الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 21st February,2005 العدد : 94

الأثنين 12 ,محرم 1426

الإرهاب.. من قتل طائر (الألباتروس) داخلنا؟
سهام القحطاني
إن قيمة الخير هي قيمة ثابتة في الوجدان الإنساني، وإن اختلف مفهوم هذه القيمة ومستوى القناعة بها والمرجع الذي يستمد منه الحكم على الفعل الناتج أهو جميل حقا.. أو قبيح حقا، لكن هل يعني تضاد القناعات حول قيم الخير هو أمر طبعي؟ قد يكون ذلك كذلك عند اختلاف المجتمعات، فمفهوم الخير النسبي حينها هو افتراض منطقي، لكن أن يحدث انقسام لمفهوم الخير وقناعاته داخل المجتمع الواحد، فهو أمر غير طبعي، لأنه يعني أن هناك خللا في بنية المجتمع الواحد وخللا في مناهجه المقررة لصناعة مواطنه الفرد، في حين أن الاعتبار يقتضي ألفة وتوحد مصدر الصناعة، وهذا أمر مهم، أقصد كيف نصنع المواطن (ذلك أن مفهوم المواطن لم يدخل بعد قاموس لغتنا، ولم يحتل بعد المكانة اللائقة في تفكيرنا)
محمد عابد الجابري.
فأي انحراف في السلوك الإنساني في المجتمع الواحد، إذا تجاوز الفردية، يعني ن هناك عدم ترافق بين المرء وبعض القناعات المقررة من قبل المجتمع أو بعض أنظمته أو بعض مناهجه، وهذا بدوره ما يكون مركز التقاطع بين القناعة الاجتماعية المتوفرة أو الأنظمة المفروضة أو المناهج المقررة، والقناعة البديلة أو النظام المقترح وفق ما يتوهم الطرف المضاد ويتبناه، ثم يحاول فرضه وفق ما يعتقد أنه مجدي من طرائق، وأنه أفضل من المتوفر، فقبول الجميع لقناعات المجتمع المقررة عادة ما يعتريها درجات من التفاوت والتباين، فدرجة الوضوح قلما تتوحد نسبتها أمام الجميع، وهذا التباين ليس بخطير، إذا لم يصل لمركز التقاطع، لأن قيمة الاختلاف حتمية اجتماعية، وإن بدت متفارقة بين فئات السلم الاجتماعي إلا أنها على مستوى بناها العميقة مترابطة ومتداخلة ومغنية للمنجز الحضاري، هذا ما ينبغي أن يكون.
إن مشكلة الإرهاب في المجتمع السعودي.. ليست مشكلة فئة من الشباب تسللت في عتمة الليل تحمل خنجراً مسموما يرقص بين أضلاع الكون الأعزل إلا من الهزيمة.. تسمع أصواتها الآتية من بقايا ضحايا الأخدود الذين ظنوا أنه الجنة.. يبحثون عن شمعة هداية تشعلها قنبلة، بل مشكلة مجتمع بأكمله، هكذا يجب علينا أن نفكر أو أعتقد ذلك، إن أردنا الفهم العميق لهذه الإشكالية.
المجتمع السعودي مجتمع ما زال في طور التكوين الحضاري بكافة إنجازاته المختلفة وخاصة الفكرية، إذ أنه ما يزال يعاني من الآثار الجانبية للقفزة المدنية والاقتصادية والثقافية والإعلامية، إضافة إلى خصوصية تركيب المجتمع الذي يغلب عليه طابع العصبية القبلية، وشيوع الفكر القبلي احاط المجتمع السعودي لسنوات بسياج، عزل الفكر الاجتماعي عن مواكبة الفكر الآخر والتحاور معه والاندماج في منظومة ائتلافية من الرؤى، وعندما سقط السياج بعد الحادي عشر من ايلول وعممت العولمة رغم أنف الجميع، وجد المواطن السعودي نفسه أمام زخم هائل من الأمور والأشياء، ولم تمكنه ثقافته الانعزالية التي تربى عليها من إيجاد منهج نقدي منطقي لفحص الاشياء التي تتكوم أمامه ليفرز الحقيقي من الزائف، وهذا الأمر حمل له أزمة تخلف عن النظام العالمي الجديد، أدى إلى عدم تكافؤ على المستوى الاستيعابي لم يحدث فوق المسرح السياسي وخلف كواليسه، وقد بلورت هذه الأزمة رؤى متضادة جلها ما بين السلفية والمعاصرة، وبين الاصولية والليبرالية، هذه الصدمة الناتجة عن أزمة التخلف عن النظام العالمي هي التي أنتجت نبرة الدهشة والحيرة والخوف الذي أصبحت تغلب على لغة المواطن السعودي.. (من نحن؟ وما هو دورنا؟ وما هي علاقتنا بما يجري؟ وكيف نكون نحن في أرض وزمن نتحمل مسؤولية ما يجري فيهما دون أن يكون لنا من الأمر شيء، وحيث تأخذنا موجات الاستلاب من كل صوب. وقد دفعنا رغبة الانتماء إلى كل فعل وقول ومعاناة) علي عقلة عرسان.
إضافة إلى شيوع الرأسمالية في المجتمع وأفراز مشكلة الفقر والبطالة التي عانى وما يزال يعاني منها الشباب، حتى اصبح لسان حالها ينطق بمقولة فرانتز فانون (اسمي مذل.. اسم عائلتي مهان.. حالتي ثائر.. والسن عصر الحجر). والعنصرية القبلية، وهشاشة مناهج التنمية الإنسانية من تربية وتعليم وثقافة وإعلام، وغياب وسائل الإعلام الجماهيرية المتنفّسة والممثلة للرأي الآخر مثل المسرح والسينما وكلاسيكية الخطاب الثقافي بوجه عام والديني خاصة. وشيوع العمالة الأجنبية، كل تلكم الامور كانت تسير جنبا بجنب مع الهزات السياسية التي أصابت المجتمع السعودي بداية من حرب الخليج الاولى ثم أحداث الحادي عشر من ايلول ثم حرب الخليج الثانية، كل هذه الهزات السياسية، أفرزت مفاهيم مختلفة لم تكن موجودة في أجندة المجتمع السعودي، مثل مفهوم المعارضة والديمقراطية والليبرالية الدعوة إلى التغير ثم الإرهاب، ولا نغفل أن كل تلك المؤثرات والمنعطفات كانت تتوجه مباشرة نحو الشباب الفئة التي تمثل تركيب المجتمع، شباب تربى على مناهج تربوية هشة، يفكر بعاطفته أكثر من عقله، وهذا ما جعل التأثير عليه أمرا سهلا، وخاصة إذا كان هذا التأثير ملفوفا بالعاطفة الدينية. إن أزمة الشباب تعود إلى التعارض بين اللاوعي الذي يؤمن بقوة الإسلام وبضرورة هيمنته العالمية وتفوقه، وهو مرجع لا وعي صنعته مناهجنا الدينية والتاريخية، دون أن يكون هناك ضبط لمقاييس التجربة التاريخية المتفوقة، فاعتقادنا بما نؤمن به يزداد شراسة وفق قوة اللاوعي التي تغذي ذلك الاعتقاد بما يحتاجه من أدلة وبراهين، وتجعله غير قابل للنقاش أو التشكيك فيه، وهي قوة لا يمكن فرض سلطتنا عليها، والوعي شاهد العيان على ضعف المسلمين وتراجعهم وهزائمهم وتخلفهم أمام النظام العالمي الجديد والقوى الغربية، وهو واقع يرفضه اللاوعي الشباب دون أن يناقشوا أسبابه، أو يتعودوا على قراءة متأنية للتجربة التاريخية وارتكاساتها، فوجد الشباب، أن سبيل التحرر من صدمة لاوعيه بالواقع، التعلق برمز يحقق له هذه مفهوم لا وعيه ويحرره من الهزيمة النفسية التي اصطدم بها بعد الحادي عشر من ايلول وحرب افغانستان ثم العراق، وكان اسامة بن لادن، ثم الزرقاوي، وسعد الفقيه، رموزا يحققون له نوعا من تطهير الذات من الهزيمة النفسية، فأخذوا ينفذون ما يعتقدون أنه يمثل لهم بطولة القوة، وتطهير الذات.. الذي يرقى بها لعلو التطهر الذي يستحق الفردوس (برناد أرسل لي إشارة بابتسامة.. كي اتجه بأنظاري إلى الأعلى.. كي أقوم بما أراده مني.. فمقدرتي على الإبصار صارت أكثر جلاء.. والآن تقدمت بعيدا في قلب الضياء.. في النور الجليل الذي كان حقيقة في ذاته) كما يقول دانتي:
لعل هذا الجانب النفسي من الإشكالية لا يكفي لقراءة مشكلة الإرهاب، لكنه حسبما أعتقد يفتح أفقا وإمكانا للفعل والتأثير، وخاصة إن الإرهاب يصاغ عند أصحابه من خلال الخطاب الديني، ومفرداته المختلفة، كالجهاد والشهادة والجنة ووجوب محاربة الكفار دون شرط أو قيد، ولا أنكر أن الدعوة إلى الحوار الوطني كان مشروعا تنويريا يتوافق مع معجم اللغة الجديدة للمجتمع السعودي، لكن تنفيذه بالطريقة الخطأ، أفقدت المشروع تحقيق أهدافه، لأننا لن نحلّ اشكاليتنا، إذا لم تقوّم طرق تفكيرنا اولاً، وهذا أمر مهم.
بالتأكيد أننا لا نحمل طاقة المجتمع حمولة أكثر من سقف سعته، فالأمور سلسلة ذات حلقات مترابطة يؤدي أولها لثانيها وثانيها لثالثها، وهكذا دواليك، فالإرهاب هو مشكلة دولية، تهدف إلى نشر الرعب من أجل اتخاذ موقف معين أو الامتناع عن موقف معين.
كما أنه مشكلة ذات مسوغات اجتماعية، تبدأ بالأسرة وتنتهي بالسلطة السياسية، وليس ظهور مشكلة الإرهاب في اي مجتمع مسبّة، بقدر ما يكون صفارة إنذار تنبه المجتمع بإعادة حساباته التربوية والثقافية والاجتماعية والسياسية، وتحليل أنظمته المختلفة، وصياغة خطاب ثقافي يتسع لمتطلبات الحراك الاجتماعي المستمر والإجابة عن سؤال لماذا أصبحنا نأكل من سلة التفاح المحرمة؟!
الإرهاب هو إستراتيجية عنف محرم دوليا تحفزها بواعث عقائدية (أيديولوجية) أو تتوخى إحداث عنف مرعب داخل شريحة خاصة من مجتمع معين لتحقيق الوصول إلى السلطة أو للقيام برعاية لمطلب أو لمظلمة بغض النظر عما إذا كان مقترفو العنف يعملون من أجل أنفسهم ونيابة عنها أم نيابة عن دولة من الدول (د. حنا عيسى مجلة رؤية).
وتتعدد اسباب ظهور العنف في المجتمعات وقد تختلف وقد تتفق وفق طبيعة أنظمة كل مجتمع لاشك إن خطوة المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، الذي تتبناه المملكة خطوة مهمة، لكونها تحدد الملامح الرئيسية للإرهاب الذي ما نزال نظن أنه مجرد ظاهرة، وأن أصحابه من الحيوانات الضالة والحقيقة أنه مشكلة اجتماعية خطيرة، وللمملكة إسهامات في هذا المجال، مثل (المطالبة بحق القضايا الدولية المعلقة كأفضل السبل لمنع الإرهاب، إبرام معاهدات أمنية دولية لمحاربة الإرهاب معاقبة من يثبت تورطهم بأعمال إرهابية، محاربة الفقر، وتشجيع التنمية، المطالبة بنظام دولي اقتصادي عالمي جديد) (كتاب خطاب إلى الغرب رؤية من السعودية) إعداد مجموعة من العلماء والمثقفين السعوديين).
لكن هذه الخطوة غير كافية بمفردها لمكافحة الإرهاب، دون مساندة الدراسات الاجتماعية لتفكيك البناء الاجتماعي وإعادة بلورة التصور الجمعي لمفهوم الدين والجهاد والقوة والحضارة والحوار مع الآخر، إعادة بلورة خطط التنمية وخاصة في مجالات التربية والتعليم، تجديد الخطاب الثقافي، فالعنف أساسه مشكلة الذات مع الآخر، فالأمن القوي لن يتحقق إلا من خلال إعادة صياغة الأنظمة لدينا، وإيجاد تقانة عالية لتفعيل وسائل التوعية لتتناسب مع حجم خطورة هذه المشكلة. إعادة صياغة المشاعر الإنسانية داخل الأفراد كالحب والرحمة والتسامح.. الأبجدية الأولى التي ربطت بين البشر قبل رباط الدين.. وقيمة السلام.. ليظل طائر المحبة (الألباتروس) يغني داخلنا.
مخرج
إن منهج فهمنا للأمور عادة ينطلق من ثلاث ركائز، قيمنا الاجتماعية، اعتقادنا للمفهوم، ومرجعنا المعلوماتي، فهذه الأمور المتشابكة هي التي تصنع مواقفنا نحو الأشياء بالرفض أو القبول، التطوير أو التجمد في مجالات العصرنة المختلفة، التي عادة ما تربط تبعيتها بالتقدمية المادية والفكرية، وكلمة التقدم مفهوم محايد قد تعني الارتقاء والتصاعد وقد تعني النحو صوب الأسوأ، والمسألة تظل نسبية عند الأمم ليست تجمع اتفاق غالباً.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved