الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 21st August,2006 العدد : 167

الأثنين 27 ,رجب 1427

من الجمالية إلى العالمية..إبحار في عالم أديب نوبل
*القاهرة - محمد الصادق:
من الجمالية إلى العالمية.. مسيرة ثرية وخصبة بالإبداع القصصي والروائي امتلكها الأديب نجيب محفوظ باقتدار وثقة وهذه المسيرة الزاخرة تعد محطة أساسية وهامة للأجيال التالية ولابد أن يمر عليها كل أديب يريد أن يتخذ من طريق الإبداع الأدبي مسلكا ودربا، وطوال مشوار محفوظ الأدبي تثار التساؤلات حول عالمه وواقعه وأهم المؤثرات في تكوينه الثقافي والفكري ورؤيته للواقع وتأتي إجاباته لتكون بمثابة الذخيرة الحية لكل أديب وباحث عن مشكلات الواقع الثقافي المصري والعربي وعدم وصولنا للعالمية.
يقول نجيب محفوظ إن الانفتاح العام في عالمنا العربي صاحبه انقلاب ثقافي فلا نجد مكتبات عامرة بالكتب العالمية ولا نجد من يتحدث عن الثقافة في العالم وأصبحنا منغلقين ثقافيا على أنفسنا وحتى داخل حدودنا المحلية نجد تجهيلا تاما للمواهب الجديدة والنقد الجديد فإذا ما أضفنا إلى كل ذلك الأزمة الاقتصادية وغلا سعر الكتاب تكتمل الصورة من بدايتها إلى نهايتها فيما يتعلق بأزمة التكوين الثقافي فكانت النتيجة أن وجدنا أجيالا لا تهتم بالثقافة أو أن الثقافة لا تلعب دورا أساسيا وجوهريا في حياتها، ويضيف: فترتب على ذلك أنه حتي أدبنا المحلي لم يصل إلى المحلية كما يجب أن يكون فلا توجد أشكال أدبيه ولا توجد أصالة مائة في المائة ولا يوجد جمهور قارئ فإذا وجدت هذه الأشياء نفكر بعد ذلك في العالمية وإن كنت أرى أن همومنا الثقافية يجب أن تشغلنا عن التفكير في العالمية حتى نتنفس العالمية أولا وإن كنت لا أشك أنه يوجد من أدبائنا ومن رواد جيلنا من تجاوزوا حدود العالمية كتوفيق الحكيم. وإنني قليل الثقة في نفسي وبعملي قد يكون ما أكتبه يحظى بإعجاب الناس وتقديرهم ولكنني أرى إنه كان يمكن أن يكون أفضل من ذلك فأنا شديد النقد لكل ما أكتبه.
وعن الهدف في كتابته يقول محفوظ: لقد كنت أكتب دون التفكير في أن ما أكتبه سينشر أو لا ولم أكن أفكر في هدف مادي ولا اجتماعي ولا أيديولوجي وإنما أكتب كحاجة الجائع إلى الطعام وكحاجة الظمآن إلى الماء كان يحدث لي بعدها إحساس بالنشوة والسعادة ذلك هو الأصل الذي يدفعني للكتابة أما ما يجيء بعد ذلك من مكاسب مادية أو اجتماعية أو شهرة وأضواء فكل ذلك لم يكن في بالي وأنا أكتب ولكنه كان يأتي مما يؤكد أن التعب والاجتهاد قد يأتي بثمر من حيث لا ينظر الانسان وكثيرون من أصدقائي كانوا يقولون لي أنت لست نجيب محفوظ ولكنك نجيب محظوظ، وعلى الرغم من أن حظي قد يأتي الا أن حظ جائزة نوبل كان أبعد شيء عن تفكيري.
ففي يوم الخميس 13 أكتوبر عام 1988 صار بيت الأديب الكبير مفتوحا يزدحم بالإعلاميين والصحافيين وعدسات التصوير وكاميرات التليفزيون واستسلم محفوظ لهذا الغزو الإعلامي ليهدي الجائزة ليحيي حقي وإلى روح أمه التي أنجبته بعد تسع سنوات من ولادة أخيه السادس أصغر أشقائه وكان الفرق بينهما 15 سنة حينما ولد نجيب محفوظ في 11 ديسمبر1911 في المنزل رقم 8 بدرب قرمز بالجمالية، هناك عاش طفولته وشطرا من صباه (12 سنة) حتى انتقلت الأسرة إلى منطقة العباسية لكنه ظل يعيش بقلبه ووجدانه في أحياء القاهرة الشعبية وحاراتها ودروبها وأزقتها وكانت هي الكنز الذي راح يستمد منه قصصه ورواياته ومن قلب المحلية وصل إلى العالمية.
وقد كان هذا رأيه ودعوته أنه يجب على أدبائنا أن يصلوا إلى المحلية أولا. لقد بدأ قراءاته في المرحلة الابتدائية للروايات العالمية المترجمة ثم إعادة كتابتها بأسلوبه مضيفا إليها من عالمه الخاص ولكنه لم يفكر في احتراف الأدب ولذلك اتجه إلى دراسة الفلسفة فهو شاب مثل كل الشباب الذين تدور في أذهانهم عشرات الأسئلة عن الموت والحياة والدنيا والآخرة والكون والوجود... أسئلة حائرة في مرحلة الشك والمراهقة ووجد محفوظ أن دراسته للفلسفة هي الإجابة على تساؤلاته ولكنه وعلى وشك التخرج انحاز للأدب فقد اكتشف انه أقرب إليه من الفلسفة فبدأ بكتابة المقالات الفلسفية وبدأ يكتب القصص القصيرة وكان يجد مجالا للنشر في صحف مجهولة حتى نشر له عبدالحميد جودة السحار أول مجموعة قصصية له وتوالت أعماله ونشر الثلاثية كان في القمة وهي التي نال عنها جائزة نوبل إضافة إلى رواية أولاد حارتنا.
ومن المفارقات أن الثلاثية قد استهول الناشر حجمها الكبير فقد كتبها محفوظ في الفي صفحة، وأعرض عنها الناشر الأمر الذي جعل نجيب محفوظ يشعر بضياع جهوده لولا أن يوسف السباعي اقترح عليه أن ينشرها مسلسلة في مجلة الرسالة الجديدة مما جعل الناشر الذي تردد في نشرها سابقا يرى نجاحها فيقترح على محفوظ نشرها بعد تقسيمها إلى ثلاثة أجزاء كل جزء يحمل عنوانا منفصلا وكان العنوان الواحد الذي يحملها (بين القصرين).
كما يعتز محفوظ بالثلاثية فإنه يقرأ أيضا بقية أعماله خاصة رواياته الحرافيش وليالي ألف ليلة وأولاد حارتنا، ومن الحارة إلى العالمية شق نجيب محفوظ طريقه وكانت شخصيات الحارة التي عشقها هي مادة رواياته فقد تشرب وجدانه الحياة الشعبية وصاغ شخوصها في أدبه ولذلك يرى أنهم أصحاب الجائزة الحقيقيون.
يقول نجيب محفوظ: صاحب الجائزة الحقيقي هم أبسط الناس في هذا الشعب الذي عاشرتهم وأحببتهم فألهموني شخصياته في موضوعاته فأنجزتها وأخذت أنا الجائزة.
وبالإضافة إلى ثقافة محفوظ التي استمدها من واقع الأحياء الشعبية فقد تشكلت بعض ثقافته التاريخية من خلال اصطحاب أمه له لزيارة الآثار وهو طفل صغير فقد كانت تلك هوايتها زيارة المتاحف والآثار الفرعونية والإسلامية وإلى ذلك يعزو محفوظ كتابته لبعض الروايات التاريخية مثل عبث الأقدار ورادوبيس وكفاح طيبة ومن المؤثرات الثقافية أيضا في رحلة محفوظ القرآن الكريم والشعر العربي القديم كما تأثر بالعقاد وطه حسين والحكيم والمنفلوطي وسلامة موسى وتأثر أيضا بالأديب الروسي نولستون وجوته وفوكثر وهمنجواي.
ما يميز نجيب محفوظ أن الرواية لديه تمر بمراحل حتي تخرج للناس. يقول عن ذلك: هي شبيهة بمراحل ولادة طفل فالأديب تتولد لديه أفكار متعددة يتم فرزها في عقله وتتحرك وتنمو حتي يؤذن لها بالميلاد والعملية الأدبية كلها معاناة من أولاها لآخرها ولكنها مثل أغلب الأمور في الدنيا تختلط فيها اللذة بالألم.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
تشكيل
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved