Saturday 22/02/2014 Issue 429 السبت 22 ,ربيع الثاني 1435 العدد
22/02/2014

بلى.. يطيل النوم عمراً!

من يسمع أغنية أم كلثوم الشهيرة لقصيدة الشاعر الفارسي عمر الخيام في رباعياته والتي ترجمها الشاعر المصري أحمد رامي، لا يخالجه شك في صحة ما يسمعه من هذه الثقافة الشرقية المتأصلة؛ ومنها البيت الذي يردده المنغمون لأغاني كوكب الشرق: «فما أطال النوم عمراً – ولا قصّر في الأعمار طول السهر». فما الذي يجعل العرب الحالمين مع الشعر الرومانسي يهيمون مع عبارات الشعراء المحلقين، وأصداء صوت أم كلثوم متغنين بحب السهر الطويل، وتحقير النوم المبكر، وعدم الاهتمام بأخذ قسط من الراحة خلال الليل؟ في الواقع أن هذه المقولة غير صائبة على الإطلاق؛ سواء في مضمونها الدلالي، أو موافقتها للمنطق. فأمور الصحة أصبحت أكثر وضوحاً حتى لغير المتخصصين، والقضايا الصحية صارت مؤطرة ضمن مسلّمات مثبتة، ولم تعد مجال اجتهادات وإطلاق أحكام تخمينية، كما يمارس ذلك كثير من المتعالمين ومدعي الحكمة من العرب المعاصرين.

فهناك من المسلمات العلمية، والوقائع الصحية التي لم تعد مجال جدال، ما يتعلق بقلة النوم، أو عدم انتظامه، وخاصة في أوقات الراحة البيولوجية، التي يحتاجها جسم الإنسان. وجميعها تشير إلى أن امتناع الجسم عن النوم، لأي سبب من الأسباب، له آثار مدمرة على وظائفه البيولوجية بدرجة كبيرة. فكثير من الناس يعتقدون بأن التقليل من ساعات النوم عند الحاجة إلى الوقت في أزمات العمل أو المناسبات الاجتماعية غير مؤذ للجسم على المدى الطويل؛ إذ يمكن للمرء الاستعاضة عن ذلك النقص في أوقات أخرى لاحقة. لكن الواقع الطبي يؤكد أن لذلك التعدي إذا تكرر في أوقات متوالية آثاراً على كل من الصحة البدنية العضوية والعقلية. تبدأ تلك الآثار من استثقال الوظائف المعتادة ذات الروتين اليومي، كما تضعف تكوين صلات التفاعل بين خلايا الجسم المختلفة والمحتاجة إلى ذلك التواصل. على أن أصعب النتائج تكون في عدم القدرة على التركيز الطويل بسبب ضعف التواصل بين مراكز الوظائف المختلفة من جهة، وعجز الدماغ عن السيطرة على الأعضاء المعنية بوظائف المتابعة المحتاجة إلى التركيز؛ لذا فإن حجج الطلاب، التي يسهرون أحياناً بسببها تؤدي إلى أثر عكسي، حيث يكون الطالب قد استعرض في الوقت الذي اختصره من النوم معلومات وتطبيقات يظن بأنه قد تمكن منها، لكنه عند أداء الاختبار تقل قدرته على استعادتها بطريقة تقترب من إمكاناته في وقت نشاط الدماغ.

وعودة إلى تلك المقولات الرومانسية؛ من الذي يسعى إلى تكريسها وترديدها على مسامع الناس، وكأنها أمور قطعية الثبوت؟ إن من يردد هذه المقولات هم أناس يتوقعون كل شيء يأتي إليهم طازجاً ومجهزاً في الصباح من إفطار إلى تنظيف الشوارع والمكاتب وأماكن الخدمات العامة، ويرغبون في استمرار دوران عجلة الحياة في المدن. وكل هذه الخدمات لا تتم إلا أن يصحو أولئك الناس الذين ينجزون هذه الأعمال منذ مطلع الفجر، بل إن بعضهم يخرج من منزله قبل أن يبزغ النور، ليصل إلى مقر عمله، ويقوم بما هو مطلوب منه قبل وصول الحركة إلى الشوارع والأماكن المطلوب تنظيفها وتجهيزها، فتصبح مكتظة، مما يجعل إنجاز العمل صعباً في تلك الظروف. فهل يتوقعون أن يسهر أولئك الناس؟ وإذا تأخروا في النوم، فهل يمكن أن ينجزوا العمل بهمة ونشاط، لكي يأتي أولئك السهارى، وقد مُهدت لهم الأمور، ونُظفت لهم الأماكن؟ أم إنهم يظنون أن السهر مطلوب للفئة المتنعمة، ومحظور على الطبقات المسحوقة، التي عليها أن تنام مبكراً، لتخدمهم في الصباح، وتنجز ما لا يمكن إنجازه إلا في تلك الأوقات المبكرة من النهار؟

- الرياض