Culture Magazine Monday  21/05/2007 G Issue 199
نصوص
الأثنين 4 ,جمادى الاولى 1428   العدد  199
 
مطالعات
حمد الرشيدي في روايته الجديدة:
(أقدام تنتعل السراب)

 

 

رؤية الشاعر سردا في الرواية توارد عفوي للحكاية المحلية الخالصة (حمود الجوعان) رمز لبطولة ريفية مؤجلة

يقيم الشاعر والكاتب حمد الرشيدي علاقات حميمة مع الحكاية الريفية؛ حيث ينهل الراوي من معين تلك الصور الريفية التي لا تكاد تغيب إلا وتظهر أخرى على نحو ما اختطه (حمود الجوعان).. بطل رواية (أقدام تنتعل السراب)، لتتواثب الصور على هيئة ذئب (قاع ساق) الذي أنقذه البطل من ذلك الكمين الغادر في الفصل (3) محاولاً في هذه الصورة الإنسانية المعبرة أن يرسم مقدار لا بأس من العلاقة المتسمة حينا بالتصالحية، وأحياناً أخرى بالعدوانية، والشراسة حيث البيئة الصحراوية التي تجمع الكثير من المتناقضات.

الروائي الرشيدي لم يتخلص من رؤية الشاعر للأشياء؛ إذ عرف عنه عطاؤه الشعري الذي توجه بالعديد من الإصدارات الشعرية، وحاز في بعض قصائده أكثر من جائزة تعكس تمكنه من إبداعه ولغته الشعرية المتميزة على نحو ما عرضه في الفصل (5) من الرواية حينما دفع الكاتب بالراوي أن يوضح حقيقة شفافية (حمود الجوعان) حينما يسير خلف أبله في الفلاة المتمادية في سرمدياتها المفتوحة على الأفق.. ليلتقط لنا الراوي بعض المواقف التي مر بها ابن جوعان على نحو فتيات الغدير، و(شبة النار) لعائلة (الجواعين) الذين يحافظون على تقليد ريفي يتمثل في اللقاءات الليلية الروتينية.. تلك التي يتجاذب فيها أهل (القطين) أحداث يومهم.

انفرد (حمود) بقيادة دفة الأحداث، حيث ظل الراوي يقتفي أثر حكاياته التي تدور في غالبها حول أخبية القبيلة، في وقت يفسح (الجوعان) المجال لأن تخرج شخصيات أخرى على نحو (عجلان) وابن (ريحانة) و(متعب الفطين) و(منصور البو) و(سرحان) وغيرهم هؤلاء الذين أخذوا على عاتقهم مهمة إضفاء جو من الألفة والبهاء في عوالم الخلاء، حيث يقيم أكثر هؤلاء على ضفاف واد افتراضي تبرع الحكاية في رسمه بشكل مناسب يوحي بتقوية العلاقة بين الفلاة وأهلهان حينما نرى هؤلاء وبلا مواربة يقيمون مأدبة الحكاية المحلية الخالصة رغبة في سبر أعماق هذه الخصوصية التي ظل الكاتب (الرشيدي) ينهل منها.

يشاطر (حمود الجوعان) في هذه البطولة مخلوق صحراوي ضاري.. هو ذلك الذئب المسمى في أحقاف هذه الحكاية (ذئب قاع ساق) الأسطوري حيث نراه وقد اقتسم مع (حمود) فضاء الحكاية الأزلية بين الإنسان وهذا الكاتب المعاند الشرس، لتزداد الصورة تعبيراً حينما يضفي الراوي على حكاية الذئب مع البدو بعداً تجذيرياً على نحو مرارة الحزن، وعمق الهلع في القلوب لجئير ذئب الفلاة لحظة أن يكون متبرماً من أهوال جوع يدهمه، أو ضياء نار يتربص به أهل المفاوز على وهجها.. وغير بعيد عن رسم هذه الصورة نرى (الكاتب) وقد عمد إلى إذكاء شعور المشاركة واقتسام الحياة والموت والرعب، والجوع والظمأ بين كائنات الرمل على نحو ثنائية الرواية (حمود/ الذئب) حينما أخرج من كمين بئر غادر ذئب هزيل، لكن الذئب ظل المتربع على عرش التسلط والجور على نحو (ذئب قاع سابق) الفائق الشراسة.

بطولات الريف مؤجلة.. وعابرة في عالم اليوم؛ إلا أن هذه الأحداث الجسيمة في الرواية ظلت حالة خاصة في أهل تخوم، لا سيما قاطني ومرتادي (وادي الضواري) حيث يأتي الاسم إيحائيا لحالة العزلة التي تربي الصمت الذي تألفه الطرائد، والحيوانات بأنواعها؛ الضاري منها والأليف المسالم.

يلمح القارئ في النصف الثاني من الرواية أن البطل (حمود) يكتشف أن أسطورتين في عامر خلاء وادي الضواري توشكان على التصدع والتفتت والتلاشي.. فالأولى أسطورة (ذئب قاع ساق) الذي ألفاه الرجل محطماً، بائساً لا يلوي على شيء.. حيث تنهار هذه الرهبة للذئب الشرس الذي لا يقهر.. فيما الأسطورة التي تقاوم حالة التهاوي والفقد.. تلك المتمثلة في قيام الأسفلت الأسود بدوره الهدمي لكل ما هو هادئ ومسالم ومعزول في عوالم الريف.. فلم تعد الفلاة (وادي الضواري) في منأى عن حالة التحول التي يبشر فيها الطريق الأسفلتي الذي يشق قلب المفازة، ويفطره إلى جزءين متنائيين كل يأن على مصابه.. وهذا ما تشي به عوالم الرواية التي برع (الرشيدي) في تدوينها في رواية (أقدام تنتعل السراب).

عبدالحفيظ الشمري hrbda2000@hotmail.com لإبداء الرأي حول هذه المطالعة، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5217» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة