الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 22nd May,2006 العدد : 154

الأثنين 24 ,ربيع الثاني 1427

البحث عن خلاص..
أمل زاهد
أسندت رأسها على مقعد السيارة الخلفي وتداعت أمام ناظريها المشاهد والصور.. راح رأسها يرتفع وينخفض ويتأرجح تبعا لحركة السيارة، اللوحات تتابع أمامها.. مكتبة الفلاح.. صيدلية الروضة.. مدرسة سعد بن معاذ.. اسماء تقرأها في أعماقها دون إدراك لها أو وعي بها.. كببغاء ترددها علّها تكسر حدة الخوف الذي يجتاحها من أقصاها إلى أقصاها.. صوت أمها وخالها يأتياها وكأنما يصّعد في السماء.. كأنه يخرج من جوف بئر غارق في العمق.. يتبادلان أحاديث تافهة.. ربما ليبدد خالها خوف أم رؤوم يعربد القلق في أعماق قلبها الذي يتحرق لهفة وخوفا على ابنتها !!
لا تدري ماذا يحدث لها ؟ هل تقف على حافة الجنون ؟ لماذا لا تستطيع السيطرة على أفكارها.. سلمت لهما زمام نفسها ليفعلا بها ما يشاءان.. كانت فقط تريد أن تتخلص من ذلك الألم.. ذلك الألم الذي يذبحها من الوريد إلى الوريد.. هل سيخنقها الشيخ كما سمعت أنه يفعل مع بعض مرضاه ؟! هل ستشاهده وهو يخرج الأرواح الشريرة التي تسكن الناس أمامها ؟
لا يهم.. نعم لا شيء يهم.. المهم أن يسكن السلام نفسها.. أن ترتاح.. أن تهدأ تلك الأصوات داخلها.. أن تصمت الأسئلة التي لا تكف عن القفز.. التي ترتفع أمام ناظريها كمخلوقات شريرة صغيرة.. كنبت شيطاني يلتف حولها بأفرعه الشائكة..
نعم، ربما كان المسؤول عن تلك الأسئلة جني كافر يريد إغراقها في لجة كفره وضلاله.. إذن فليخنقها الشيخ علّه يموت.. علّه يخرج من داخل عقلها الذي يسكنه منذ فترة.. هدأ الخوف برهة ولم تعد تبالي .. هل نفقد الخوف عندما تجتاحنا أمواج الخوف بشدتها.. عندما نغرق في غياهبها ؟ هل نفقد الخوف عندما نتسربل به فيصبح جزءا منا فلا نعود نستنكره.. يصبح قطعة منا فيتلاشى ذلك الخط الفاصل بين الخوف واللا خوف.. لم تعد تدرك هل هي خائفة أم أن شدة الخوف جعلتها تفقد مشاعرها وأحاسيسها.
كل ما تريده أن تخنق تلك الأسئلة.. أن تنام دون قلق.. أن يسكن جوانحها الأمن الذي افتقدته منذ غزت تلك الأسئلة عقلها.
لماذا سؤال يتردد كثيرا.. تعلم أنه من عمل الشيطان.. لماذا الظلم ؟ لماذا الاضطهاد ؟ لماذا الحروب ؟ الكوارث الطبيعية.. آلاف المظلومين.. الدماء التي تهدر.. الاموال التي تنهب.. الظالم وهو يعيش هنيء البال مرتاح الخاطر.. ولماذا الموت ؟ الموت الذي يطاردنا أينما حللنا!!
تضرب رأسها محاولة دحر الشيطان داخلها.. صور مزعجة تحتل شاشة خيالها.. تبعدها كما تبعد بعوضة تزن حول أذنها.. ولكن البعوضة ضيف ثقيل يأبى الرحيل.. صدقني أيها الشيخ أنا أكره هذه الصور.. أعلم أنها مجرد خيالات ولكني أمقتها.. تشعرني أنني مدنسة.. أنني نجسة.. ولكنها تطاردني.. تطاردني أيها الشيخ.. هل تستطيع أن تبوح للشيخ بأفكارها.. هل تستطيع ان تقول له عما يعتمل داخل نفسها..
يأتي صوت خالها كصفعة قوية على وجهها قائلا أنهم اقتربوا من منزل الشيخ.. تشعر بوجيب قلبها.. بطرقاته كما مطرقة غليظة.. صوت دقاته يرن في أذنيها.. يحتل كل قطعة من جسدها.. هل أصبح جسدها قلبا يدق فقط ؟ يخيل إليها أنها أصبحت قلبا له قدمان يسير بهما.. قطعة لحم حمراء كريهة.. ليس لها ملامح أو قسمات أو حتى أعضاء.. فقط نبضات تضخ خوفها.. تضخ قلقها وألمها..
العباءات السوداء لعشرات النساء تحتل ناظريها.. بحركة لا ارادية التصقت بأمها.. خيل لها أنها تسمع دقات قلب أمها أيضا.. هل أصبحت أمها أيضا قلباً يتحرك على قدمين.. تربت عليها أمها بيدين مرتجفتين.. من يهدأ خوفي وخوفك يا أمي ؟ من يطمئن هذين القلبين السائرين فوق أرض تهتز تحتهما.. نعم هذه هي عاقبة الابتعاد عن الله كما تقول تلك الداعية.. لا بد أن الله يعاقبها الآن بالخوف.. ربما كانت هذه عاقبة تزجيج حاجبيها والتي قالت عنها الداعية أنها تشبه بالكافرات.. هل تشبهت بالكافرات فعاقبها الله بأن تصبح منهن ؟!
كل امرأة تتشبث باحدى يديها بقارورة ماء والأخرى بقارورة زيت زيتون.. تذكرت أمها أنها في غمرة خوفها نسيت أن تحضر القارورتين حتى يقرأ عليهما الشيخ وأسرعت بطلبهما من الخال الرابض عند باب غرفة انتظار النساء.. أصوات صراخ تأتيها من الغرفة المجاورة.. أرادت لحظتها أن تمتزج بأمها.. أن تتسرب داخلها.. علّها تشعر بلحظة أمان.. ليتها تعود جنينا صغيرا ملتصقا برحم أمه.. هل تهرب ؟ هل تضع عباءتها في فيها وتغادر هاربة لا تلوي على شيء.. تتذكر الآلام والأسئلة.. لا لن تغادر.. ستبقى حتى لو كان في البقاء موتها.. أليس الموت هو ما تطلبه منذ زمن يخال لها أنه صار دهرا..
ربما هو الكفر.. الكفر هو الذي يتلبسها فيجعلها تفكر في الأسباب.. المؤمن لا يبحث عن الأسباب.. المؤمن يسلم.. فهل تستطيع هي التسليم ؟!! صراخ النساء يشق رأسها والخوف ينهش نفسها.. لا يهم لا يهم ما سوف يفعله الشيخ .. المهم أن تتخلص من تلك الآلام.. البروزاك لا ينفع.. الفافرن لا يهديء الوساوس.. التربيتزول يجعلها تنام لتفيق على كابوس جديد.. انتفاضة كهرباء يرجف بها جسدها قبل أن تدخل في النوم قيل لهم انها من اعراض الأدوية النفسية .. تستيقظ على شبح يوم طويل جديد تحمل عبئه فوق عاتقها.. كيف يسير ويعدي.. كيف تتخلص من قتامة ظلامه.. تتكور على نفسها كجنين.. تدخل رأسها في بطنها.. تتكور علّ أحسايس الأمان تحتضنها.. وتهدهدها.. وتتلبسها بعد طول بعاد..
اكتئاب مع وسواس قهري واختلال آنية يرفع الطبيب عقيرته بأسماء لم تسمع بها من قبل.. نظرات الطبيب اللزجة تلتصق بجسدها الفتي وملامحها الجميلة.. تعريها.. تغطي جسدها بيديها حتى تسترهما من نظراته .. صوت رضيعتها يزيد من آلامها.. هل تستحق أن يكون لها طفلان بريئان.. عشرات النسوة يتمنين كلمة ماما بينما هي لا تعرف قيمتها.. هل تستحق أن تكون أما.. هل تستحق أن تُمنح هذا اللفظ المكلل بالقداسة.. هل تستحق أن تكون لها هذه الأم الحنون وهي لا تقدر نعمة الحياة وهي لا تستطيع أن تحتفي بها.. هي التي تكره الحياة وتعتبرها عبئا ثقيلا.. هي التي تكره ذاتها وترفض رؤية نفسها في المرآة..
رباه فليقتلها الشيخ.. فليخنقها.. فليفعل بها ما يشاء.. دموعها تغرق وجهها.. صوتها يتحشرج في حنجرتها.. الخيالات لا ترحمها.. الصور لا تغادر مخيلتها.. قطعة من العذاب أضحت حياتها..
( عين وصابتها) صوت أمها يتردد.. بالتأكيد هي عين لم تصل على النبي أردتها صريعة الخيالات والأوهام ..
بلا اكتئاب بلا كلام فاضي.. خذيها لشيخ يقرأ عليها يا زينب.. في القرآن شفاء لكل داء)..
صوت خالها يستحثهما على الخروج.. تتعلق بذارع أمها.. يقع نظرها أول ما يقع على لحية الشيخ الطويلة.. رائحة الطيب الذي يذكرها بالحرم يفوح منه.. الرائحة توحي لها بالقداسة وفورا يقفز إلى ذهنها دنسها وشكوكها واسئلتها والصور الكريهة.
تخرس كلماتها على شفتيها عندما يسألها الشيخ.. تحس أنها فقدت القدرة على النطق.. نطقت أخيرا بكلمة شكوك بعد طول معاناة.. أخيرا استطاع الشيخ أن يتبين ما هي الكلمة التي نطقتها.. صوته الهادئ حاول تهدئة روعها.. سألها إن كانت ترى أشخاصا أو أشباحا. هزت رأسها بالنفي.. قال لها: الشك قرين الإيمان.. أنت مؤمنة يا ابنتي.. المؤمن هو من يتساءل.. هو من يشك.. والله لا يحاسبنا على خواطرنا..
هي مؤمنة هذا ما قاله الشيخ.. أعطاها الشيخ الوقور صك الايمان.. انتشت به.. ابتلعت دموعها..
والاسئلة.. الشكوك.. الصور.. هناك روح شريرة في أعماقي.. ارجوك خلصني منها..
اخنقني.. اقتلني.. فقط ارحني منها.. تمتد يد الشيخ فوق جبهتها.. يقرأ المعوذات.. بهدوء شديد تنزل يديه لتلتف حول عنقها.. لا تبالي.. تشتد قبضته حول عنقها وتشتد.. تجحظ عيناها.. يتدلى رأسها فوق عنقها وينسدل جفناها.. تفقد وعيها.. تشخر في سلام تمنت أن لا يوقظه أبدا أزيز الأسئلة..


Aaz868@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved