الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 22nd August,2005 العدد : 119

الأثنين 17 ,رجب 1426

وظيفة الشعر والقصة وصراع الرتبة
د.صالح زيّاد
في ضوء الوجهة المقارنة في أوليات النقد العربي الحديث، كما عرضنا في مقال الأسبوع الماضي، استحالت بنية التراتب بين الشعر والنثر، أو الشعر والكتابة، أو الشعر أو القصة... فنما الشعر عبر مفاهيم التعبيرية والشعور والعضوية أو إيثار المضمون والنزوع إلى الاستقلال والواقع (الديوان والمهجر والشعر الحر). كما نمت القصة عبر مفاهيم الموضوعية والتحليل.. وانفسح المجال للإبداع والتلقي، إلى حد ما، خارج مدار القيود الشكلية والموقفية. وهنا نشهد اصطراعاً نقدياً على أفضلية القصة أو الشعر.
فالعقاد (1889 1964م) يقول:
إن قليل الشعر يحتوي من الثروة الشعورية ما ليست تحتويه الصفحات والمطولات من الروايات، فإن احتياج القصة إلى التطويل لبلوغ أثر الشعر الموجز هو وحده الذي يبين لنا أن قنطاراً من القصة يساوي درهماً من الشعر، وأن القصة في معدتها دون الشعر في معدنه، لأن النفاسة هي أن يساوي الشيء القليل ما يساويه الشيء الكثير.
ويقول يحيى حقي:
الشعر في الحقيقة بالنسبة لي هو قمة فنون القول، ولا تقاس عظمته بأي فن آخر، وأنا مستعد لأن أضع القصة أو الرواية في كيس وألقيها في البحر فتأتي شعراً، لأن الشعر هو خلاصة التراث، وهو الفن الحقيقي.
ويقول توفيق الحكيم:
(الفرق بين الأدب وبين القصة كالفرق بين المناطق العليا في الإنسان والمناطق الأخرى، وإذا كانت القصة تصور الإنسان في حياته، فإن الأدب يصور الفكر في حياة الإنسان، ذلك أن الإنسان ليس مجرد شخصية تتحرك في محيط البيئة المادية من ريف أو حضر أو منزل أو مقهى أو مكان عمل مما درج القصاصون على تسميته بالحياة الواقعية، ولكن الإنسان أيضاً فوق ذلك وأكثر من ذلك عقل يتحرك في عوالم فكرية مرتفعة، وهو روح يسبح في معان شعرية سامقة. فالعناية بحياة هذا الجزء الأعلى من الإنسان هو من اختصاص الأدب، ولكن انتشار القصة باعتبارها مطالعة سهلة قد دفع الكثيرين إلى اختصار الطريق، والهرب من الجهد...).
ومن الواضح أن تأخر رتبة القصة في الأقوال السابقة قائم على منظور وظيفي تعبيري أفضى إلى قياس الوظيفة الجمالية من منطلق شعري، وفق صفة الإيجاز والتركيز. وهو منظور مثالي، ولذا بدا بشكل أكثر وضوحاً عند توفيق الحكيم الذي جعل فضل الفكر وتقدمه على الواقع سبباً في تدني منزلة القصة في نوع من التجزيء للظاهرة الإنسانية والواقعية والأدبية بين العلو والدونية والعقل والواقع والأدب والقصة، وهذا يعني أن التراتب الذي تصنعه هذه الأقوال للأنواع الأدبية مؤشر على حضور القصة في ضوء علاقة مغايرة واختلاف مع سياق التبجيل للشعر، وأن منظور القراءة والتلقي والنقد لا يساوي بين قيم الأنواع وحضورها وإن تجاوزت.
لكن نجيب محفوظ يقف بالضد من الموقف السابق، فيقدم القصة على الشعر قائلاً:
( لقد ساد الشعر في عصور الفطرة والأساطير، أما هذا العصر، عصر العلم والصناعة والحقائق، فيحتاج حتماً لفن جديد، يوفق على قدر الطاقة بين شغف الإنسان الحديث بالحقائق وحنينه القديم إلى الخيال، وقد وجد العصر بغيته في القصة، فإذا تأخر الشعر عنها في مجال الانتشار، فليس ذلك لأنه أرقى من الزمن ولكن لأنه تنقصه بعض العناصر التي تجعله موائماً للعصر، فالقصة على هذا الرأي هي شعر الدنيا الحديثة. وسبب آخر لا يقل عن هذا في خطره وهو مرونة القصة واتساعها لجميع الأغراض، مما يجعلها أداة صالحة للتعبير عن الحياة الإنسانية في أشمل معانيها. لذلك توجد قصة عاطفية، وقصة شعرية، وقصة تحليلية، وقصة فلسفية، وقصة علمية، وقصة سياسية، وقصة اجتماعية)...
ومع أن نجيب محفوظ يتكئ هنا على وظيفة التعبير التي كانت سبباً لتقديم الشعر عند العقاد وحقي والحكيم، فإن مفاضلته بين الشعر والقصة تنبني على رؤية الشعر في إطار محدود وهو العاطفي والخيالي الذي مثله الوجدانيون الرومانتيكيون بقيادة العقاد، ولهذا يرتب تقدم القصة وفضلها على الشعر بشمولها التعبيري الذي جعله يعدد أنواعها العاطفية، والشعرية، والتحليلية، والفلسفية، والعلمية، والسياسية، والاجتماعية... وهي أنواع أو أغراض لا يخلو الشعر في المطلق كما لا تخلو المقالة أو المسرحية منها؛ لأنها إجمالاً أنواع للموضوع لا حدود للصيغ والأشكال. لكن نجيب محفوظ، إلى ذلك، يتخذ من العصر الحديث إطاراً لفعل القصة ووظيفتها على نحو يقطع الماضي عن الحاضر بالقدر الذي يفصل الشعر عن القصة، حيث يربط الشعر بالماضي القديم (عصور الفطرة والأساطير) والقصة بالدنيا الحديثة أو عصر العلم والصناعة والحقائق، لتستحيل الوظيفة إلى جدل الانعكاس الذي يؤكد علاقة الظاهرة الأدبية بواقعها التاريخي تأكيداً يولد الفن الجديد عبر كينونة إنسانية ذات خصوص تاريخي كما يُفْهَم من عبارة محفوظ تقوم على اجتماع: شغف الإنسان بالحقائق وحنينه القديم إلى الخيال.


zayyad62@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved