الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 21st November,2005 العدد : 130

الأثنين 19 ,شوال 1426

المسيطير.. فكراً وشعراً..!
تركي الخليوي

المسيطير.. وعصرنة الدعوة
في تأبيني المرحوم ذكرت بعضا من سيرته الذاتية بشمولية، وقد لا يهم القارئ والمتابع تفاصيلها، ولكن هناك زملاء وطلابا وأقاربا للمرحوم قد يهمهم بعض من هذه التفاصيل أو الذكريات أو المواقف؛ لما فيها من عبر يقف أحدنا عندها متخيلا أو معتبرا أو معتقدا، فمن هنا يعرف عن المرحوم المسيطير أنه وقبل خمسة وأربعين عاما تقدم بطلب منحه امتياز إصدار جريدة باسم (الهدف)!، وليس في هذا غرابة بقدر ما فيه من طموح، ولكن أن يكون هدفها (كما يقول رحمه الله) الدعوة إلى الفضيلة والخير وتحذير شعبنا الناهض من الشر، وأن تكون ساعية جهدها إلى السير بأمتها قدما نحو تعاليم دينها الحنيف والدفاع عنه بأسلوب عصري مناسب.
قبل أربعة عقود يريد هذا النابغة الفذ ذو النظرة البعيدة أن تكون الدعوة إلى الله والعمل بتعاليم الإسلام ونشره وفق أسلوب عصري مناسب (وهو ما نحاوله الآن ونجد صعوبة في السير فيه) تخيلوا لو أننا انفتحنا على الآخر منذ ذلك الحين بقيادة هؤلاء التنويريين وابتعدنا عن الأحادية التي أوصلتنا - للأسف الشديد - إلى إغفال الآخر بالغلو أحيانا أو بالاستهجان والاحتقار لكل مخالف، إضافة إلى ذلك، كان رحمه الله مرجعية أدبية وتربوية، فقد كان رحمه الله أحد المكلفين من وزارة المعارف بمراجعة كتب النصوص الأدبية للسنوات الثانوية الثلاث؛ بهدف التأكد من الأسس الموضوعية لبنائها ومطابقتها المنهج وملاءمتها النواحي التربوية، كان ذلك في عامي 1382 - 1383. ولأنه كان علما من أعلام نجد الأدبية وجدنا الأديب الكبير عبد الله بن خميس - (مؤسس جريدة الجزيرة) يخاطبه في 15-9- 1379- داعيا إياه إلى المشاركة في العدد الأول من مجلة الجزيرة (تحولت إلى جريدة الجزيرة) ومؤكدا وواثقا من أنه ممن ستنشأ المجلة على أيديهم، وسوف تبلغ ما يراد لها من مستوى رفيع وها هي ذي قد بلغت . وقد كان رحمه الله وفياً للجريدة فظل ينشر فيها قصائده وإسهاماته على مدى عمرها حتى توفاه الله، إضافة إلى دعوته إلى الإسهام في أول أعداد جريدة القصيم بطلب من رئيس تحريرها المكلف عثمان شوقي، وكان ذلك في 22-5-1379ه. ومن الأشياء الجديرة بالذكر - أيضا - بُعد نظر المسيطير رحمه الله وتميزه بقراءة المستقبل؛ فهو ممن يفكرون بعمق ولم يكن يوما ظاهريا، وعندما بدأت حرب الخليج الأولى وكنا مع المرحوم ومجموعة من رجالات المحافظة في نزهة ليلية في إحدى شعاب مدينتا الجميلة، جاء أحد الأعيان بقصاصة جريدة مفتخرا ومشيدا بصدام وأحد قواده واسمه ماهر عبدالرشيد، والمسيطير مطرق كعادته لا يقاطع متحدثا حتى ينتهي من كلامه.. قال بعد فراغ صاحبنا: (لا تذهبوا بعيدا في أفراحكم فهذه الدبابات ستوجه فوهاتها إليكم غدا). وفعلا ما أن وضعت حربه مع إيران أوزارها حتى وجه قواته إلى الجنوب. ومن رجاحة عقله -رحمه الله - أيضا - إطلاقه اسم الحزم على النادي الأهلي بالرس بعد صدور التصنيف وضرورة تغيير الاسم، فاقترح الحزم ورجالها صبيان الحزم.
المسكون بهموم أمته
كان الشاعر محمد المسيطير لسان أمته في سرائها وضرائها، وقلبًا نابضا بهموم الأمة العربية والإسلامية، شأنه شأن كثير من شعراء زمانه العرب الذين كانت تشدهم أحداث الأمة، فيمتلؤون حماسا، وينفعلون بالحدث، ولكن منطلقات الشاعر كانت إسلامية بالدرجة الأولى، فالقومية عنده داخلة في شمول الإسلام للعرب وسواهم من غير العرب، ولذلك رأينا الشاعر يردد أصداء الأحداث التي كانت تواجه أمة الإسلام على وجه العموم، والأحداث العربية على وجه الخصوص، فحين بدأت حملات التبرع للثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي كان أول الملبين للتبرع لهم، وأنشد مرددا قصيدته ذات القوافي المتعددة بدأها بنونية يقول فيها:
دعانا إلى الثأر داعي الوطن
أصيخوا لداعي الفدا والزمن
دعتنا الأخوة في مهدها
تنزي جحيما لدك الفتن
إلى أن يقول في قافية الراء الساكنة
لشعب الجزائر كن قوة
تذيب الحديد وصلد الحجر
لشعب الجزائر كن هاتفا
يبشر بالأمل المنتظر

وحين اشتدت ضراوة الجريمة العالمية ضد شعب البوسنة والهرسك المسلم صاح يناجي جورزادي في سراييفو قائلا:

ونسكب دمعة حرى
على أنقاض ذكراكِ
سراييفو إذا جئنا
نعزي في صباياك
وننشد أمة ثكلى
تحدثُ عن ضحاياك
فلا تأسي ويا أسفي
عليك على مصلاك
فقد جئنا عمالقة
وعدنا (قزم) دنياك
إلى أن يقول:
فقدنا الأمس أندلساً
بأيدي كل سفاكِ
وضاع القدس من يدنا
ويوم الأمس ليلاك
متى يا موطني الغالي
نهب ليوم لقياك

نعم إن جورزادي موطنه كما هي فلسطين، وكما هي الجزيرة العربية وكما هي باكستان، وأفغانستان، فهو مسكون بهموم أمته يشعر بالأسى والحزن العميق كلما جرحت أمته هنا أو هناك (وما أكثر جراحها) وها نحن (وعلى الجانب الآخر) وحين قضى الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، الذي يعتبره رمزا لقضية خالدة في وجدان الأمة، ثارت قريحته برثائه، راثيا معه أمته المكلومة قائلا:

أسفي عليك على النضال
يلف في ثوب الممات !
وعلى الصمود يغيب
في عين اللئيم من الغزاة
أسفا أبا عمار لا
يأس يطول ولا شكاة !
خذلوك في الدرب الطويل
وأبعدوك عن النجاة !
إلى أن يقول:
أفلا بقيت لأمة
حيرى تموت على الفتات!
تغتال في أكنافها
وتموت فيها الحيعلات
عفوا فلسطين الجريمة
يا مواويل الرعاة!

... إلى آخر القصيدة. والذي يبدو لي أن الإحساس العميق بالظلم، هو الذي كان يفجر ينابيع الشعر الحماسي المشحون بالعاطفة الإسلامية والقومية لدى الشاعر؛ فأهلنا في البوسنة وقع عليهم أكبر الظلم في عصر النظام العالمي الجديد، وكانوا في القديم منه تحت نار الشيوعية.. وهل فوق التطهير العرقي من ظلم؟!!. وقد جسد لنا الشاعر موقفه من القضية الفلسطينية من خلال لوعة أطلقها بوفاة القائد ياسر عرفات إضافة إلى لوعته بفقد القدس والتي ظلت هاجسه في كل قصائده، فما تكاد تخلو قصيدة من قصائده - أيا كانت المناسبة - من ذكر القدس والألم الذي يعتصره لفقدها وحرارة الشوق للقائها والتصميم على إعادتها.

رحم الله الفقيد رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
تشكيل
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved