Saturday 22/02/2014 Issue 429 السبت 22 ,ربيع الثاني 1435 العدد

الذي ماله وطن.. ماله في الثرى ضريحٌ*

* ما الذي يحدث للآباءِ هذا الشهرِ؟ تسألني صديقةٌ ولا أجد جوابًا. حقًا ما الذي يحدث للآباءِ، وماذا يحدث لأبي؟ رأسي ممتلئةٌ بساقِ أبي، تختلط شرايينها المسدودة بتلافيف دماغي، كنت قد عزمت ألا أكتب عنها فقد يكون ذلك فألًا سيئًا. لا أود أن أبدو متطيّرةً، خاصةً أن الكتابةَ كانت دومًا - على بساطتها- فعل راحةٍ لي وإن كان يراها الكثيرون مشبعةً بنكهةٍ مرةٍ أو حامضةٍ، لا فرقَ كبيرٌ فليست إحداهما مستساغةً على أيةِ حال!

* أحاول القفزَ بين الكلماتِ كما تقفز الخرافُ في مرعاها، غير أنها تقفز بسعادةٍ وتتحول عيونها إلى اخضرارٍ بوسع المدى، وأقفز أنا خوفًا وفزعًا كي لا أعودَ إلى «حديث الساق» التي تملأ رأسي، وعبثًا أحاول!

* في كل مرةٍ كنا -نحن الأبناءَ- نحتفل بعيد الأم كان أبي يسأل مداعبًا: ماذا عن الأب أليس له عيدٌ؟ ربما كان ذاك احتجاجًا على احتفاءِ العالم بعيد الأم بصخبٍ بأغنيةِ «ست الحبايب» لفايزة أحمد، أو حين تقرر الدولةُ جعله يوم عطلةً رسميةً يمطرنا فيها التلفزيون الرسمي بتمثيلياتٍ تتكرر كلَ عامٍ حتى بتنا نحفظها عن ظهر قلبٍ، بينما يمضي عيد الأب الذي لا يكترث به- أو ربما لا يعلم عنه- كثيرون بهدوءٍ، وقيل إنه يصادف الحادي والعشرين من شهر يونيو/ حزيران حسب تقويم بلادي لأنه اليومُ الأولُ من الصيفِ كما أنه اليومُ الذي يطولُ فيه النهارُ أكثر من غيره، احتفاءً بعـَرق الأبِ دون أن تقرّر له عطلة!

* حتى في الحكايات العالمية لا يظهر للآباءِ دورٌ كبيرٌ، فهم إما أزواجٌ لساحراتٍ شريراتٍ ليس لديهم القوةُ لردعهن، أو آباءٌ يختبرون حب الأولادِ ويغضبون لأن الإجابةَ لم تكن على قدر توقعاتهم، ويندمون فقط حين يُفتقد «الملح» ! ليس الآباءُ مجرد «كومبارس» كما تصورهم الحكاياتُ الظالمةُ، فهم الذين يمنحوننا أسماءَنا وأسماءَهم التي ستصحبنا طوالَ حياتنا وكلّ ما سوى ذلك لا يعدو كونه مجردَ زوائدَ سيقتطعها مشرطٌ ما في وقتٍ لاحق، كما قلتُ في وقتٍ سابقٍ- وربّما كنتُ أكرّر قولي هربًا- رغم ادّعاء فيروز أنّها محضُ كلام!

* كلُ الأيامِ يومك يا أبي، سنعود إلى دارنا أربعة كما أُخرجنا منها أربعة، وسيجري الدمُ في شريانك الذي سدّه الحنين، وستلقي عصاك لينبتَ ورد الساقِ من جديد.

*» أبي يا أبي .. إنَّ تاريخَ طيبٍ

وراءكَ يمشي، فلا تَعْتَبِ..

على اسْمِكَ نمضي، فمن طّيِّبٍ

شهيِّ المجاني، إلى أطيبِ

حَمَلْتُكَ في صَحْو عَيْنَيَّ.. حتى

تَهيَّأ للناس أنِّي أبي..» نزار قباني

* «أبي»: محمود درويش

بثينة الإبراهيم - القاهرة