الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 21st April,2003 العدد : 7

الأثنين 19 ,صفر 1424

خطاب الإرهاب.. الانشغال في المباشرة
العالم يقرأ الإسلام
د. إسماعيل نوري الربيعي*
تكشف التحولات التي يعيشها العالم، عن هذا التبلور الحاسم في مسار التيارات والاتجاهات الفكرية، والمرتبطة بطبيعة الاحتكام إلى العوامل المباشرة، التي تكون بمثابة أداة التفعيل الحاسمة في ظهور الأشكال والممارسات الجديدة.
فالتغيير الذي يكون بمثابة سمة العالم الاجتماعية، إنما تبرز مؤثراته وتفاعيله، من هذا الارتباط بواقع النشاط الذي يبذله الناس من أجل تحقيق غاياتهم الذاتية أولا، حتى تبرز الاشتراطات الأوسع الشاملة لمجمل الأنشطة الكلية. ومن دون الاستناد إلى محدد أحادي يكون بمثابة التوقف عند ترصد أية ظاهرة إنسانية، يبرز مجال التفحص في هذه الاستتباعات التي يفرضها الواقع، ويجعل منها ظواهر شديدة الإلفات، تدعو الجميع إلى ملاحظاتها وأهمية التوقف عندها.
وإذا كان العالم مركزاً أنظاره حول الإسلام والمسلمين، برؤى وتصورات بالغة الحراكية والأهداف والغايات والارتباطات، فإن واقع التحولات الداخلية في الإسلام ذاته، يفصح عن الأكثر والأهم، هذا بحسب المقارنة مع أية ملاحظة تأتي من خارجه من أجل الادعاء بتفحصه واستقرائه.
ومن هنا تحديداً تبرز أهمية الوقوف عند الأثر الاجتماعي الذي تجسده التفاعلات الإنسانية في المجال. فالمجتمع الإسلامي لا يمكن النظر إليه بمواضعات واشتراطات يتم استكناهها من خارج السياقات التي تحكم العالم برمته. فالمسلمون بشر يعيشون على هذه الأرض يؤثرون ويتأثرون، كما أمم ومجتمعات أخرى. وإن حالة التركيز التي توجهها آليات الفحص والاستقراء والدرس، لا تعني بتقديم الافتراضات المسبقة حول النقص أو عدم الاكتمال، أو أن هناك خللاً أو عيباً في الأمر، هذا بحساب الإدعاء بالشرعية طبعا.
إن التركيز الذي يبذله العالم اليوم، يجعل المسلمين في أشد حالات التوتر من هذا العصاب الذي يتنادى بالمسلمين ويعمل على ترصد حركاتهم وسكناتهم وما يتعلق بهم، حتى ليغدو الأمر وكأن المسألة تتعلق بكائنات جديدة وطأت الأرض في الحادي عشر من سبتمبر أيلول، لا قبل ولا بعد..! ومن دون الخضوع لتمايزات العقل والروح العلمي والإدعاءات المنهجية، نجد العالم وقد نزع عنه كل شيء وغدا في أتون من المباشرة، التي تعتاش على الهياج وتبضع من الاتهام، حتى ليكون الإفراط والإيغال فيه، عبر هذا الشمول الذي يطال لا المسلمين فحسب بل الإسلام برمته كدين. وحضارة وأفق إنساني، فيما يكون الاعتياش من قبل أطراف أخرى على إذكاء الجانب المعتم من التاريخ ومحاولة إشباعه بالتحريضات.
التوزيعات الأشمل
ها هو ذا العالم يتوقف بكل ما يملك لتفحص المسلمين، ومحاولة الغور في التفصيلات المتعلقة بحياتهم وممارساتها والتفاعلات البارزة في أدق شؤونهم. وبقدر هذا النزوع الطاغي الذي يفرد مساحاته على الواقع، يقع المسلمون ضحية لسوء الفهم والإخضاع القسري لمبدأ الاجتزاء. حتى لتكون النظرة وقد ترسخت عند نموذج بعينه غير قابل للمناقشة والدرس والتفحص. ومن هذه الوطأة الشديدة يكون الإغفال عن مجمل التحولات التي أبرزها العالم الإسلامي للاندماج في العالم الحديث، الذي تكون وسائل الاستذكار وقد جهّزت تهمة الاندماج القسري الذي بدر عن الآخر في سبيل دمجه في تجليات نموذج الحداثة وتطبيقاتها وتراتبياتها.
