الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 21st August,2006 العدد : 167

الأثنين 27 ,رجب 1427

عذراً معشر الليبراليين العرب..!!
أمل زاهد
يعزف الليبراليون العرب على أوتار العقل والعقلانية ولا بد لك كي تكون ليبراليا عقلانيا عربيا جديدا أن تتحلى بكل الصفات التي تؤهلك لامتشاق سلاح العقل والعقلانية وشهره في وجه المزايدين والغوغائين والدغمائيين والشعاراتيين والفرحين بنصر كاذب هنا أو بمجد زائف هناك!! وعليك بداية كي تثبت ولاءك وتؤكد انتمائك للحزب الليبرالي العربي الجديد أن تعمد إلى ثقافتك العربية فتقوض بنيانها وتدك جسورها وتقوض بناها التحتية ولا تعترف لها بمزية ولا تقدر لها منقبة، حتى تلك التي اعترفت لها بها الحضارات الأخرى ففي ذلك تضخيم كاذب للأنا ونظرة حالمة رومانسية مفعمة بعقد النقص تعمد إلى تغطية عوارها ونقصها بإرجاع أصل أي تقدم حازته البشرية إلى الحصن العربي المجيد!!
وإياك أن تضبط متلبسا بالإعجاب بأحد الرموز العربية أو الشخصيات الإسلامية أو بواقعة تاريخية تؤكد رقي تعامل المسلمين وتعايشهم مع الأديان الأخرى في الأيام الخوالي ففي ذلك محاباة للأنا ورغبة في تمجيد الذات وهرب إلى الماضوية وبكاء على أطلال الخرائب!!
وحتى تكون عقلانيا وممتلكا لزمام النظرة الحيادية والرؤية الواقعية التجريدية التي لا تدع مجالا لعواطف تعبث بها ولا مشاعر تنتهك متانة بنيانها فما عليك إلا أن تلصق كل نقيصة بالعرب وكل مذمة بثقافتهم، ثم تعمد إلى الثقافة الغربية فتزكيها وتبيض صفحتها، وتدبج فيها المقالات وتنظم في مناقبها ومزاياها القصائد وتتعامى عن انتهاكتها وتتغافل عن ممارساتها ونظرتها العوراء لقيم الحرية ولحقوق الإنسان!! ولا بد أيضا أن تكون لك عين نقدية ميكرسكوبية قادرة على رؤية عيوب ثقافتك وتشخيص أمراضها وعللها ويا حبذا لو كانت هذه العين انتقائية غربالية تتسع فتحاتها فتمرر انتهاك الغرب لكل القيم والمثل التي يزعم أنه يؤمن بها ويسعى لتقديمها لشرق أوسطنا المتخلف والغارق في غيابات الجهل والتأخر والرجعية كوليمة مجانية على طبق من ذهب.. ولكننا- وأسفاه - قوم منكرون للجميل جاحدون بالنعمة نعض اليد التي تريد انتشالنا من تخلفنا وتسعى جاهدة لتقويم مسيرتنا وإصلاح أحوالنا ودفعنا قدما في طريق التنمية والنهضة فإلى المزيد من جلد الذات وممارسة المازوشية فهي الطريق للتطهر من وحل التلبس بأمراض الثقافة وعلل التراث والموروث وجريمة الإعجاب بما يمت بصلة للعرب والأعراب!! وعينك النقدية يتحتم ويجب أن تضع تحت المجهر أي خطأ يرتكبه بنو قومك الأعراب الأشاوس بينما تتعامى عن أخطاء ذوي البشرة البيضاء والعيون الزرقاء فماهم للأخطاء مرتكبون ولا على مقارفة النقائص مجترحون!! ويكفيهم فخرا أنهم يشغلون أنفسهم بشرق أوسطنا المتخلف وتقلق مضاجعهم راحته واستقراره وتنميته فيطلون علينا بعينهم الحانية التي لا تنام ولا تهدأ حتى تمنحنا بعضا مما عندهم وفتاتا من موائدهم العامرة بقيم الحرية ومثل العدالة والديموقراطية!! وإياك ثم إياك أن تجرح الوعي الجمعي الليبرالي بمفرادت فضفاضة أو عبارات رنانة وإلا سقطت في فخ الشعاراتية والشعاراتيين الذين يقولون ما لا يفعلون ويجعجعون ببريق الألفاظ وينخدعون بمعسول الكلام وظواهر الأمور!! والحذر ثم الحذر من استخدام مفرادت بعينها تصيب العقلانيين بالعصاب وتحقن شرايينهم بالدم الغاضب وبالمشاعر السلبية التي تخدش رهافة حسهم ورقة مشاعرهم وتغمم على نظرتهم الحيادية العقلانية للأمور وتغطي على اهتمامهم بالإنسان!! وما عليك إلا أن تلغي كلمة عزة وكرامة من لسان العرب والقاموس المحيط وكل المعاجم العربية الأخرى فقد ثبت بالبرهان القاطع أن مفردة (الكرامة) المغمسة بخضاب الحناء، ونظيرتها (العزة) المضمخة برائحة التخلف قادرتان على إدارة أعتى الرؤوس العقلانية وتهييج المشاعرالليبرالية الصادقة.. كيف لا وقد أضحتا من معالم زمن التخلف ومن سمات الرجعية فضلا على مناوءتهما للمصداقية ومنهضاتهما للعقل والعقلانية وانفتحاهما على التعويم و الضبابية!! ولا تفكر بأي حال من الأحوال أن تقارب مفردة مقاومة أو تحاول أن تذكرها في معرض حديثك فقد تم احاطتها بالأسلاك الشائكة والشمع الأحمر وليس لك ولا لي أن نقترب من الجدار العازل و لا الخط الفاصل!! فمفردة المقاومة صارت كلمة مشبوهة ومفردة موصومة بالعار ففيها دليل واضح على أن وحشا مسكونا بالإرهاب وهاجسا بامتصاص الدماء وسفكها يعشش في أعماقك وينتظر الفرصة كي ينقض على الأبرياء المساكين من الأمريكيين والإسرائيليين الذين تفضلوا عليك باحتلال بقع عزيزة من أرجاء وطنك العربي ثم عمدوا إلى أقطار أخرى يعيثون فيها قتلا وقصفا وتدميرا وتخريبا وتهجيرا ناهيك على أن هذه المفردة خير ممثل لأيدلوجية الكراهية وثقافة القتل. وقد ثبت قطعا أن هذه المفردة الموبوءة والكلمة المتلبسة بالرجعية هي المسؤولة عن تخلف ركب الإصلاح وتعثر مشاريع التنمية وفشل مشروع التنوير وعن تعطيل الاستثمار في الإنسان الذي يسعى الغرب حثيثا لزرعه في تربتنا!! فما علينا إلا أن ننفض عنا غبار تخلف حروفها ورجعية مفهومها ونمضي قدما في طرق النهضة بمساعدة الغرب العظيم وقيم الإنسان العرجاء المقدمة لنا كرما وتفضلا منه!! عذرا معشر الليبراليين العرب فلم أعد أصدق مزاعم الديموقراطية ولا دعاوي الحرية ولا قيم حقوق الإنسان ولا دفوع حقوق المرأة والأقليات ولا مشاريع الإصلاح، ولم أعد قادرة على ازدارد المزيد من الأكاذيب المغلفة بالسلوفان والمبرشقة بأزهى الألوان!! وليس لي حاجة بعقلكم ولا عقلانيتكم فما عدت أستطيع إغماض عيني عن أن حقوق الإنسان حكر على دم دون آخر وعلى جنس يفضل غيره من باقي الأجناس! عذرا معشر الليبراليين العرب فعيون عبير العراقية التي انتهكت خلاياها على يد الاستعمار الأمريكي تحدق بي فأغض البصر خجلا وحياء من عينين نحرهما الخوف واغتصبهما الاستبداد والقهر.. عذرا فالفوضى المقصودة في العراق تصغي السمع لكلماتي وتشهد على حروفي وتضعني وجها لوجه أمام مسؤولية الكلمة وأمانة الحرف!! عذرا معشر الليبراللين العرب فصرخات أطفال قانا تخرق أذني وأنينهم يملأ تلافيف عقلي ونظراتهم المذعورة المعلقة في الفضاء تستجديني وتستحثني.. عذرا فصورة وعد الرضيعة الجنوبية التي قضت وبعد لم تتنفس إلا نفحات الحرب وزكمت أغشية أنفها الرقيقة روائح الحرائق ودخان التدمير تملأ ناظري.. عذرا وعد فدمك الطاهر لا يقارب في طهارته الدم الإسرائيلي ولا يطمح في التشبه بمثيله على الضفة المقابلة فقد قررت الآنسة كوندي أن يكون لكل دم سعر وأن الضحايا في معسكر المتخلفين لا يساوون أمثالهم في المعسكر الآخر!! عذرا معشر الليبراليين فأنين الأمهات يلاحقني وعويل العجائز والجرحى والمهجرين يتبع خطواتي ويهيب بي بأن لا أصدق عقلانيتكم! عذرا فأصوات الصادقين والمنصفين من الأقلام الأمريكية والإسرائيلية والأوربية تدفعني كي أصم أذني عن كتاباتكم العقلانية وتحليلاتكم المنطقية ونظرتكم الحيادية.. عذرا فلافتات الاحتجاج ومظاهرات التنديد ونداءات الإنسانية الصادقة الصادرة من أصوات غربية شريفة تعلو على أصواتكم وتطغى على عقلانيتكم.. وعذرا فعيون الضحايا وجثث القتلى تحملق فيكم وتكمم أصواتكم وتجمد حروفكم على أسنة أقلامكم.. عذرا أيها العقلانيون العرب فقد كفرنا بكم ولم نعد نصدقكم!!


Amal_zahid@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
تشكيل
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved