الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 21st February,2005 العدد : 94

الأثنين 12 ,محرم 1426

شهادة وتحية
عبدالله محمد الغذامي
أترى أننا صغارٌ فنلهو؟
أم كبارٌ نجدُّ مثلَ الكبار؟
هذا بيت من قصيدة طويلة للشاعر عبدالله الجشي، وهي عن قصة حياة التلمذة، وهو بيت يحيل إلى سني الشاعر الأولى، إلا أنه بيت يحمل حساً لا ينقطع عن حياة الإنسان الذي يجد نفسه في حال من الأسئلة حول دوره في الكون، وفي محيطه الخاص، وهل المرء كائن قابل للتبلد والطفولية الأبدية، فيرضى بمتع الحياة السهلة، ويقبل الصفقة التي تقول إن السعادة هي في السلوان؟ غير أن ما يظل ينازع الإنسان راحته، ويقلق باله أنه سيشعر، رغماً عنه، أنه كبير أيضاً، وعليه أن يجدَّ كشأن الكبار إذ يجدُّون. ولا شك أن الشاعر قد كتب نصه بعد أن اجتاز عهد الطفولة، وحاول أن يعود إلى عقل ذلك الطفل النقي البريء الذي يسعد بأن يكتشف العالم من حوله خطوة خطوة، غير أن ما يقوله الشاعر عن طفولته هو في الواقع ما سيلاحقه ويلاحقنا معه في مراحل العمر كلها.
وما قال الشاعر هنا إلا ما هو حس له وهو كبير، وحسن لنا إذ نشعر ونحن نقرأ البيت وكأننا نتمازج مع الشاعر في نبض واحد، ونطرح سؤالاً مشتركاً عنا وعن دورنا، وهل نحن في نعمة فنرضى ونفرح كما الصغار؟ أم إننا كبار و(هذا زمان الشد فاشتدِّي زِيَم)..؟
رماني هذا البيت حينما قرأته، مثلما رمتني القصيدة كلها بما فيها من صور عني، وعن أجيال أعرفها كانت، ولما تزل تسأل الأسئلة نفسها، وتحس الأحاسيس نفسها، كما يطرحها ويحسها الشاعر عبدالله الجشي.
هذا الرجل يحمل عنا بعض أسئلتنا مثلما يحمل عنا أحلامنا، وهو الوطني الملتهب وطنية: قطيفاً ويمامة وطَيْبة. تلك كانت أحلامه في رموز وطنية عبر التسمية والحياة من داخل المنزل، وعلى مدى مساحة الوطن قلوباً وأرضاً.
حقق بعض حلمه على مستوى الرمز، والتسمية، وترك لنا الإحساس بالباقي، مثلما وضع لنا السؤال عنها وعنه: (هل نحن صغار فنلهو؟ أم كبار فنجد..؟
حينما نتكلم عن عبدالله الجشي
فنحن لا نتكلم عن شاعر يكتب الشعر الجميل ليطربنا، ولكن نتكلم عن حلم وطني يحمل وطناً في قلبه، ويمتلك حلماً كبيراً لهذا الوطن، وكم هو عيب كبير في حقه وحق الوطن وحقنا أن نتكلم عنه حينئذ بلغة النقد البارد، والمتنطع بالعلمية والموضوعية.
هناك رجال وهناك مواقف يجب على النقد أن يستحي أمامها وأمامهم، وحينما طلب مني مرة أن أشارك في تكريم العربي سليمان العيسى؛ كتبت شهادتي عنه، ولم أمارس هواية الناقد أمامه، فهو رمز ومعنى ضميري عميق، ويعلو على النقد ومصطلحاته، وأنا اليوم على حال مماثلة، فحينما هاتفني الابن حسن المصطفى يطلب مني المشاركة في تكريم هذا الرجل الإنسان، قلت في نفسي: يا ترى هل دعاني لأنني ناقد أم دعاني لأنني محب لعبدالله الجشي؟
إن محبتي لهذا الرجل هي محبة لهذا الوطن، لأن ما يحمله الجشي في قلبه، وما يقوله في شعره، وفي لقاءاته هو ما أجده في نفسي، ولذا فالجشي ضميرنا غير المستتر. هو ضميرنا الناطق، وهو سعى لتجسيد حلمه في الكلمة، وفي التسمية، وفي الحس الحي المتحرك.
مثلي مثله، ومثل كل وطني هو. وتكريمه اليوم هو تكريم للوطن، ولكل حس وطني صادق، وصابر ومخلص، ولكل وطني يضع يده على قلبه وعلى وطنه ليطمئن أنه ما زال ينبض بالحياة، وشرط الحياة أن نجد مثل الكبار، وإن كان لنا أن نلهو مثل الأطفال، شريطة أن ننجز مشروع الجد أولاً لكي نستحق الفرحة الطفولية بجدارة واستحقاق.
لقد حلم عبدالله الجشي، وجسد حلمه. وترك لنا مسؤولية إدراك هذا الحلم والعمل على تجسيده.
أقدم تحيتي لشاعرنا الكبير، ولوطننا الجليل، وأقول له: إنني أحبك بمقدار ما تركت في نفسي من أحلام، ومن أمنيات، وبمقدار ما يفيض به قلبك من حب أراه وأسمعه وأستلهمه.
رعاك الله، وأبقى لنا حلمك حياً في قلوبنا، وأمانة في تصوراتنا، وعهد علينا يجب أن نتعهده ونسقيه من ماء أحلامنا وصدقنا. تحية لك أيها الوطني الغالي.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved