الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 22nd March,2004 العدد : 51

الأثنين 1 ,صفر 1425

فاطمة وكريستين وشهرزاد!
يوسف بن عبدالرحمن الذكير
في كتاب ممتع للمفكرة المغربية «فاطمة المرنيسي» بعنوان «العابرة المكسورة الجناح شهر زاد ترحل الى الغرب» تستأنف الكاتبة الموهوبة حملتها الشيقة في تصحيح صورة المرأة الشرقية المهضومة الحقوق، وخاصة في عيون الغرب.. حملة قد لا تبعد كثيرا عن مضامين أغلب كتابات النساء الشرقيات في الآونة الأخيرة وخاصة الخليجيات منهن، وإن لم يتخذن مساراً استفزازياً يتسم بالتطرف والانحياز الحاد كأسلوب نوال السعداوي على سبيل المثال، أو المرتدي لثياب الحداثة كما في مؤلف الدكتور عبدالله الغذامي «المرأة واللغة» في ابراز طغيان الذكور على الإناث من خلال استعراض التراث الأدبي العربي.. وإن اتكأت طويلاً على حكايات ألف ليلة وليلة التراثية وتحليل شخصية شهرزاد، بأسلوب شيق جذاب!. فالكتاب لا ينتقد الشرق بل الغرب في نظرته المشوهة والقاصرة لنساء الشرق، فكتابها لا يكيل الاتهام للرجل الشرقي، مثلما تكيل معظم الكاتبات والكتَّاب العرب، بل على العكس من ذلك تماما، إذ يلقي اللوم بصورة تكاد تكون تامة على الرجل الغربي في مسؤوليته عن تشويه صورة المرأة الشرقية.. لعل ذلك أهم ما يميز الكتاب!!.
***
تطرح الكاتبة قضيتها الشائقة، بأسلوب سردي جذاب، يستعرض جولتها في عدد من مدن الغرب بهدف تقديم، أو بالأحرى تسويق كتابها «نساء على أجنحة الحلم»، وهي حملة نظمتها دار النشر الغربية «ليت الناشرين العرب يتعلمون فنون تسويق الكتب والمؤلفات، بدلا من شكايتهم المستمرة من كساد الكتاب، واتهام العرب بأنهم لا يقرأون.. فكيف يقرأون كتابا لا يعرفون عنه شيئاً، وربما لم يسمعوا عنه؟.. ولعل في ترجمة كتاب فاطمة المرينسي المذكور الى ثماني وعشرين لغة عظة ودرساً للناشرين!!».. فتقول فاطمة ان أكثر ما استثار انتباه ما يزيد عن مائة صحفي وناقد أدبي قابلتهم أثناء تلك الحملة، هو استهلالها لكتابها بالقول :«ولدت في حريم فاس».. فكل أولئك الصحفيين كانت ترتسم على شفاههم ابتسامات تتباين ما بين حرج الأمريكيين منهم، ودهشة وصدمة الاسكندنافيين والألمان، ومرح «أو بالأحرى بفرح واهتياج» الفرنسيين والطليان والأسبان، إلا أنهم جميعاً يبدأون المقابلة المعدة بتنظيم تسويقي دقيق، بالسؤال:
«إذن، لقد ولدّتِ حقاً في حريم؟!».
سؤال استفزها الى درجة ان استنجدت بناشرتها الفرنسية «كريستين»، فما كان من الناشرة الخبيرة بأساليب استجواب الرجال للنساء إلا أن ردت بدهاء وذكاء:
«الحريم بالنسبة اليهم ترتبط بالجنس والأباحية، فلماذا لا تستغلين الموقف بما أنك خبيرة في علم الاجتماع فاطمة أستاذة علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس فتقلبين الأدوار وتستجوبينهم بدورك؟!».
ذلك الرد أو الاقتراح كان بمثابة فخر لفاطمة وربما إلهام في تأليف كتابها المتميز!..
***
لم تلق فاطمة اللوم، وتشير بأصابع الاتهام نحو رجال الغرب، وخاصة المثقفين منهم، من الفنانين والكتَّاب والأدباء جزافاً، أو دونما برهان ودليل، فيما تبرئ مثقفي الشرق من ذلك تماما، بل هي تقارن ما رسمه الفنانون والشعراء بل وحتى الخلفاء، سواء من خلال المنمنمات الفارسية والهندية التي تصور سيدات القصور وجواريهن وهن ممتطيات الخيول وممتشقات القوس والنشاب وهن يطاردن الطرائد بكل اقتدار، أو الاستشهاد بما لهن من حضور وحظوة ومنزلة، من بيت شعر منسوب لأشهر الخلفاء العباسيين هارون الرشيد في انشاده:
مالي تطاوعني البرية كلها
ماطيعهن وهن في عصياني
أو ما حققنه النساء الشرقيات حاضراً من خلال مقارنة ما جاء في تقرير لمنظمة اليونسكو من أن نسبة الطالبات المسجلات في الجامعات العربية أعلى من مثيلاتهن في جامعات فرنسا وكندا، فيما أعداد المهندسات السوريات والتركيات يفوق ميثلاتهن في بريطانيا وهولندا، مقارنة بالصورة المشوهة المترسخة في أذهان الغربيين عن النساء الشرقيات الناجمة عما صوره الفنانون وكتبه المثقفون الأوروبيون عنها، بدءاً من أفلام هوليود الأمريكية الخيالية عن السندباد وعلاء الدين، ولص بغداد والتي تظهر الجواري والنساء في سراويل فضفاضة شفافة، لا هم لهن سوى الرقص والغناء.. أو لوحات «بيكاسو» الأسباني و«ماتيس» الفرنسي عن الحريم والجواري المستلقيات في انتظار أسيادهن.. أو حتى أوبريت «عايدة» للايطالي «فردي» وباليه «شهرزاد» للروسي «سرج ديا خليف».. لتعود الى جذور ومسودات تلك الصورة المشوهة، حين عبرت شهرزاد وحكايات ألف ليلة وليلة، أول مرة الى شطآن أوروبا عبر ترجمة «أنطوان كالند» الفرنسي عام 1704م، وأهدائها لسيدات ووصيفات وغواني «قصر فرساي» لتقارن ما بين شخصية شهرزاد عبر تلك الترجمة الحسية السطحية الفجة، وما تجسده من رموز فكرية عميقة، لم ينتبه لها سوى القلة من أمثال الأمريكي «أدجار ألن بو» وبعد مرور ما يقرب من قرن ونصف من وصولها لعواصم أوروبا حين ترجمت الى الانجليزية والروسية والايطالية والدنماركية آنذاك، فلم يأبهوا إلا بمشاهد الغرام ولغة الجسد، فيما أدرك مغزاها العميق ذلك الكاتب الأمريكي مانحاً شهرزاد لقب «الأميرة السياسية»!..
تنطلق فاطمة من ذلك اللقب لتحلل شخصية شهرزاد بدقة وموضوعية وعمق بما أضفته عليها من سجايا ثلاث.. أولاها سعة الثقافة ورحابة المعرفة التي منحتها خزينا من الحكايات طال ألف ليلة وليلة.. ثانيتها قدرتها الفائقة ومهارتها في التحكم في سرد تلك الحكايات بحيث تتوقف عند موقف لا يدع فرصة للمستبد الظالم سوى منحها ليلة أخرى.. والثالثة قوة شخصيتها ورباطة جأشها وذكائها حين استطاعت التغلب على العنف بالحوار.. وعلى السطوة والقوة بالأدب والرقة.. فقلبت سطوته الى ألفة ورفعة.. وضعفها الى حظوة وقوة!..
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
منابر
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved