| ضفاف الهوى غنِّي الحبيب المغيَّبا |
| عسى العاشقَ المفتون أن يتَأوَّبا |
| سلا الظِّل مسفوحاً على الماء مترَفا |
| ووهج السنا مُلقى على الرمل متعبا |
| وملَّ الهوى لونا على النخل مهرقا |
| ورَوْحاً كرَوح المترفات محببا |
| وجافى بمخضلّ الضفاف أحبةً |
| تعشَّقَهم حتى أكتوى وتعذبا |
| وغنَّاهم بَوْحَ اليراعين أحرفا |
| ألذَّ من المجنون سحراً وأعذبا |
| وما زال مشبوب الخيال، إذا شدا |
| جرى العطر في رمل الضفاف فأعشبا |
| كأني بشطآن الخليج ترشفت |
| زُلالاً على شبابتيه مذوَّبا |
| إذا مدَّ في مهوى السراب شراعه |
| وعارضَ بالموج المعاند مركبا |
| أراك فتى فوق العُباب مشمِّراً |
| يضم على المجداف كفا مدرَّبا |
| يطارحُ فوق اليم نجما ونورساً |
| ويُؤنس تحت الليل قلعاً وكوكبا |
| وإن جدَّ خلف الفاتنات يراعه |
| يَجُوسُ عليهن الخباء المُطنبا |
| أسال هوى يُوري الحُشاشات وهجه |
| وإن كان عُذْرِي العَفاف مهذَّبا |
| يعيش بأجفان الملاح مهرَّبا |
| وما ذا يكون العشق إلا مهربا؟ |
| فعاشقة تخفيه تحت وسادها |
| ووالهةٌ تبقيه سراً مغيبا |
| كأنَّ الهوى كأسٌ عليه مقدرٌ |
| يُعَلُّ به أو أن يلام ويُعتبا |
| فإن نسي النَّهد الصبيّ مُرفهاً |
| وتاب عن الثغر الشهي مطيبا |
| فما نسي الرمل الحبيب مبعثرا |
| عليه رعاف المحْجرين مخضبا |
| على الرَّبَوات الفيح أرسى خباءه |
| يسامر ديجورا ويسهر غيهبا |
| وفوق رُبى دارين ألقى رحاله |
| يطنِّب للعشاق في الشمس مضربا |
| ومر على الأحساء يشكو جراحه |
| وسيَّر من يبرين للعطر موكبا |
| وأودع في سيف المنامة مرةً |
| حشاه فما ألفاه الا ملببا |
| ومد الخطى يسقي على الوجد فدفداً |
| وينضح جلموداً ويخصب سبسبا |
| ويشكو الهوى الممطول أهداب نخلة |
| وجدول فيروز على الرمل مسهبا |
| فلم يثن عن درب المحبين خطوةً |
| ولم يبغ عن وهج الصبابات مهربا |
| فبلَّغَ نجداً من رؤى الخان صبوةً |
| وحيا على ضوء المنارة يثربا |
| ومدَّ جناحاً في ذرى الشام، وانثنى |
| يُنفض في شمس الكنانة منكبا |
| وحين لوى حول المشاعر زنده |
| طوى في الحنايا زمزماً، والمحصبا |
| مضى كعمود الصبح فاجتاز مشرقاً |
| يذرذر فيه الضوء واحتل مغربا |
| إلى أن رمى فوق الفرات جناحه |
| وأخلد يستهدي الرصافة ملعبا |
| وكنا حسبناه المقيم على الهوى |
| فما ثاب عن ليلى ولا مل زينبا |
| ولا بارحت (باب الشمال) خياله |
| ولا الكوت و (الدستور) تلهو به الصبا |
| ولكنه ألقى على النهر جفنه |
| وأغفى كما أغفى المسهد موصبا |
| ترشف سلسال الفرات فلم يُسِغ |
| عليه على طيب الموارد مشربا |
| وعنَّته آرام هناك فلم يرد |
| سواهن آراماً، ولم يهو ربربا |
| لك الله يا عهد الصبابة رده |
| علينا فكم سقنا لعينيه معتبا |
| جفانا ولم تبرح قوافيه بيننا |
| ترش علينا الياسمين مرطبا |
| وخاصمنا والحب بين ضلوعنا |
| برغم الليالي ما استكن ولا خبا |
| فهاديه يا ريح الجنوب تحيةً |
| على البعد أصبى من شذاك وأخلبا |
| وناديه الا يستبد به النوى |
| وان جفت الشطآن، واغبرت الربى |
| فما زال في الآذان نبضاً مهدهداً |
| حفياً، وفي الأجفان ضوءاً منقبا |
| وما برحت بيبي على العهد برةً |
| وإن لم تكن كالأمس ممطورة الخبا |
| فلو لا عتيُّ الموج ما انفك مزبداً |
| ومضطرب الأنواء ما زال مغضبا |
| سعت نحوه تسقيه من وجدها الهوى |
| ومن بوحها النجوى ومن عمرها الصبا |
| عليها الى أن عاد نضواً متربا |
| فما ند عنها مغدق من شبابه |
| ولا نسيت عمراً أدال لأجلها |
| ولا جهلت قلباً أذاب وأتعبا |
| ولكن زند الريح يضرى شراسةً |
| عليها، وعسف الريح يغلو تألُّبا |
| فكيف تصد النوء جمراً وزعزعا |
| وتحتمل الاعصار ليلاً وصيباً |
| على أنها ثكلى تنوء بحزنها |
| تُروَّى به صبحاً وتُسقاه مغرباً |
| فتطوي عليه الصدر شجواً مبرحاً |
| وتخفيه تحت الجفن شوكاً مدبباً |
| وتزجي به الأيام يأساً وحلكةً |
| وتسقيه ماء العمر دمعاً مقشبا |
| هي الآن لا الممري الخضيل مراحها |
| ولا ربعها المأنوس ما زال معشبا |
| ولا كأسها ظلت زلالاً مفاضةً |
| ولا شالها ظل الشفيف المخلبا |
| تمادت بها الايام جدباً، فإن لدا |
| لها بارق مغر فقد كان خُلبا |
| فلا يلحُها لوماً إذا شح ثغرها |
| عليه وحيا الكاشحين ورحبا |
| فما عن قلى ضنت عليه بوصلها |
| ولا عن هوى تلقى الغريب المجنبا |
| ولا عن رضى منها يسد خباؤها |
| عليه، وأن يبقى البعيد المغربا |
| ولكن بحراً ما يزال يذودها |
| ويقصيه، يأبى أن يسوغ، ويعذبا |
| إذا جاذبته الريح أفنان أيكه |
| ونوزع ظل الغصن حتى تقضبا |
| فمن أجل ما عانى هواها صبابةً |
| وفي عشق ما غنى صباها وشببا |
| ففي خلد الأيام ما اشتار من رؤىً |
| وما خط من حرف أنار وأطربا |
| وللخلد ما أعطى من الوجد والهوى |
| وما اقتات من ضوء، وما اصطاد من ظبا |