Saturday 31/05/2014 Issue 440 السبت 2 ,شعبان 1435 العدد

أُمْسِيَّةٌ شِعْرِيَّة

شِتَائِيَّةٌ هَبَّتْ مَسَاءً بِشَمْأَلِ

لأَلْجَأَ مَقْرُوراً إِلَى قَعْرِ مَنْزِلِي

لأَبْحَثَ عِنْ دِفْءٍ يعِيْدُ تَجَلُّدِي

فَأَشْعُرُ فِي وَجْهِي وكَفِّي وَأرْجُلي

وَلَكِنَّ هَذَا عَزَّنِي إِذْ تَجَمَّدَتْ

شَرَايِيْنُ جِسْمِي بَلْ تَصَلَّبَ مِفْصَلِي

فَمَا عُدْتُ أَدْرِي مَا أَقُولُ لِمُسْعِفِي

تَوَقَّفَ تَفْكِيْرِي وَعُطِّلَ مِقْوَلِي

نُقِلْتُ إِلَى دَارِي إِلَى دَارَةِ الغَضَا

بِقُرْبِ وُجَاقِ النَّارِ أُجْلِسْتُ أَصْطَلِي

غَفَوَتُ وَقدْ أَحْسَسْتُ بِالدِّفْءِ سَاعَةً

وَفِي غَفْوَتِي سَامَرْتُ رُوَّادَ مَحْفَلِي

رَأَيْتُ وُجُوهَاً لَيْسَ بَيْنِي وبَيْنِهَا

عَلاَقَاتُ جِيْلٍ فِي تَقَارُبِه جَلِي

مَلابِسُهُمْ فِي هَيْئَةٍ مَا تَوَحَّدَتْ

كَمَا اخْتَلَفَتْ سُحْنَاتُهُمْ بِالتَّشَكُّلِ

فَأَنْكَرتُهُمْ حَتَّى ظَنَنْتُ بِأنَّهُمْ

شَيَاطِيْنُ جِنٍّ أَمْعَنُوا بِالتَّغَوُّلِ

وَلَكِنَّنِي أَكْرَمْتُهُمْ بِعَشَائِهِمْ

بِمَأْدُبَةٍ عَصْرِيَّةٍ مِنْ أَبِي عَلِي

فَمَا امْتَدَّتْ الأَيْدِي إِلَيهَا سِوَى يَدٍ

تَنَاوَلَت المَشْوِيَّ من لَحْمَةِ الطَّلِي

تَخَوَّفْتُ مِمَّنْ أَحْجَمُوا عَنْ ضِيَافَتِي

وَمَدُّوا عُيُوناً فَوقَهَا بِالتَّجَوُّلِ

فَأَنْشَدْتُ فِيْهِمْ بَوحَ شِعْرِي لِيَطْعَمُوا

وَأَطْرُدَ خَوفِي بِالصَّدَى وَالتَّعَلُّلِ

سَأَلْتُ أَفِيْكُمْ شَاعِرٌ فَيجِيْزُنِي؟

لأَقْطَعَ صَمْتَ الحَائِرِ المُتَأَمِّلِ

فَإِنْ كَانَ فَخْراً فَلْيَكُنْ صَوتُ فَخْرِه

بِنَجْدٍ وَإلاَّ فَلْيَكُنْ بِالتَّغَزُّلِ

أَهِيْمُ بِنَجْدٍ مَوطِناً وَبِغَادَةٍ

قَدْ اسْتَوطَنَتْ قَلْبِي هَوَىً بِالتَّدَلُّلِ

فَأَنْشَدَنَا مِنْهُمْ مُجِيْزاً وَقَائِلاً

«قِفَا نَبْكِ مِن ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِ»

«تَعَلَّقَ قَلْبِي طَفْلَةً عَرَبِيَّةً

تَنَعَّمُ بِالدِّيْبَاجِ» والتِّبْرِ بِالحُلِي

بِشِعْرِكَ هَذَا قَدْ عَرَفْـنَاكَ مُبْدِعاً

لأَنْتَ امْرؤُ القَيْسِ انْتَشَيْنَا فَمَا يَلِي؟

فَأَعْقَبَه شَيْخٌ تَجَلَّدَ مُنْشِداً

فَغَنَّى «أَلا هُبِّي بِصَحْنِكِ» وَاحْمِلِي

فَذَلِكَ جَدِّي شَيْخُ تَغْلُبَ والَّذِي

توَّشَّحَ مَجْداً فَهْوَ لَيْسَ بَأَعْزَلِ

فَيَشْرَبُ صَفْوَ المَاءِ حِيْنَ وُرُودِه

فَسَارَتْ بَنُوه فِي مَسَارٍ لَه جَلِي

حَفِيْدُكَ إِنِّي أَيُّهَا الشَّيْخْ فَاقْتَرِبْ

أُقَبِّلْ جَبِيْنَ الفَخْرِ فَخْر مُقَبِّلِ

وَمِنْ بَعْدِ جَدِّي فَارِسٌ هَزَّ سَيْفَه

فَأَنْشَدَ شِعْراً لا يُزَاحُ بِأفْضَلِ

«أَرَاكَ عَصِيَّ الدَّمْعِ» حَتَّى إِذَا انْتَشَى

«لَنَا الصَّدْرُ» إِذْ رَوَّى الزَّمَانَ بِأَفْعَلِ

تَبَيَّنْتُه فَهْوَ المُكَنَّى بِهِمْ أبَا

فِرَاسٍ سَمَا شِعْراً بِمَجْدٍ مُؤَثَّلِ

وَرَابِعُهُمْ مِنْ شِعْرِه هَبَّ مُنْشِداً

لِيَحْتَجَّ أَنْ مَا جَاءَ فِيْهِمْ بِأَوَّلِ

«وَمِنْ نَكَدِ الدُّنْيَا عَلَى المَرْءِ أَن يَرَى»

فَكَانَ بِهَا يَنْهَى ويَشْكُو وَيَبْتَلِي

هُو المُتَنَبِّي شَاغِلُ النَّاسِ شِعْرُه

وَحِكْمَتُه مَرَّتْ عَلَى كُلِّ مِقْوَلِ

لِيُنْشِدَنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مَنْ شُعُورُه

بِهَمْزِيَّةٍ أَسْمَى وَأَنْدَى وَأَجْمَلِ

بَمَطْلِعِهَا مِنْ قَولِه «وُلِدَ الهُدَى»

بِأَحْمَدَ مِنْ وَحْيٍ عَلَيْه مُنَزَّلِ

مَدِيْحٌ أَحَسَّ المُسْلِمُون بِفَيْضِه

وَأَطْرَقَ جَدِّي وَامْرَؤُ القَيْسِ يَصْطَلِي

أَتَانِي سُؤَالٌ مِنْهُمَا فِيْه رَعْشَةٌ

وَقَدْ دَافَعَاهَا عَنْ ظُهُورٍ فَتَعْتَلِي

لَهَذَا أَمِيْرُ الشِّعْرِ شَوقِي بِبَيْعَةٍ

بِهَا شُعَرَاءٌ بَايَعوه بِمَحْفَلِ

وَمَمْدُوحُه فِيْهَا الرَّسُولُ مُحَمَّدٌ

مِن اللَّهِ مَبْعوثٌ وَأَكْرَمُ مُرْسَلِ

فَأعْقَبُه النَّاهِي لَنَا لَومَ كَفِّه

إِذَا سَيْفُه عَنْهَا نَبَا دُونَ مَقْتَلِ

لَقَدْ صَحَّ مِنه العَزْمُ وَالدَّهْرُ قَدْ أَبَى

فَأَغْرَتْه يَابَانِيَّةٌ بِالتَّغَزُّلِ

فَعَرَّفْتُ سُمَّارِي بِه قَائلاً لَهمْ

نَعَمْ إِنَّ هَذَا حَافِظٌ فَلْيُقَبَّلِ

عَلَى وَجْنَتَيْه فَهْوَ شَاعِرُ نِيْلِهَا

وَلَكِنَّه عَصْرٌ يُجِيْزُ وَيَبْتَلِي

وأنْشَدَ مَعْرُوفُ الرَّصَافِيْ وَغَيْرُه

وَبِالشِّعْرِ غَنَّى الشَّنْفَرَى بَعْدَ جَرْوَلِ

وَهُيِّجَ قَيْسٌ وَاسْتُثِيْرَ كُثَـيِّرٌ

وَعَنْتَرَةُ العَبْسِيُّ لَمْ يَكُ بِالخَلِي

أُولَئِكَ قَدْ هَامُوا بِلَيْلَى وَعَزَّةٍ

وَعَبْلَةَ فَانْسَابَ الهَوَى بِالتَّغَزُّلِ

وَغَازِي أَبُو يَارَا ارْتَوَى الشِّعْرَ فَانْتَشَى

بِرُوحٍ سَمَتْ فِيْه بِصَوتٍ مُجَلْجِلِ

فَأَوحَتْ «أجل نَحنُ الحِجَازُ» بِمَجْدِه

وَمَجْدٍ لِنَجْدٍ فَارْتَقَى المَجْدَ مِنْ عَلِ

فَأَدْرَكَنَا فَجْرٌ تَسَلَّلَ نُورُه

فَهَمَّ الأُلَى قَدْ أَنْشَدُوا بِالتَّسَلُّلِ

أَبَى شَاعِرٌ قَدْ ظَلَّ يَسْمَعُ غَيْرَه

فَنَادَى اسْمَعُوا الإبْدَاعَ حَقّاً لَكُمْ وَلِي

تَهَيَّأَ كُلٌّ حِيْنَهَا لِسَمَاعِه

بِشَوقٍ يَمُدُّ الشَّوقَ لا بالتَّجَمُّلِ

فَأَنْشَدَ بِالسُّمَّارِ واللَّيْلِ شِعْرَه

فَأَطْرَبَهُمْ بِالمُحْتَوَى والمُؤَوَّلِ

تَسَاءَلَ عَنْه السَّامِعُونَ بِدَهْشَةٍ

وَمَا كُنْتُ عَنْه مِثْلَ يَومِي بِأَجْهَلِ

تَفَرَّسْتُ فِيْه ثُمَّ رَدَّدْتُ شِعْرَه

فَلَمْ أَدْرِ تَعْرِيْفَ الأدِيْبِ المُبَجَّلِ

مَلامِحُه لَيْسَتْ عَلَيَّ غَرِيْبَةً

وَهِنْدَامُه هِنْدَامُ جِيْلِي المُفَضِّلِ

وَلَكِنَّنِي مِنْ بَعِدِ يَأْسِي وَكُربَتِي

عَرَفَتُ اسْمَه إِذْ مَكْرُه لَيْسَ يَنْطَلِي

فَذَكَّرَنِي هَذَا المُرِيْبُ بِوَضْعِـه

بِشَاعِرِنَا عَبْدِ العَزِيْزِ القُبَيِّلِ

بَلَى إنَّه السَّامِي الزَّعِيْمُ بِنُبْلِه

فَفِي مُنْتَدَاه الشِّعْرُ أَضْوَاءُ مِشْعَلِ

وَحِيْنَ أَتَى دَورِي أَفَقْتُ فَرَاعَنِي

أَن انْصَرَفُوا عَن دَارَتِي حَيْثُ مَحْفَلِي

فَأنْشَدْتُها لِلْفَجْرِ في دَارَةِ الغَضَا

وَفِيْهَا الغَضَا والنَّخْلُ تَرْوِي تَأَمُّلِي

لِتُنْشِدَ إِحْسَاسِي وَبَوحَ قَصِيْدَتِي

لِنَجْدٍ بِأَيَّامِي وفِي حُقَبٍ تَلِي

فَيَسْمَعُهَا السَّارُونَ فِيْهَا وَمَن ثَوَوا

وَمَنْ سَوفَ يَأتِي بَعْدَهُمْ بِالتَّسَلْسُلِ

بِأُمْسِيَّةٍ شِعْرِيَّةٍ أَو بِنَشْرِهَا

لِيَدْرُسَهَا النُّقَّادُ فالنَّقْدُ مَدْخْلِي

- د. عبدالرحمن عبدالله الواصل