Saturday 31/05/2014 Issue 440 السبت 2 ,شعبان 1435 العدد
31/05/2014

محاولة اغتيال مثقفة و .. «وزارة الثقافة خارج الخدمة مؤقتا»

أن تمر جائزة ثقافية ترسخ التمييز ضد المثقفة وتعلن «ردة ثقافية» تُعيد المثقفة إلى «المربع الأول» «للنساء فقط»! مثل جائزة نادي القصيم مرور الكرام من تحت نظر وسمع وزارة الثقافة هو أمر لا نستغربه لأن الوزارة دوما «خارج نطاق الخدمة مؤقتا».

ولكن ذلك لا يمنعنا من فتح ملف سلبية وزارة الثقافة نحو حقوق المثقفة السعودية وعدم تفعيل واجبها كحامية لأمن تنفيذ الاستحقاقات الثقافية المُوجبة لها.

وضرر تلك الجائزة لا ينحصر فيما تحمله من دلالات رغم ما لتلك الدلالات من تأثير على تراجع المجهودات التي تبذلها الحكومة لترسيخ ثقافة المساواة ومكافحة التمييز ضد المرأة وما قد يتسبب في توتر وقلق المنجز الحاصل والخوف على ما هو قيد الإنشاء إنما إضافة إلى ذلك فيما قد تُسنّه تلك الجائزة من بدعة ما أنزل الله بها من سلطان في ظل وزارة «خارج الخدمة مؤقتا».

وقد يرى البعض أن لا شأن لوزارة الثقافة بهكذا أمر وأنها لا تتدخل في شؤون الأندية الأدبية كونها «مؤسسات مستقلة الرأي والتوجه والإنتاج» وبالتالي فلها كل الحق في أن تُفسد ما تُفسده من قيم نهضوية وأن تهدم ما تهدم من معايير حقوقية وأن تنشر ما تنشره من أفكار تناهض الرسالة الحضارية المخولة بها التنمية الثقافية التي تُعتبر المؤسسات الثقافية أهم قنواتها.

أليس هذا هو «لسان وزارة الثقافة لدينا» على غرار «يداك أوكتا وفوك نفخ»؟.

وحسبما أعتقد أن هذا التوصيف لقيمة الاستقلالية غير صحيح لأن سياسات الأندية وإن كانت مستقلة وظيفيا يجب أن تكون داعمة للقيم النهضوية والخدمات الاستحقاقية والمبادئ الحضارية التي تتبناها الدولة وتدعمها القرارات الرسمية، فالاستقلالية ليست معادلا موازيا للانفصال عن سياسة الدولة أو حكومة ظل، فالاستقلالية هنا مثلها مثل الحرية مشروطة شرعيتها بعدم «وقوع ضرر» أو «تجاوز حدّ حقوقي» وبذلك تتساوى الاستقلالية مع الحرية في قاعدتها الذهبية «تنتهي استقلاليتنا حيث تبدأ حقوق الآخرين».

كما أن المؤسسات الثقافية يجب أن تكون مٌنفذة لتلك القيم والاستحقاقات لأنها تظل مؤسسة ثقافية خدماتية وقراراتها مرتبطة بنشر ثقافة تلك القيم والاستحقاقات التي تُعزز الوعي الحضاري بالمنظومة الحقوقية نحو المرأة لا أن تُعيد «تنبش قبور موتى الماضي».

ودور وزارة الثقافة هاهنا الحامي لتنفيذ وثيقة تلك القيم والاستحقاقات، وليست كما نراها «سلبية بالمشاهدة» بحجة دعم استقلالية المؤسسة الثقافي وهي حجة لا تدل إلا على قصور الوزارة في حماية أمن الاستحقاقات الثقافية للقيم النهضوبة للمرأة.

كما أن تلك المؤسسات ليست ملكية خاصة لاتجاه فكري يروّج له رئيس مؤسسة ثقافية أو إدارة مؤسسة ثقافية، كما لا تعني فكرة الاستقلال لمؤسسة ثقافية أن تدعم اتجاهات فكرية تمييزية أو تطرفية تسير عكس السياسات النهضوية للدولة.

أنا ضد تدخل الوزارة فيما يضر باستقلالية المؤسسات الثقافية، لكن يجب أن لا تتعامل الوزارة مع تلك الاستقلالية من قبيل «أهل مكة أدرى بشعابها» وهي قاعدة تدفع المؤسسات الثقافية إلى تجاوز الحدود الحقوقية والإسراف في تطرفها وهو تجاوز وتطرف حاصل غياب دور الوزارة كحامية للإطار الحقوقي والأمن الثقافي الاستحقاقي وكمتابعة لسير الخطة التنموية لتطوير الفكر الاجتماعي الذي ترعاه المؤسسات الثقافية بمعية التعليم والإعلام.

ولو تتبعنا السيرة الوظيفية للمرأة السعودية في مختلف وزارات الدولة لوجدنا أن «المثقفة» للأسف الشديد تصف في آخر الطابور في حين وصلت المرأة في كل الوزارات إلى مراتب وظيفية عالية سواء بمرتبة مدير أو مرتبة وكيل وزير أو مرتبة نائب وزير.

في حين أن وزارة الثقافة التي يجب أن تكون حاملة للتنوير وقدوة لعدالة الاستحقاق النهضوي الآمن للمرأة والمُشجعة للمجتمع على تطبيق تلك الاستحقاقات النهضوية «متخلفة» عن خط سير تلك الوزارات لتظل في آخر طرفها.

والسؤال الأصعب هنا لماذا «تخلفت» وزارة الثقافة فيما يتعلق بتوصيل المثقفة إلى مراتب وظيفية عالية أسوة بالتعليم مثلا.؟ وأنا هنا أتجاوز وظائف الدرجة الثانية أو الوظائف المساندة المناسبتية.

كما أُخرج من هذا السؤال ما قد يُستدرك من قِبل البعض أن هناك مراتب شرفية ومراتب استشارية ومراتب تحكميّة تحظى بها المثقفة داخل الوزارة، وهذا الإدعاء غير دقيق، فتلك المراتب الشرفية والاستشارية والتحكميّة هي خاصة باللجان؛أي مؤقتة وعادة ما يترأسها «المثقف الرجل» بأغلبية الأصوات؛ لأن الأغلبية هم المثقفون .

مما يعني أن المثقفة فيها تأتي «للإحاطة» لتكذيب ذكورية الثقافة وتأتي أيضا «تكملة عدد» لتكذيب فكرة التمييز السلبي ضد المثقفة، رغم أن بعض «المثقفات» داخل تلك اللجان يتفوقن على المثقفين فكرا وعلما وخبرة، وهو ما يعني غياب تطبيق معايير الكفاءة وتكافؤ الفرص.

كما أن هذه الخطوة ليست تكرما من الوزارة أو منّا منها على المثقفة إنما خضوعا لمقتضى لا يُمكن إغفاله للمستوى الثقافي الذي وصلت إليه المثقفة بمجهودها لا بمساندة ظهير الوزارة، وإغفالها لذلك الدور في خضم الإنجاز الذي حققته «الكتلة الحرجة» في المجتمع سواء المثقفة خاصة والمرأة السعودية عامة وقبل ذلك توجهات الدولة في تعزيز ونشر القيم النهضوية لترسيخ المساواة بين الرجل والمرأة على كافة المستويات والمشاركة العادلة في مناقشة قرار صناعة الفكر الاجتماعي، وهو ما يعني أن ما تقدمه الوزارة للمثقفة في حدود المراتب الشرفية والاستشارية والتحكمية هو حاصل ضغط «مكرها أخاك لا بطل» وردة فعل «المكروه» غالبا ما تغيب عنها صحة الإيمان والجدية والمصداقية والقدرة على صناعة إستراتيجية الفاعلية.

وما قد يُستعجب في هذا الأمر أن عراقة تاريخ المرأة المثقفة وجهودها الثقافية لا تتناسب مع ما تستحقه من تقدير وظيفي تدعمه وزارة الثقافة خارج وظائف الدرجة الثانية أو إطار الجوائز والتكريمات.

ولا أدري إن كانت هذه إشكالية تخطيطية عند الوزارة أم إشكالية تتعلق بعجز الوزارة في تقدير قيمة المثقفات اللائي لا يقلن كفاءة وقدرة وإمكانية عن بعض الرجال الذين يضعون ساقا على ساق في الوزارة بل ويتفوقن عليهم، لكن عندما يتحكم منطق «كن رجلا» وستحظى بكل شيء تُصبح جريمة اغتيال مثقفة مباحة شرعا.

وفي كلا الحالتين يتساوى الحاصل بيقين لا يخلطه شك أن المثقفة السعودية تعيش اليوم أزمة حقوقية داخل الوزارة سواء أكان بعلم الوزارة أو دون علمها وأولهما أدهى وأمر من ثانيهما.

ثم أن المثقفة في الوزارة تحتل المرتبة الأقل في التقدير الوظيفي نسبة إلى التقديرات الوظيفية للمرأة السعودية في بقية وزارات الدولة ووزارات عُرفّ تاريخها بالتطرف والتمييز نحو المرأة هاهي اليوم تتقدم الوزارات الداعمة للأمن الاستحقاقي النهضوي للمرأة، وهذه ملاحظة لا تبتعد عن علامتي التعجب والاستفهام.

ما أقصده أن الاستخفاف بالمثقفة السعودية من خلال التمييز السلبي لدفعها إلى العودة إلى الحرملك الثقافي سواء في مرحلة الأندية الأدبية ما قبل الانتخابات أو في ظل إدارات الأندية بعد الانتخابات هو شأن محضّ يتعلق بالوزارة إذا أنها هي المنصة الحامية للأمن الاستحقاقي النهضوي للمثقفة وهي الحاضنة المتابعة لتفعيل ذلك الأمن الاستحقاقي والتي تتهرب منه دائما ملقية كرته في ملعب المؤسسات الثقافية التي تّديرها توجهات تطرفية آخر همها هو «المثقفة» وليتفرق دم حقوق المثقفة بين قبائل رؤساء الأندية الأدبية.

على العموم هاهي الفرصة اقتربت من وزارة الثقافة لتتحمل مسئولية حماية الاستحقاق النهضوي للمثقفة من خلال «التعيين الأدبي» إذ يجب أن لا تقل نسبة التعيين في «الخماسية الأدبية» في الأندية الأدبية عن «أدبتين مقابل ثلاثة أدباء» وهي نسبة قد تستطيع الوزارة أن تُكفّر بها من خلالها عن قصور حمايتها لحقوق المثقفة ورفعها لمستوى رسميّة صناعة القرار الثقافي؛إلا إذا كانت حينها»خارج الخدمة مؤقتا». ولا ينتهي دور وزارة الثقافة هنا بل يبدأ إذ لابد أن تكون ظهيرا فعليا للمثقفة لتوصيلها إلى مستوى وظيفي يتناسب مع جهودها الثقافية وقيادتها الوعي الثقافي وهو مستوى لا يقل عن مرتبة «وكيل وزارة» أسوة بغيرها في بقية وزارات الدولة.

- جدة