لقد تفاعلت جملة من العوامل في رسم وتحديد صورة العالم الإسلامي الراهن. والذي يتم تقديمه من قبل الآخر باعتبار الربط بالاستثناء، في الوقت الذي تفصح فيه القاعدة عن التطوّرات والتمايزات التي تعيشها المجتمعات الإسلامية، بكل ما تملك من مقومات إنسانية وحضارية وخصوصيات تفصح عن محلّيتها وطبيعة اندماجها بالإسلام الواسع والشامل، الذي حقق لها هذه القسمات والتميزات الفاردة.
كانت التوصيفات وإلى عهد قريب توجه تركيزها نحو المجال الجغرافي، في ظل تغييب كامل لأي إشارة إلى الإسلام، حتى أن الإشارات تترى إلى الشرق الأوسط أو دول جنوب شرق اسيا، أو حتى الدول العربية. وفي الاستثناءات القليلة والمحدودة، تبرز التسمية «الإسلامي» في نطاق الارتباط بحادث أو مناسبة. لكن المواضعات التي تفرزها مجالات المباشرة، يكون فيها عنصر التقسيم والفصل وقد تبدّى في أشد حضوره وأعتى صوره، لتكون الصورة في توزيع أكبر وأشمل، يقوم على استحضار ملامح الصراع القديم الذي قسم العالم إلى معسكرين؛ شرقي وغربي. فيما يكون التقسيم اليوم على واقع التوزيع الحضاري، انطلاقاً من نظرية صراع الحضارات. ليكون الانشغال بهذا المحدد الذي يبسط ذراعيه على المشهد الدولي، ليزيده انقساماً عبر توجيه دالة التحالف نحو أهداف وغايات قوامها توكيد الخطر الداهم الذي جاء ليهدد مقومات ومكامن الوجود. فيما تكون النتيجة إفصاحاً لمجال الموجّهات التي تفردها القوة الأوحد في سبيل البحث عن مكنون المصالح، والتي لا تأتي عادة من الارتكان إلى مضمون السلام والتصالح، الذي سينجم عنه توافقاً وتداولاً يقوم على المساواة وتكافؤ الفرص. الغاية الأصل هنا تبرز في هذا التطلع إلى إبراز مجال القوة ولا بد من وجود ضحية.
مسألة رموز
في أشد حالات زحف الرموز وتداولها، يكون الحضور في الوسط الاجتماعي وقد اتخذ بعده الاتهامي المباشر. فعلى سبيل المثال ورث النظام الرسمي العربي خلال الفترة المبكرة من عمره السياسي، قضية المناداة بمعاداة الشيوعية، والتي كانت تهمة تطال المعارضين له. وفي هذا الانضواء الأيديولوجي يتجسد الإشكال في فقد اجتماعي واسع، عانى منه المجتمع العربي على مدى طويل. ولم تكن الأحوال لدى المجتمعات ما قبل الرأسمالية الأخرى بأحسن حالاً فالتوزيع الذي تبرزه ملامح التبعية، يفصح عن هذا الاستغراق الذي يقوم على محاولة التطلع نحو الإمساك بالقوة، حتى وإن كانت تصب في صالح الجهات الأكثر قربا من مركزية المصلحة.
اليوم تحضر تهمة من نوع آخر، قوامها «الإرهاب»، والتي يمكن تجسيدها أفقياً وعموديا، هذا بحساب النمط العلائقي الذي تظهر فيه. فالسلطة المباشرة تحدد ملامح الاتهامية الصادرة عنها بمدى الالتزام وخرقه على صعيد الواقع المعاش. وعبر مضمون تهديد السلام الاجتماعي يكون التقاطع وقد تمظهر في أجلى صورة، عندما تختلط الأحوال والأشكال والمفاهيم، حتى ليغدو الواقع وكأنه في لوثة عقلية قوامها الخوف الذي يحط على العقول من هذا الزاحف المفاجئ الذي يطلق عليه تعبير الإرهاب. فيما يتم تحييد كمّ الأسئلة المرتبطة به. فما هو وكيف يكون وما هي الشروط المتعلقة به، تكون شديدة الثانوية. فالعدو اليوم هو الإرهاب ومن هنا فإن حادث انفجار إطار عربة في الطريق وبشكل فجائي، سيجعل من رجل الشارع تندّ عنه صيحة «إرهابي»!!
هكذا يتم تمدد الرموز على مستوى العالم، حتى ليصبح من العسير والشاق الركون إلى مصدرية الرمز، الذي يبدأ بالتداول حتى يعتاده العالم برمته ليكون متماها مع المعاني المتداولة وكأنه أصل غير قابل للشك أو الدحض. وإذا كان الواقع يشير إلى أهمية المكنون الثقافي في الفصل والفرز، فإن الوقائع تفصح عن مكنون الاختلال والتداخل الذي يحيط بالعقول حتى ليكون من الصعب، تحسس موطن الثبات وتعيين ملامح العقل. وإذا كان التسلل إلى إنضاج الرموز والعمل على جعلها وكأنها من صميم الواقع، فإن التفصيلات المتعلقة بالأحداث تكون بمثابة الناقوس الذي يشهد على لحظة الإعلان الرسمي، عن هذا الرمز. ومن هنا يكون الإرهاب في لحظة الطور الثاني من تجلياته، ذلك الطور الذي تظهر فيه ملامح التركيز والاستهداف الأوحد.
صلابة التحديدات
القصدية المفرطة التي يوغل فيها خطاب الإرهاب، تجعل منه خاضعاً لاشتراطات المركز، الذي يتجسد اليوم في القطبية الواحدة، التي باتت حصيلة بيد الولايات المتحدة. وإذا كانت تفاعلات العلاقات الدولية قد أفصحت عن ملامح التبدلات الهائلة والعميقة، فإن التطلع هنا يتخذ مجال الاستهداف الواقع تحت أسار ردّة الفعل. وبحضور هذا الزخم الموسّع من التأثر المباشر يكون العالم وقد وقع في صلابة التحديدات، التي تجعل من توزيع العلاقات يقوم على ثنائية الأسود والأبيض، من دون الإحساس بأطياف من اللون أو الاعتقاد بأنه ثمة فاصل يمكن الإفادة منها.
توزيع لا يقوم فقط على تحديد المصالح، أو الاشتراطات السياسية، لكن الأمضى والأهم فيه، يبرز في هذا الربط الكامن مع الديني، والذي يتعالق حضوره في أشد المعاني التصاقاً بالمجتمعات. ومن هنا تبرز ملامح الخطورة المباشرة. فإذا كانت المباشرة الاتهامية قد اتخذت اللبوس الأيديولوجي خلال سنوات الحرب الباردة. فإن حقل الاتهام اليوم يتحرك في مجال لا يبتعد توصيفه عن حقل الألغام.
الموضوع هنا يتعلق بجانب شديد الرسوخ، تتمثل خصائصه في مكنون الهوية الأصل الذي يغلب على المجتمعات الإسلامية، والتي باتت مستهدفة اليوم بطريقة شديدة الوضوح تقبل اللبس أو الاجتهاد. وإذا كانت آلية الحذف والتهميش التي تقصدها الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب، تقوم على جهات أو تيار محدد من عموم الإسلام. فإن طغيان الخطاب على الواقع، يجعل من أمر الفرز، مسألة في غاية الصعوبة والتعقيد. وهكذا يكون الاتهام وقد تم توجيهه إلى هذا القطاع الواسع من المسلمين الذين يعيشون في الغرب. حتى باتت الأصوات تتعالى من شدة الإجراءات وقسوتها في مسائل الهجرة والإقامة، بل أن الأمر بلغ على مستوى ردود الأفعال الصادرة من بعض الغربيين، الذين حددوا نظرتهم إزاء المسلمين بعمومية تثير القلق.
قد تكون الحرب الأمريكية التي وجهتها ضد أفغانستان قابلة للاستيعاب، انطلاقاً من تحديد الغاية والهدف المرتبط بمحاولة القضاء على منظمة القاعدة بوصفها المسؤولة عن أحداث نيويورك. لكن الاستمرار في توسيع مجال خطاب الإرهاب، يجعل من العالم أشد لحظاته توتراً، هذا بحساب التفكير الاجتماعي الذي بات يتسلل إلى مكمن الخطاب السياسي، وفي هذا يكون الخطر وقد اقترب إلى مسافة، يصعب فيها الفرز والاستقصاء.


imseer@yahoo.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
الملف

ارشيف الاعداد


موافق

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved