الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 21st November,2005 العدد : 130

الأثنين 19 ,شوال 1426

حكاية الأقواس
د. محمد العيد الخطراوي
جاء في المعجم الوسيط:
القوس: آلة على هيئة هلال ترمى بها السهام - تذكَّر وتؤنَّث - وجمعها: أقواس وقسيّ.
وفي الهندسة: قطعة من الدائرة.
والقوس أيضاً: برج في السماء، وهو التاسع من البروج.
وقوس قزح: قوس ينشأ في السماء على مقربة من مسقط الماء من الشلال ونحوه، ويكون في ناحية الأُفق المقابلة للشمس، وترى فيه ألوان الطَّيف متتابعة، وسببه انعكاس أشعة الشمس من رذاذ الماء المتطاير من ماء المطر، أو من ماء الشلالات وغيرها من مساقط الماء المرتفعة.
وقوس النصر: عقد من خشب ونحوه يقام فوق الطريق العام في شكل قوس، ويزين بالمصابيح والأعلام ونحوها، احتفالاً بالأعياد القومية، أو بمقدَم عظيم.
*، وللقرآن الكريم القوسان المنجمان، هكذا {} .
ويترتب على حسن استخدام الأقواس في الكتابة وإساءة استعمالها أمور كثيرة مهمة للغاية، منها صحة نسب الجملة إلى قائلها أو كاتبها، حتى لا تختلط أنساب المقولات، ومنها التفريق بين السرقة الأدبية، وتحديد ما يُعرف بالتناص، وما يُعرف بالتضمين أو الاقتباس، ومنها تحديد الانتماءات الفنية، وليسأل الدكتور محمد سعيد السريحي عن كتابه (الكتابة خارج الأقواس).
وحين أنشأ سهيل إدريس مجلة الآداب البيروتية، التفّ حولها كوكبة من الشعراء الشباب المجدِّدين، كان في مقدِّمتهم بلند الحيدري، وعبد الوهاب البياتي، ونزار قباني، وغيرهم، وكان هؤلاء الشعراء هم طلائع التجديد في الشعر، وهم وقود التحديث على مستوى العالم العربي، استطاعت بهم مجلة الآداب أن تزاحم رصيفاتها من المجلات الأخرى، السابقة عنها، والمزامنة لها، كمجلة الأديب اللبنانية وكانوا يقرؤن في الصباح، ويتفاعلون في النهار، ويكتبون في الليل، كالنحل ينطلق إلى الحقول يجتني الرحيق، ثم تتم عملية تحويله، ثم لا يلبث أن يضعه في الخلايا عسلاً حلواً مصفى يسرّ الآكلين.
وقد يختلط الأمر على هؤلاء الشعراء وهم في غمرة الإبداع، ويمتزج كلامهم بكلام غيرهم بعد أن تضيع من بين أيديهم الأقواس الفارقة، وهذا ما حدث للشاعر عبد الوهاب البياتي، حيث كان من المعجبين بالشاعر التركي ناظم حكمت، وكان يفيد منه كثيراً، فكان يأخذ منه مستخدماً الأقواس الفارقة، لكنه عمد إلى الإكثار من استخدام الحاصر لكلام ناظم حكمت، وإلى استخدام أقواس أخرى في ثنايا كلامه هو، لغرض الاهتمام، أو التفسير ونحو ذلك، وتناسى وضع الأقواس مرة أخرى بحيث لم يعد في إمكان القارئ أن يفرق بين مهمات تلك الأقواس، واتهم لأجلها بالسرقة من صاحبه.
والتقيت بالبياتي أكثر من مرة، وفي شيء من التخابث سألته عن علاقته بالشاعر الكبير ناظم حكمت؟ فقال في ابتسامة الشعراء الكبار الذين تجاوزوا مثل هذه الإثارات: كنت أحبه وأحب شعره، وكانت بيني وبينه أيضاً علاقة صداقة، فسألته: عن أحسن ترجمة لشعره، وانسحبت من مواصلة الحوار، وبخاصة لأنّه كان ضيفاً في نادي المدينة المنورة الأدبي في تلك الزيارة، مع مجموعة من ضيوف الجنادرية.
ولمعالي وزير الثقافة والإعلام الأستاذ إياد مدني حكاية مع الأقواس، وقد كان من أنشط الكاتبين في جريدة عكاظ بعد عودته من دراسته، وكان الشباب العائد من الخارج في تلك الفترة يمتلك من الجرأة الثقافية والمتابعة الشيء الكثير، ولسوء حظ الكاتب الطيِّب الذِّكر الأستاذ شاكر النابلسي - أنّه وقع بين يديْ هذا الشاب الجريء المثقف - إياد مدني، وكان النابلسي يتكيء كثيراً فيما كان يكتب بعكاظ على مقروءاته الإنجليزية، فيهضم ما يهضم، ويُنَبْلس ما يمكن نبْلَسَته، ولكن بعضها الآخر كان يند عن الحراسة، ويدخل في متاهات لعبة الأقواس، وتتكرر اللعبة ربما اعتماداً على خلو الساحة من المتابعين بالإنجليزية، ويأتي إياد مدني ليكشف عن موارد النابلسي، وتعدِّياته على حقوق القرّاء، والتلاعب بالأقواس.
وبعدها بعدّة أشهر يأتي الناقد المدني صديقنا عبد الرحيم أبو بكر - رحمه الله -، ليكشف عن لاعب آخر بالأقواس هو الأديب الشاعر - راضي صدوق، في جريدة المدينة المنورة على ما أظن، والذي أريد أن أسجِّله هنا هو أنّ الأدباء الثلاثة اللاعبين بالأقواس من أكبر أدبائنا المشهود لهم بالأدبية على اختلاف في المستويات، كما أنّ الفرسان الكاشفين لهذا اللعب من أدبائنا الذين نفاخر بهم، فالحكاية تتبُّعٌ للأعين الأدبية، وتسجيل للكاشفين لهذا الإسهام المبكر في متابعة الحركة الأدبية بالمملكة العربية السعودية، ولا غرو فإياد مدني أديب ابن أديب ومثقف ومؤرِّخ هو السيد أمين مدني، والثاني وهو عبد الرحيم أبو بكر أديب ناقد (انظر كتابه: الشعر الحديث في الحجاز) ابن أحد شيوخ المسجد النبوي الشريف وأحد المدرسين فيه هو أبو بكر أحمد السوقي.
وقد استثمر بعض الشعراء حكاية الأقواس إدخالاً وإخراجاً، وانقياداً وتأبياً في أشعارهم، قد يكون من المناسب تناوله في مناسبة أخرى.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
تشكيل
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved