أعر اف البوح!! محمد جبر الحربي
|
لملمي أطراف همّك العالي وتعالي..
اجلسي في حدقة العين، واقرئي على ضوء الروح وبوحي:
فالبوح يغسل الروح، ويريح النفس، ويصفي القلب، ويحرك الأحاسيس الكامنة. والبوح لو اصطفاه الناس لما ربح الأطباء النفسيون، ولما كذبوا عليهم، وحقنوهم بأدوية لا تفيد بقدر ما تؤذي، وجعلوهم أسرى، وحرموهم من قيمة الطيران والتحليق والتحديق والدهشة. البوح هو (ثيريبي) كعلاج الحلقات النفسية الجماعية، ولكن ميزته أنه لا يؤذي، فهو أقرب إلى العمل الفني الذي يفجر الداخل، ويلتحم بالخارج، ويجمع ما بين الخصوصية والقدرة على الوصول.
البوح هو إزاحة هذا الثقل الرابض على الروح، أو هو إذا ما ارتقى هذا الحضور المكثف المتسارع، هذا الاستحضار لخليط من الحزن والجمال والفرح..استحضار لكليات أو متناقضات أو أجزاء مبعثرة هنا وهناك في الذاكرة أو أمام العين.
البوح يشفي ولا يجرح إلا إذا كان مع من لا يقدرون أو لا يلقون بالبوح من الأساس، ولذلك نحن لا نبوح إلا لمن نستشعر فيهم الدفء والحب والبياض والجمال.
أحياناً نجدنا نبوح لإنسان غريب في عاصمة نائية لأننا وجدناه أليفاً، أو نبوح لأنفسنا، ومن ثم للناس.
أوليس الإبداع بوحاً؟!
ألا نبوح في كتابتنا فنلغي المؤذين والعجلين من المتلقين ونتوجه بالبوح لمن نعتقد أنه سيقرأ أرواحنا، ويفهمنا، وسيغني أو يتسامى مع أحرفنا، مواجعنا، فرحنا وآمالنا. ذلك الذي يقرؤنا بإحساسه وروحه وقلبه لا بنوايا مسبقة، وسوء مدبر.
البوح انسجام مع الذات من ناحية الوضوح والشجاعة، وانسجام مع الآخر من ناحية الحميمية والدفء، والبياض المشاع.
وهو تعبيرعن أننا تجاوزنا العقد التي يفرضها المجتمع علينا، وما هي إلا تراكمات وترسبات وليست مثلاً وقيما.
وهو أيضا تعبير عن مدى ثقتنا بالطرف الآخر، ومدى حرصنا عليه، ومدى رغبتنا في التحرر من أحزاننا أو المثبطات التي أمامنا، ومدى رغبتنا في تخليص من نصطفيه من أحزانه وإحباطاته.
البوح هو الإنسان..وهو ثمرات الشعور، وقطاف الأحاسيس في سموها وصفائها.
فالشعر بوح، والموسيقى بوح، والألوان الهادئة أو المتفجرة بوح.
ولكنه بوح منظم منتظم كدقات القلب، أو متسارع كالتنفس، أو منساب متدفق كجريان الماء.
ونحن عندما نبوح نكون عارين من الأقنعة التي فرضت علينا، أو اضطررنا لارتدائها.
كم يؤنسني البوح ولكن الوقت يحاصر بوحي وروحي.
لذلك سأتركك الآن لألبس مرغما قناعي وربما أقنعتي..فسأقابل من لا بوح لي معهم.
تركتك بخير وجمال وهدوء وموسيقى تتسلل وتشجي وتستدعي البوح لتطلقه من أسره طيور محبة وأمل.
mjharbi@hotmail.com
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|