الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 22nd March,2004 العدد : 51

الأثنين 1 ,صفر 1425

بعد خمس سنوات على رحيله
كان محباً عظيماً ذلك الشاعر الدمشقي
بدر عمر المطيري

بدخول العام 2004 للميلاد تكون سنون خمس قد مرت على رحيل الشاعر العربي نزار قباني.. وهذا الشاعر الراحل بجسده الخالد بفنه واحد من الشعراء العظام الذين استوطنوا ذاكرة التاريخ.. فأني لأبناء الزمان أن ينسوهم أو ينسوه؟
من عرف هذا الشاعر المتفرد في شعره وذاته حق المعرفة فسوف يحبه لأن نزار قباني نفسه ظل لأكثر من أربعة عقود يشعل حرائق الحب مستمداً من قلبه وروحه الحطب واللهب.. ناشراً في الافق سحابة حب بيضاء كبيرة.
فالحب بمعناه الافلاطوني هو الباعث الأكبر الذي ألهم قصائده الخالدة..
إن كلمة (الحب) بمعانيها ومرادفاتها المختلفة لتتقافز عبر قصائد نزار ما بين الكلمات والقوافي..ولا نكاد نلقى قصيدة من قصائد الشاعر إلا وفيها إشارة إلى الحب تصريحاً أو تلميحاً، ففي قصيدته النونية الشهيرة: (ترصيع بالذهب على سيف دمشقي) والمنشورة في أعماله الكاملة عام 1993م والتي يقول مطلعها:
أتُراها تحبني ميسونُ
أم توهمت والنساء ظنونُ؟
يعترف الشاعر بعد هذا المطلع مباشرةً أنه أمويّ الهوى.. أو أنه في الحب أمويّ المكان والزمان حيث كان شعراء الحب والعشاق المجانين يحبّون ويعشقون يتقدمهم عمر بن أني ربيعة.. الشاعر الذي لم يمدح ولم يهجُ أحداً.. يل للحب غنى.. فأطال الغناء وأجاد القصيد.. وغير ابن أبي الخطاب ابن قيس الرتيات والعرجي وابن الدمينة ومجنون ليلى وغيرهم ممن أضناهم الحب وبرّح بهم العشق:
يا ابنة العمِّ والهوى أمويٌّ
كيف أُخفي الهوى وكيف أُبينُ
بعد ان ينادي الشاعر حبيبته بابنة العم.. وهووصف جميل ودقيق معاً.. يتساءل في دهشةٍ عن حقيقة الحب الذي يتراقص في اعماقه.. وكيف يستطيع التعامل معه؟ أيخفيه أم يعلنه؟!
أي حب هذا الذي منه تكونت شخصية الشاعر وعلى قواعده سمقت أشعاره واستطالت؟
إنه حبٌّ سامٍ.. كبير.. عميق.. لا يمكن اختزاله في هذه العلاقة التي تقوم بين رجلٍ وامرأة:
أهي مجنونة بشوقي إليها
هذه الشام أم أنا المجنون؟
حامل حبها ثلاثين قرناً
نوق ظهري وما هناك معين
هنا الحب يرمز إلى مكان.. إلى وطن.. وهما أوسع بقليل من حب ذلك العاشق القديم حسين يقول مثلاً:
يسمونني المجنون حين يرونني
نعم بي من ليلى الغداة جنون
ديوان مجنون ليلى ص 271
بل إن الشاعر في قصيدته الأخرى (من مفكرة عاشق دمشقي) ليختصر النساء جميعهن في مكانٍ واحدٍ هو (دمشق) ويشرح ذلك شعراً قائلاً:
فرشت فوق ثراك الطاهر الهدبا
فيا (دمشق) لماذا نبدأ العتبا؟
حبيتي أنت.. فاستلقي كأغنيةٍ
على ذراعي.. ولا تستوضحي السببا
أنت النساء جميعاً مامن امرأة
أحببت بعدك إلا خلتها كذباً
ويسافر هذا الحب الكبير بالشاعر الكبير إلى أزمنة بعيدة إلى تاريخٍ حافلٍ بأمجاد عظيمةٍ صنعها رجال عظماء:
ياشام أين هما عينا معاويةٍ
وأين من زحموا بالمنكب الشهبا
فلا خيول بني حمدان راقصة
زهواً.. ولا المتنبي مالىء حلبا
وقبر (خالد) في (حمص) نلامسه
فيرجف القبر من زواره غضبا
يارب حي رخام القبر مسكنه
وربً ميتٍ على أقدامه انتصبا
حتى الحكمة هنا في البيت الأخير تنبثق من وجدان الشاعر وعهدنا بالحكمة نتاج عقل يمليها الفكر ويكتبها.. إنما هو الحب أحياناً يحطم القواعد وما تعودنا عليه ليخلق حكمة رائعة صادقة.. وفي قصيدة أخرى طويلة أهداها الشاعر إلى العراق.. يفتخر (نزار) بالتهمة التي وجهت إليه معتبراً الحب الكبير التزاماً في حقيقته:
تهمة الحب لا تزال ورائي
لا رآني ربي أرد اتهاما
التزامي أنا بوجه حبيبي
أوليس الحب الكبير التزاما؟!
ول(بيروت) جزء من هذا الحب الكبير.. يقول (نزار) عن هذه العاصمة الصامدة بعد أن نعتها ب (ست الدنيا):
أعطيني كفك يا جوهرة الليل
وزنبقة البلدان
يا ست الدنيا.. يا بيروت
قومي من تحت الروم
كزهرة لوز في نيسان
قومي من حزنك
إن الثورة تولد من رحم الأحزان
ما زلت أحبك يا بيروت المجنونة
مازلت أحبك رغم حماقات الإنسان
ما زلت أحبك يا بيروت
لماذا لا نبتدىء الآن؟!
وحب (نزار) ل(لبنان) عميق الجذور.. يتكرر كثيراً في شعره..
لكون (لبنان) رمز الفداء وهو المقاتل الأول في وجه العدو المتربص.. وغاية ما يريده (لبنان) منا هو الحب.. أن نحبه قليلاً:
آه يا عشاق (بيروت) القدامى
هل وجدتم بعد (بيروت) البديلا؟
إن يمت (لبنان) متم معه
كل من يقتله .. كان القتيلا
إن كوناً ليس (لبنان) به
سوف يبقى عدماً أو مستحيلاً
كل ما يطلبه (لبنان) منكم
أن تحبوه.. تحبوه قليلاً
ويجب الشاعر (تونس) كقطعة صغيرة من الوطن العربي الكبير يعلن حبه هذا ولا يخفيه عبر قصيدة طويلة عنوانها:
(أنا يا صديقة متعب بعروبتي):
بحرية العينين.. يا قرطاجة
شاخ الزمان وأنت بعد شباب
هل لي بعرض البحر نصف جزيرة
أم أن حبي التونسي سراب؟
لا تعذليني إن كشفت مواجعي
وجه الحقيقة ما عيله نقاب
فإذا صرخت بوجه من أحببتهم
فلكي يعيش الحب والأحباب
أما القدس السليبة فلا يصفها (نزار) إلا بالحبيبة .. حيث يبدو الشاعر متفائلاً بعودة الحبيبة واجتماع الشمل:
يا قدس.. يا حبيبتي
غداً .. غداً.. سيزهر الليمون
وتضحك العيون
وترجع الحمائم المهاجرة
إلى السقوف الطاهرة
ويرجع الأطفال يلعبون
ويلتي الآباء والبنون
على رباك الزاهرة
ويستنثني (نزار قباني) الغش والنفاق في الحب.. ذاك أن الصراحة والوضوح من صفات المحب الصادق:
غير أني في الحب لا أقبل الغش
ونفسي لا تستطيب النفاقا
إن الإحاطة بعالم الحب في شعر نزار قباني غفر الله له يبدو محالاً لأنه كما قلت أولاً منه تكونت شخصية الشاعر وعلى قواعده سمقت أشعاره ولطالما تفيأ تحت ظلالها العاشقون.. ومن ثمارها نهل الشعراء والمبدعون:
يسافر الحب مثل السيف في جسدي
ولم أخطط له.. لكنه القدر
هزائمي في الهوى.. تبدو معطرة
إني بحبك مهزوم.. ومنتصر
ماذا يكون الهوى إلا مخاطرة
وأنت أجمل ما في حبك الخطر
ما دام حبك يعطيني عباءته
فكيف لا أفتح الدنيا وأنتصر؟
سأركب البحر مجنوناً ومنتحراً
والعاشق الفذ يحيا حين ينتحر
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
منابر
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved