الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 22nd May,2006 العدد : 154

الأثنين 24 ,ربيع الثاني 1427

(الثقافة) بين إنتاج النخبة وصناعة المجتمع
*إعداد - عبدالحفيظ الشمري:
الجدل المعرفي حول (الثقافة) وماهيتها يطول، والحديث عنها يتشعب، ليأخذ عدة منعطفات، فالثقافة حتى الآن تسير بلا دليل، ودون برهان يكفل لها أن تكون في رعاية نخبة عالمة متبصرة في خبايا الأمور، أو أن تكون في حضوة مجتمع ترى بعض الطروحات أنه هو الباعث الأول لها.
فحول هذا التجاذب تكمن الرؤية المستفهمة عن كنه (الثقافة) في ظل رؤية من يشير إلى أنها إنتاج نخبة مثقفة، في وقت تشير بعض الرؤى إلى أنها صناعة مجتمع يوفرها، ويقدم معها - أيضاً - المثقف باعتباره قناة مهمة من قنوات إيصال خطاب المجتمع نحو الآخر.
هذه (الرؤية) التي تتلخص على هيئة سؤال واضح: هل الثقافة إنتاج نخبة مثقفة أم تراها صناعة مجتمع..؟ حملها إلى أكثر من أديب ومبدع، فكانت مداخلاتهم على هذا النحو:
المفكر والأديب الدكتور تركي الحمد جاءت رؤيته حول هذا التساؤل معنية بهم المثقف، إذ أشار الحمد إلى أن المثقف الذي يتبع المجتمع، وينساق إلى أهوائه هو ليس مثقفاً، ولا علاقة له بالأدب والمعرفة، لأن - حسب رأيه - يرى أن المجتمع لا يوفر في مناخات الثقافة إلى العفوي الساذج الذي لا يرقى إلى مستوى تمثله بوصفه ناتجاً معرفياً يمكن الركون إليه.
ويؤكد الأديب الحمد على أن ليس من مهمة المثقف أن يستجلب للقارئ والمتلقي إرهاصات المجتمع، إنما يجب أن يكون موقفه نقدياً يكشف مواطن الضعف أو القوة في ثقافة المجتمع إن وجدت، فالدكتور الحمد يذهب إلى أن مهمة المثقف لا يمكن أن تكون صناعة مجتمع، لأن المجتمع دائماً ما يخلد الأسماء، ويذكر الأسماء لكنه لا يصنعها أبداً.
ويضرب الحمد مثالاً قوياً بالمثقف الغربي الذي يظل مغضوباً عليه دائماً من قبل المجتمع، إلا أن هذه القطيعة لا تقف في طريق المثقف حينما يريد التغيير، ويطالب في الحقوق، من هنا يؤكد المبدع الحمد على أن من يصنع التاريخ هم من المثقفين المغضوب عليهم، وهذا شأن الثقافة وحال أهلها.
ويرى الحمد أن المجتمع لا يلتفت إلى قضايا المبدع وهموم المثقف والأديب، لأنه المجتمع - حسب رأيه - غير واعٍ لعدد من مشكلات المبدعين والكتاب وهذا ما يرجحه في ثنايا رؤيته التي تؤكد على أن المجتمع لا يمكن أن يصنع ثقافة بمفهومها المعرفي، إنما قد توجد رؤى تفيض خصومة وقهراً مما يقدم الأديب، والمفكر والناقد.
وفي رؤية أخرى حول الثقافة وماهيتها جاءت مداخلة الشاعر سعد البواردي مؤكدة على أن الثقافة هي الكينونة الأولى للوعي الإنساني، إذ يقول الشاعر البواردي: (إن الثقافة هي الهاجس الأول في الحياة، بل هي ضمير الأمة، وإرهاصات لفكر المثقف الواعي لأن يصنع عناصر النجاح، وأن يرسي روح اليقين في الإنسان.
(الثقافة) لا يمكن صناعتها من قبل أفراد أو مجتمع، إنما هي نتاج حقيقي لاعتلاج هذه القيم والمفاهيم الحقة للثقافة التي تسعى - كما هو معروف - إلى بناء مجتمع متكامل، لأن هذه الرؤى غالباً ما تكون في النهاية منتجة لمثل هذه العناصر الفاعلة في حياة الأمة، إذ تقدم هذه الثقافة إنساناً عاملاً يعطي المجتمع خبرته وعصارة فكره ووعيه الذي تولَّد من خلال هذا الانصهار بمفهوم الثقافة الحقة.
(الثقافة) أخي الكريم ليست حصاداً كما يشير السؤال، إنما هي كينونة وعي، لأن الثقافة هي التي تصنع الإنسان، وليس هو من يصنعها، فالإنسان هو الوعاء الذي قد يستوعب هذه الثقافة ومخرجاتها، أو ربما يرفضها، ففي هذه الحالة تدرك أن الإنسان يصبح عضواً معرفياً فاعلاً كلما استوعب هذه الثقافة التي تبزغ في الوجدان منذ أول الخليقة، ونراه متخلفاً كلما حاول الابتعاد عن مضان هذه المعارف والإرهاصات للثقافة الأم.. تلك الحالة الحقيقية لبناء الإنسان منفذ البدايات الأولى لوجوده..).
الأديب الأستاذ محمد بن أحمد الشدي يرى هذه الرؤية حول الثقافة والمثقف والمجتمع على هذا النحو:
(في البداية.. أود أن أشيد بالجهد الكبير الذي تقوم به المجلة الثقافية في عكس الصورة الثقافية في بلادنا ومساهماتها الفعالة في إبراز كتابنا وأدبائنا الذين نعتز بهم.
وحول الطرح المقدم من قبلكم عن جدلية صناعة الثقافة أو إنتاجها، والبحث عن برهان، أو دليل عماهية الثقافة وولادتها وتكوينها الأول من عدة منطلقات دفعت أسئلتكم نحو: هل الثقافة إنتاج نخبة مثقفة أم تراها صناعة مجتمع؟
الطرح في هذا الاتجاه مقبول ومهم لإفراز مؤشرات أدبية وفكرية من شأنها تحديد الرؤى الثقافية في إطار إيجاد قاعدة وبؤرة انطلاق عماهية الثقافة بمدلولاتها المتنوعة كافة.
والثقافة بمعيارها الحقيقي هي القاعدة الأساسية التي تقف مقياساً لحضارات الأمم ودفعاً يسير بركب الإنسانية إلى الأمام.. ومن هنا حري بنا أن نقول إن الثقافة بمضامينها كلها المعبرة هي صناعة مجتمع. ويتبلور ذلك عندما نقول إن إنتاج النخبة المثقفة مرتبط بواقعه وبتراثه الذي يستشف من انعكاسات المجتمع أدواته لتعبر عن أفكاره تجاه المعطيات التي حوله.. والمجتمع بكل حراكه الإنساني والاجتماعي هو منبع الإلهام لكل مبدع يريد أن يرسم واقعاً ملموساً لنظرياته وفلسفته في إطار القيم والمثل العليا التي يجد في إطارها مجتمعه الحضاري.
والنتاج الثقافي لا ينفصم وبشكل مطلق عمن هو الأساس في الرؤية المطروحة، إذا عددنا أن المثقف هو المترجم لشرائح المجتمع كله الذي يستمد منه رؤاه وأفكاره.
إذن نستطيع أن نقول ومن وجهة نظرنا: إن الثقافة صناعة مجتمع، وتنعكس أيضاً الصورة بالمقلوب. ونعد أن النخبة المثقفة تصنع لهذا المجتمع الإطار الذي يعبر عنه بأسلوب حضاري يتواكب مع معطيات العصر. لكن يظل الإعلام هو المروج والصانع الحقيقي للفكر والثقافة منذ العصور القديمة على تواضع وسائل الترويج للثقافة وعنصرها الرئيس كان الشعر.. وكلنا نذكر الأعشى وكيف أعلم (وأعلن) عن بنات مضيفه العانسات والقصة معروفة).
الروائي والأديب عبدالله الجفري يرى أن مراوحة السؤال حول الثقافة وماهيتها مرتبط ارتباطاً وثيقاً بحجم ما تتركه حالة المجتمع من انطباع متباين حول رسالة المثقف لتأتي مداخلة الأديب الجفري على هذا النحو:
(كنت أتمنى لو أجبتك بأن (المجتمع) هو إنتاج ثقافة، فالثقافة تؤثر على المجتمع لأنها تسهم في تطويره، وتنضح وعيه وأنشطته، ومنجزاته، لكن (الثقافة) بتحييدها بعيداً عن رعاية الدولة منذ سنوات طويلة، وباعتبارها (فكرة) لا نُعبِّر عنها بل نتركها - إن استطاعت - أن تعبر هي عن نفسها.. صارت صنعة نخبة، وحتى هذه النخبة - بكل أسف - تسقط أحياناً في مشاهد خلفية..!).
الشاعر عبدالله بن عبدالرحمن الزيد يرى ثنائية المجتمع وثقافته على هذا النحو: (عندما تطرح فقرة وجودية معرفية بهذا الشكل فلا مناص من التداعيات الأصولية لهذا التناول وهي: الثقافة والعقل والحضارة، إذ لا يمكن الإفلات من تلك الوشائج والجدليات الواردة في صميم العلاقات بين هذه التداعيات.
وبما أن التناول سوف يتوزع في شبكة هذه الصلات، فإنه من الصعب جداً أن تفي هذه اللحظات بما يقتضيه التنازل والطرح والأداء لمهمات الرؤى الواردة، فما بالك بمهمات الاختزال المرعبة في هذه العوالم؟!
والمجتمع هنا لا يرد بمفهومه السهل، وتكوناته العادية في صنع الثقافة، وما يترتب عليها وإلا لما كان الآن هذا التنوع في مستويات الوجود البشري، لكن دعنا نفترض ونتصور المجتمع بنخبه وعبقرياته، فكلما تعددت وتنوعت وازدادت هذه النخب والعبقريات في المجتمع استحق هذا المجتمع أن ينتج ويقدم بدوافعه وأسبابه ومترتبات المنجز الثقافي الحقيقي.
فالنخب هنا ضاربة - لا شك - في جذور التكوين الثقافي، وحضورها لا بد منه، وعندما توجد الثقافة ففتش عن النخب والعبقريات.
هذا ونحن لم نتجاوز الوجود البشري الصرف البحت، أما عندما نستحضر ما وراء الحس والشعور والتفكير (أي عالم الغيب)، فسنجد أنفسنا أمام تكوين ثقافي بلا حدود، لا المجتمع ولا النخب يمكن أن تدَّعي شرف إنتاجه وإبداعه وحيويته وفاعليته).
الشاعر الدكتور زاهر بن عبدالرحمن عثمان ومن خلال تجربته الشعرية التي توجهها بديوانيين يرى كنه هذه العلاقة بين الثقافة والمجتمع، وأيهما الذي يحمل همَّ الآخر، ويؤكد بقاءه لتأتي رؤية الشاعر عثمان على هذا النحو: (أود في البداية أن أشير إلى حقيقة جوهرية تكمن في أنني حينما توقفت أمام كلمة نخبة، شعرت أنها تضع المثقفين في مرتبة أعلى من المجتمع.
أؤمن تماماً أن الإبداع هو نتاج مجموعة ذات تميز ما، أما الثقافة فهي تفاعل ذلك الإبداع مع المجتمع الذي ينتج هوية خاصة به تميزه عن المجتمعات الأخرى، لذلك وجب أن نفرق بين الإبداع بوصفه حالة تنبع من أشخاص، وبين الثقافة التي تنمو في ظل صياغة أي مجتمع لخطابه الإنساني الذي يرى أنه ضرورة لبقائه..).
القاص خالد محمد الخضري يرى الإشكالية على هذا النحو: (الذي يتبادر إلى ذهن المتلقي لمثل هذا السؤال يدرك بداية أن الثقافة كلمة عامة ينضوي تحت لوائها عدد من الرؤى، والأفكار والتوجهات، بل حتى العادات، والتقاليد لأي مجتمع في العالم، لذلك نجد أن لفظة (ثقافة) قد تكون عامة وواسعة الاستخدام.
أما لو أردنا أن نتناول الثقافة بوصفها إنتاجاً اجتماعياً له علاقة بالجمهور ندرك أن المجتمع هو المنتج الحقيقي لها، بينما نرى أن الإنتاج الإبداعي على وجه التحديد من شعر وقصة ورواية ومسرحية ولوحة فنية لا يمكن أن يقوم به إلا المبدع الذي يمتلك مقومات التميز والتطوير في رؤية المجتمع التي قد تبدو عفوية وعابرة.
المادة الجماهيرية يصنعها المجتمع، ويروج لها على نحو ما نرى في تجربة الشعر العامي، أو حتى في بعض الأعمال الروائية؛ لأن المادة تميل نحو الاستسهال والتبسط حتى يمكن لأي فرد من المجتمع أن يعيد صياغة مثل هذه الخطابات اللغوية على نحو يقبله المتلقي ليصفق له، ويفتش عنه في أي محفل أو منبر، والعكس صحيح أيضاً لأن الإنتاج الإبداعي الخلاَّق، المكتمل العناصر والصور من الناحية المعرفية واللغوية لا يمكن أن ينتجه المجتمع بالرؤية العامة، إنما هو ناتج حقيقي لتفاعل المبدع المميز من الوعي والمعرفة..).
فاصلة الخروج
ندرك - ومن خلال ما سبق - أن الرؤية العامة لهذه المقولات المميزة لهذه الاضمامة من الأدباء والمبدعين تسير في اتجاه واضح يميز بين ما يصنعه المجتمع من ناتج معرفي عام يؤثر في الرؤى العامة، وبين فرد يأخذ على عاتقه مهمة تقدم رؤية إبداعية مختلفة تجعله في مكانة أكثر خصوصية قد نطلق عليها بوادر (نخبوية) ممكنة تسترعي انتباه المتلقي وتقدم له فرضية أن يكون المجتمع منتجاً للحالة العامة بوصفها ثقافة في وقت يأخذ الفرد زمام المبادرة ليقدم ما يحسبه خروجاً على مألوف قول مكرور لا يقدم أو يؤخر.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved