الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 21st April,2003 العدد : 7

الأثنين 19 ,صفر 1424

عبدالله بن حمد القرعاوي المبتسم دائماً
محمد عبدالرزاق القشعمي

قبل خمسة وعشرين عاماً وبالتحديد عام 1398ه زرت مؤسسة اليمامة الصحفية بشارع الخليج العربي في شمال الرياض وقتها، كنت أبحث عن جاري بالخبر والذي اصبح بعد ذلك صديقي ابراهيم بن عبدالله التركي«أبو قصي» وهو قريب زميلنا إبراهيم بن عبدالرحمن التركي«أبو يزن» ، فقد كنا قبل ذلك نسكن الخبر بالمنطقة الشرقية هو يدير مطابع وزنكوغراف المنطقة الشرقية إذ أصبحت وزارة المالية والاقتصاد الوطني تشرف عليها وتدير شؤونها لخطأ ارتكبه صاحبها في ذلك الوقت او لنقل لاستكمال اجراءات التحقيق معه وكان صاحبها قبل ذلك أحمد محمد فقي مدير دار منطقة الظهران ورئيس تحرير جريدة الخليج العربي الى جانب الأستاذ عبدالله الشباط.
التقيت الصديقين إبراهيم التركي «أبو قصي» ومحمد العجبان فأخذاني الى الأستاذ عبدالله بن حمد القرعاوي وكان يعمل وقتها مديراً عاماً للمؤسسة ولمجرد التعرف عليه والتحدث معه بعض الوقت إلا واصبح قريباً الى القلب. وهكذا بدأت معرفتي به، وكنت كلما ازور الرياض ألتقيه حتى بعد سنوات عند تركة لإدارة مؤسسة اليمامة وعمله بوزارة الصناعة والكهرباء وبعد ذلك عضويته لمجلس الشورى.
وقبل ثلاث سنوات عندما زرت الأحساء برفقة شيخنا الكبير عبدالكريم الجهيمان ليعود صديقه عبدالرحمن محمدالمنصور، وجدت بمجلسه صوراً تذكارية تجمعه بزملائه أثناء الدراسة الجامعية بالمملكة المصرية، وكان من بينهم الرواد ناصر المنقور وعبدالرحمن ابا الخيل ومحمد الفريح وعبدالله القرعاوي وصالح الجهيمان.
وبعد اشهر ذهبت مع الجهيمان بدعوة كريمة من الأستاذ صالح العوين بحي المعادي بالقاهرة أثناء معرض الكتاب، وعندما وصلنا في بداية «كورنيش» المعادي، قال الجهيمان: يا سبحان الله كنت مع الأخ صالح قبل خمسين عاماً نتعلم قيادة الدراجة السيكل هنا، عندما كان طالباً، ولم يكن هنا على الشاطئ أثر للحياة، فقد كانت خالية موحشة..
أعود للأستاذ القرعاوي أبي طارق الذي يحلو لمحبيه التحلق حوله بمؤسسة اليمامة الصحفية وكان على رأسهم المرحوم فوزان الصالح الدبيبي فكان يحكي عن حبه وشغفه بالصحافة وكيف كان يتمنى لو كان محترفاً ممارستها وليس مجرد هاوٍ، اذ كان يكتب زاوية تحت عنوان «قوس قزح» بالرياض انتقلت بعد ذلك لليمامة واستقر بها المقام في «المجلة العربية» منذ عام 1404هـ، وقد تحدث من خلال مجلة «الفيصل» عن ذكرياته بمكة المكرمة حيث دراسته الأولية ثم انتقاله الى مصر في عام 1370هـ، واعجابه ببعض الكتب والدوريات اذكر من ضمنها «مذكرات دجاجة» والذي حرص في العام الماضي أثناء إقامة معرض الكتاب بالقاهرة الأخ أحمد العرفج في الحصول عليه، ولم يترك ناشراً إلا وسأله عنه، وأخيراً وجده.
وعن حبه للصحافة وبداياته معها إذ كان مع بعض اصدقائه وزملائه آنذاك في المدرسة الثانوية بمكة المكرمة اذ اصدر مع زملائه الأساتذة محمد العبدالرحمن الفريح وحمد الصالح القاضي وعبدالله العبدالعزيز النعيم وعلي صالح المتروك، مجلة وأسموها «الشباب» وخصصوا أحد الدفاتر لهذا الوليد وكل منهم يكتب به ما يحلو من مقالات او شعر او قصة، واستمرت معه هذه الهواية وانتقلت الى «أم الدنيا» ففي «بيت البعثة» بالقاهرة اصدر صحيفة حائطية دعوها «المرآة» ثم صحيفة «الحقيقة» التي صمم خطوطها المهندس محمد سعيد فارسي أمين مدينة جدة سابقاً.
وعند عودته الى المملكة بعد تخرجه من جامعة الاسكندرية عام 1382هـ استمر مع هوايته الصحفية إذ طلبه صديقه الأستاذ ناصر المنقور للانضمام لمجموعة تفكر في تأسيس «مؤسسة اليمامة الصحفية» برئاسة الشيخ حمد الجاسر ، وكان كما يقول هو اصغر عضو فيها من ناحية السن، وتسلم عمله كمدير لإدارة المؤتمرات والعلاقات الخارجية، وكان وقتها يعمل مديراً عاماً لمؤسسة اليمامة الصحفية دون تفرغ لمدة خمسة عشر عاماً، وكنا نقرأ له زاويته الثقافية الاجتماعية اللطيفة «قوس قزح» ومنذ احيل على التقاعد واختير كعضو لمجلس الشورى بدأ يروي ذكرياته التي تطالعنا كل شهر من خلال «المجلة العربية» اعتباراً من العدد 216 لشهر محرم 1416هـ مبتدئاً بالدور الكبير الذي قامت به والدته رحمها الله في اجباره على الذهاب للمدرسة عندما اضرب عن الذهاب اليها.. وها هو يقدر فضلها ويعترف انه لولا اصرارها على ان يذهب الى المدرسة الاضافية الوحيدة او الى المطوع، فكانت تتحايل عليه بين التهديد والاغراء، ولكونها كانت حافظة للقرآن الكريم وشيء من الكتابة فقد بدأت تعطيه بعض الدروس البسيطة وكان ان عاد ليجثو على ركبه أمام المطوع «ضيف الله» الى ان بدأت المدرسة السعودية بإدارة المربي الفاضل صالح بن حسن رائد التعليم هناك.
ويبدأ مسترسلاً وسارداً ذكرياته منذ الطفولة وخروجهم مع معلمهم في رحلات برية ليشرح لهم ما تختزنه الأرض وقت الربيع وما يخرج من أعشاب وزهور منها ما يؤكل ومنها ما يحش للبهائم ومنها ما يستخدم كعلاج.. الخ وكيف يصنعون «الطباشير» من الجص بعد جمعه وحرقه ثم رشه بالماء وقولبته على شكل اصابع حتى ينشف، وغيرها من الدروس المفيدة المبتكرة.
ويستمر واصفاً بانبهاره عند انتقاله الى حيث خاله عبدالله الخويطر الى مكة المكرمة والذي كان يعطف على اخته الآرملة، وابنيه حمد وعبدالعزيز وكيف شاهد لدى خاله جريدة «الأهرام»، المصرية وما بها من صور، وكذا الألعاب الشعبية التي يلعبها الصبيان بمكة مع اختلاف ما كان يلعبه مع انداده بعنيزة ودخوله المدرسة واحتلاله موقع عريف الفصل «البرنجي» ثم يبدأ سارداً بدايته مع القراءة الحرة ودور صديقه محمد العبدالرحمن الفريح وعثورهم على كنز معرفي لهم مما تركه قريب لهم سافر للدراسة بمصر وفيه مجلت الرسالة والثقافة وبعض المترجمات الأدبية، وحصولهم على بعض اعداد جريدة «صوت الحجاز» ومعرفتهم الطريق الى مكتبة صالح محمد جمال وعبدالرزاق بليله في باب السلام، ودورهما في تشجيع الطلبة المتعطشين للعلم والمعرفة وتسهيل حصولهم على أقيام ما يرغبونه من كتب او مجلات تقديراً لظروفهم فيمهلونهم في السداد، ويعترف ابو طارق بأن للفريح فضلا كبير وتأثيراً عظيماً في جذبه الى هواية القرأة وصحبة الثقافة.
وتتتالى المواقف المؤلمة والمفرحة من نجاحه والتحاقه بمدرسة تحضير البعثات وتخرجه وزيارته للرياض عام 1370هـ حيث والدته واخوته وأقاربه ويشاء الله ان ترحل والدته في منتصف شهر شوال من نفس السنة. وعن دور شقيقه الذي يكبره صالح والذي يعمل في وزارة المالية بالرياض، ويركب الطائرة لأول مرة من الرياض الى جدة وينهي اجراءات بعثته الى «ارض الكنانة» حيث حجزوا ثلاثة أيام في «المحجر الصحي» بالطور ثم السفر بالطائرة مرة أخرى لمطار «ألماظة» قبل انشاء المطار الدولي الحالي ويقول: «... ونزلنا المطار في اليوم الثامن من اكتوبر 1951م ونحن في دهشة غريبة، مثل «البدوي» الذي عصبت عيناه وأنزل في أكبر ميدان بنيويورك او في ميدان البيكادللى بلندن، وهناك ازيلت العصابة من عينيه.. كمنا في دهشة الرسمي، الذي يشبه لباس العسكر..» ثم يذهب ورفاق الرحلة الى دار البعثات السعودية.
وينضم لمن سبقه في دار البعثات السعودية ومديرها الأديب عبدالله عبدالجبار الذي قال عنه: «... استاذنا عبدالله عبدالجبار.. كان لديه من الخبرة الطويلة والتخصص التربوي ما يجعله خير من يسند اليه مثل هذا المنصب..»
وبسبب الاضطراب السياسي والمظاهرات أصابه الاحباط كغيره وفشل في السنة الأولى بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، ولهذا قرر الرحيل الي جامعة الاسكندرية حيث صديقاه حمد الصغير وعبدالله العماري وغيرهما، حيث اختار العلوم النفسية والاجتماعية والفلسفية، يسافر بعدها الى ألمانيا مع شقيقه صالح لدراسة اللغة بمعهد «جوته» ويسهب بوصف ما علق بذهنه من انطباعات وصور عن ألمانيا، ليعود مرة أخرى للاسكندرية ويكمل دراسته ليعود للمملكة في عام 1382هـ وليعمل بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية ويبتعث بعدها للحصول على رسالة الماجستير. ويعود ويواصل العمل في عدد من الأجهزة الحكومية المختلفة. مع مواصلة كتاباته واناشيده في الصحافة فمن «قوس قزح» الزاوية الثابتة التي كان يكتب تحتها في جريدة الرياض ثم مجلة اليمامة وأخيراً المجلة العربية، وها هي ذكرى رحيل والدته تعاوده ليكتب في حلقة «قوس قزح» في شهر شوال 1410هـ أي بعد مرور 40 عاماً على رحيل والدته قائلاً: «لم يمر بعدك «شوال» إلا رأيت صورتك تسبقه إليّ، كانت صورتك في شهر رمضان من أبرز صور هذا الشهر الكريم.. وكنت في هذا الشهر تجمعين كل قواك لتلقني أبناءك هذه التعاليم الحميدة.. أرأيت يا أمي كيف هربنا من حزن الذكرى الى فرحة الذكريات، ذكريات «الأم المثل».. أنت يا أمي.. رحمك الله».
وها هو يكتب في مجلة اليمامة قبل أربعة وعشرين عاماً في ذي الحجة 1400هـ مشيداً بالآباء الذين ضحوا بمستقبلهم من أجل تعليم أولادهم وتهيئتهم لقيادة هذا الجيل ضمن مقال له عن «الوجه الآخر للتنمية» ويختتمها بقوله: «... أمامي صور رائعة من هؤلاء الآباء الذين اهدوا لمجتمعهم شبابا مليئا بالحيوية والإنتاج واصبحوا فخراً لمجتمعهم الذي رباهم ووفر لهم عن بالغة المجتمع «النامي» الذي نعيشه من خلال تقديمها لكثير من هذه الصور الرائعة.. وارجو ان يتحقق هذا الرجاء».
أخيراً هذه لفتة وفاء وتقدير للرواد وابو طارق احدهم فقد احسنت الجزيرة صنعاً بذلك.
ومن المفضل ان اختتم هذا الاستعراض بقصيدة للأستاذ عبدالله القرعاوي نشرت بالمجلة العربية بعددها «150» لشهر رجب 1410هـ بعنوان «بحر الهوى».
«بحر الهوى»
يقولون: بحر الهوى ساحر!!
وليس لأوله.. آخر!!
تفيض بشطآنه الساحرات..
ويشدو بأمواجه الشاعر
عيون العذارى به ساجيات
فويل لقلبك.. يا ناظر
تحدر منهن سحر عجيب
ببابل هاروت.. والساحر
***
أرى البحر في زرقة سابحا
وفي اللون إبداعه الباهر
تشابه أمواجه العاليات
جبالاً علا خلفها ساتر
تصارع أمواجه العاتيات
فيسبق أولها الآخر
يقولون: بحر الهوى آسر
فويل لقلبك.. يا عابر
تضيع على شاطئيه القلوب
كأن الردى حده الباتر
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
الملف

ارشيف الاعداد


موافق

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved