ولكن مالنا ولهذا؟!

إننا في محاولتنا الأدبية الأولى، وإذا فلا ضرورة للتفتيش في أدبنا عن العناصر المكتملة في الأدب النامي في الأقطار الأخرى، وإنما الأهم من ذلك - في الوقت الحاضر - هو بذل الجهود المتساندة لإحداث نهضة أدبية، إذ لا غنى لنا عن الأدب المتسع الآفاق، فهو كحاجتنا إلى الماء والهواء».

واختتم مقاله بقوله: «.. إننا لا نحتاج - لكي نبني نهضتنا الأدبية - إلى أكثر من تقدير لأهمية الأدب في حياة الناس، والنظر - بإعجاب - لما يحققه الأدب العالمي من حضارة فكرية لأمم كثيرة، حتى أدرك الناس - في تلك الأمم - قيمتهم، وعبروا عن أنفسهم تعبيراً لا تحد منه قيود، ومن ثم أنفسنا قليل من الثقة لكي نمارس الأدب بأمل وطيد في النجاح.

لقد قوم الأدب من الأخلاق، وأصلح ما اعوج في النزعات البشرية، وأصبح عنوان الرقي في حياة البشر جمعاء، وهذا يكفي لكي نشعر بالحاجة الملحة إلى الأدب، الأدب الذي ننتجه، والأدب الذي نقرؤه، ونتزود منه بما يساعدنا على بناء نهضتنا، لقد آن أن نشحذ الهمم، ونمتشق الأقلام، ونخوض المعركة، ونسعى - بلا هوادة - إلى أن ننتج أدباً، ونكتب قصة ناجحة، لكي تكون لنا قافلة في ركب الأدب العالمي المندفع، وما ذلك على الله بعزيز».

علي الزاكي - مطار الظهران

ويفتتح العدد السادس بكلمة لصاحبها بعنوان: (كلمة العدد: شبابنا في حيرة)، يصف من يسافر من الشباب ليتزوج في الخارج بالمتعلمة، وبعد أن يستعرض الكثير من الحالات يقول: « ونحن لا ننكر أن في المرأة المتعلمة شيئاً من روعة المفقود بالنسبة إلى فتياتنا، غير أننا يجب أن نتدبر المشكلة على ضوء من التفكير السليم، وعلى ضوء العقل «، ويختتم المقال بقوله: « إن علينا أن نفتح أفقاً معقولاً من العلم تجاه بناتنا ليمكن لهم التطلع إلى الحياة، وإلى المسئولية بمنظار أبيض، وليمكن الزوج المواطن المثقف أن يجد في بنات جنسه زوجة صالحة متعلمة تتجاوب مع شعوره الجديد، ومع ذوقه الجديد أيضاً، وليت وزير معارفنا الجليل النشيط أعار شيئاً من اهتمامه اقتراحنا المتواضع والذي نرى فيه حلاً معقولاً وكاملاً للقضايا والأخطار التي تنتظر الجنسين فوق مركبة الحياة القادمة، ولنا في سموه أمل كبير...».

ونجد محمد العليني – وهو الاسم المستعار للدكتور غازي القصيبي – يكتب لأول مرة من البحرين قصيدة في روضة الشعر بعنوان (ابتهال).

وضمن أخبار (إشعاع حول الأحداث المحلية) نختار هذا الخبر:

الظهران: فرض المطعم الأمريكي بمطار الظهران على مرتاديه من السعوديين وغيرهم البيع بالعملة الأمريكية (الدولار) فقط، وقد كان من جراء ذلك أن أقفلت السلطات الحكومية أبوابه مدة من الوقت (والإشعاع تكبر في السلطات الحكومية موقفها الحازم المشرف الكريم لصيانة حقوق البلاد).

وفي العدد العاشر لشهر شوال 1375هـ الموافق مايو 1956م نقرأ في (كلمة العدد: حاجتنا إلى صناعيين)، ومنها نختار: «إننا في حاجة إلى أيدي فنية تسخر بقواها ذخيرة الأرض الغنية فتشيد المعامل، وتؤسس الموارد الثابتة التي تكفل لنا الاستقرار الدائم».

وشركات الزيت، وماذا أعددنا لشركات الزيت؟

ماذا سنكون وقد وقفنا مع الشركة على آخر حلقة من حلقات الاتفاقية المعقودة بيننا وبينها؟ ماذا سنكون، وقد طلب منا استلام دفة العمل، وتوجيه المعامل الجبارة إلى جبهة الاستثمار القوي؟

ماذا سنكون؟ بل وماذا سنقول لأنفسنا وللشركة وللواجب ولله جل وعلا قبل كل شيء؟

ماذا سنقول؟

أنقول: إننا بشر صغار ما زالوا يتلهون بدمى الطفولة؟

أنقول: إننا بشر ضعاف ما زالوا يتلكؤون ويترددون بين قراءة الألف والباء؟

أنقول إننا عرب كرام، ومن خصائص العربي الكريم أن لا يتكلم إنكليزي مثلاً؟ ولا يلف نفسه بزي غربي؟ ولا يقف أمام لعلعة الماكينات وهي تتحدى المحال في إبراز الشكليات العظيمة لثروتنا وسواعد بقانا؟

أم نقول: إننا أهل وفاء - متسترين وراء خداع العجز الأجوف - ومن حق الوفي أن يحتفظ بقرب شريكه في المصلحة، فنبقي على العيون الزرقاء على حساب العجز، وعلى حساب الجهل، وعلى حساب أننا عرب نؤمن بالمثل القائل: « يد تسقيك السم خير من يد تناولها جرعة ماء «... إلخ

وفي العدد الحادي عشر يكتب من الخبر جبر صالح تحت عنوان: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ} (8) سورة التكوير. يعلق على ما جاء في كلمة رئيس التحرير في العدد السادس والذي يطالب فيه بتعليم المرأة لنقطع الطريق على الزواج من الخارج، فقال: «نعم، علينا أن لا نحرم أبناءنا - ذكوراً وإناثاً - من نعمة العلم، الذي افترضه الدين وأقره، إذا أردنا أن نبني مجتمعاً فاضلاً، وألا نحاول - بتأثير من رواسب بالية - أن نخادع أنفسنا بحجة المحافظة على التقاليد والإبقاء عليها، فليست كل التقاليد تستحق التقدير، والإجلال (...): إن ترك المرأة غارقة في لجج الجهل المقيت لهو في الحقيقة أعظم جرم يمكن أن نقترفه في حق النفس التي حرم الله...».

وضمن الأخبار المحلية خبر يقول: يزمع الأستاذ الشاب عبدالله أحمد شباط إصدار مجلة شهرية جامعة تحمل اسم الخليج العربي، وقد تمت الإجراءات الرسمية من قبل السلطات، ويحتمل أن يكون صدورها في مطلع العام القادم فحيهلا بالزميلة.

- الرياض