الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 22nd August,2005 العدد : 119

الأثنين 17 ,رجب 1426

من الحقيبة التشكيلية
أحمد منشي: إصرار البعض يجرفنا إلى حالة مسخ الهوية
محمد المنيف

يقول (بارت): (إن البنيوية نشاط يمضي إلى ما وراء الفلسفة عكس ما يتوقعه الآخرون بأنها فلسفة مدرسية أو حركة أو مفردات، وهي في حال كونها نشاطاً يبحث ما وراء الفلسفة فهي تعني جملة عمليات ذهنية تكشف عن قواعد التحكم في وظيفة الموضوع وتحاول إعادة بنائه).
وقد وجدت (السيموطيقا) كنسق للعلامات والدلالات المعرفية محل (السيميولوجيا) أو العلم العام للعلامات.
ووجد فيها الكثير مساحةً كبيرةً من البحث وكشف أبعادها لغةً مكتوبةً أو صوراً مرئيةً بصريةً كما شاهدناها في أعمال الفنان الأستاذ الدكتور أحمد عبد الكريم الذي أقام معرضاً لها في مدينة جده نهاية العام الدراسي الماضي يحمل عنوان سيموطيقيا، مشيراً إلى أنها دراسات نسق العلامات والدلالات المعرفية، هذا المعرض وتلك الأعمال التي أضافت وأضفت الكثير على الساحة المحلية مع ما أثارته من جدل في مجالس التشكيليين وملتقياتهم بين معارض وبين معجب وبين محايد، منهم من كان له فرصة للحوار مع الفنان ومنهم من كان يرغب في مثل هذا الجدل النافع والمفيد مهما اختلفت فيه وجهات النظر، مع علمي الأكيد بمساحة القبول لدى الدكتور أحمد عبد الكريم بهذا التوجه في الحوار نتيجة لقاءاتي المتعددة به، ولهذا ففي هذا الموضوع الذي سطره قلم الناقد التشكيلي الفنان أحمد منشي حول معرض الفنان أحمد عبد الكريم وما يتضمنه من وجهة نظر له علينا حق نشرها وللدكتور أحمد حق المتابعة والرد أيضاً ونحن صدورنا مفتوحة لكل حوار نكتشف ونستكشف من خلاله الكثير حول إبداع الفن التشكيلي وتجارب المبدعين فيه خصوصاً أن من يتحدث عنه الناقد أحمد منشي اسم له موقعه العربي وهذا مكسب للجميع في حدوث مثل هذا النقاش.
ثمة نوع من الخيانة المزدوجة يرتكبه المبدع العربي
اليوم وهو تبني خطاب ألم قبل وألم بعد.. فهو عادة يتلكأ ويتخاذل ويناور في
موضوعاته ويفيض على عالمه الفني والثقافي روائية مغلقة.. وملحفة بدثار الرؤى
المشوشة والزائفة في نفس الوقت، مما جعل المبدع العربي يعيش في صومعة أزمته الأزلية
التي ما لبثت فأصبحت أزمة الثقافة العربية ككل.
فالأزمات والمحن التي تمر بها
الممارسة التشكيلية في عالمنا العربي كقناة من القنوات الثقافية.. مؤشرات مؤكدة على
انقلاب الموازين، وسوء فهم العلاقة فيما بين الإفادة والاستفادة، ولقد تساءلت
كثيراً عن المسببات التي قادتنا لهذا الوضع التشكيلي المتدني.. وكنت حريصاً على أن
أكون صادقاً مع ذاتي أولاً ومن ثم مع الآخرين.. لمعرفة تلك المسببات.. فكان غياب
الوعي الفني يتصدر تلك القائمة.. حيث يفتقد وسطنا التشكيلي، العديد من المقومات
الأساسية المؤهلة لينطبق عليه مصطلح التشكيل الفني.. فهنالك عسر هضم، تسبب في عدم
القدرة على الاستيعاب.
فقد أصبح واقعنا التشكيلي بعد تفضيلنا الغرق في مسايرة
الأهواء على معايشة واقعنا الأليم.. تلك الحياة التي أفسدت ومازالت تفسد علينا
صالح الأعمال.. حالت دون أن تنير العقول وتستنهض النفوس.. في أن الرؤية بالخروج
عن المألوف والغموض هما الطريق الأمثل للتعبير عن ذاتنا وخصوصيتنا.. لتحجب بصائرنا وأبصارنا عن الحقيقة.. مزينة من المستحدثات قبيحها.. وملبسة ثوب القوة طريحها..
فإصرار بعض الأكاديميين من المغتربين والمستشرقين وسعيهم الذي جرفنا إلى هذه الحالة
من الانهزامية، قد زاد حماسهم.. لتطبيق النموذج الغربي وغرسه بأرض أمتنا تحت شعار
العصرنة أو التقدم، لمسخ شخصية وهوية أمتنا وإرثها الحضاري.. وكانت المعضلة
الإبداعية لعالمنا العربي نتيجة تلك الانهزامية، فإما أن يوجهوا اهتماماتهم لتلبية
ذوق اليوم.. أو أنهم سوف يرون أنفسهم قد ابتعدوا إلى الصفوف الخلفية.. فكان
الاختيار الأول هو الأضمن لبقائهم نخبة لعصر النكبة.. فكان السقوط في هاوية العبث
من خلال الافتعال لا التفاعل.
فمعرض (حوار أحمد عبد الكريم مع سيموطيقا الفنون
البصرية) الذي أقيم مؤخراً بصالة أتيلييه جدة للفنون، جاء لتأكيد تلك النظرة.. ففي
الوقت التي أشارت إليه معظم الدراسات في عمق بحوثها إلى أن التشكيل العربي مازال
يعيش غربة قاسية، في محيطه العام والخاص، بما أملته عليه الوقائع العامة لإيجاد شرعية تواجده على الخارطة الاجتماعية، نتيجة لعصيانه الانخراط في الفعل الواقعي
اليومي في محاولة لدثر حوار الحاجة للفعل الفني خارج البكائية على الوضع المتردي
الماضي والحالي، باعتبار مستقبله يشكل الملجأ لانتصاره على الرغم من كونه مازال
يبحث حتى وقتنا الحاضر عن منطلقات لأطروحاته.. العاجزة عن تشكيل كينونته العصرية،
والإجابة على التساؤلات الفكرية للإنسان العربي، الذي ضاق ذرعاً بالحيز المجهزّ
سلفاً لحراكه الثقافي والفني والانفعالي، مما أدى إلى تقليص الرغبة في تنظيم عملية
التحديث وليس الحداثة على اختلاف المعنى، داخل حراك اتسم بضيق المجال مهدد بالعبث
ومنذر بالتشتت، الأمر الذي يبشر بغلبة التمرد للقيم واضطهاد الذات بنفيها على كافة المستويات، في محاولة لتجاوزها، لنفي الفنان عن النواة لبناء شخصيته وهويته، من
خلال إقامة قيم موازية مزيفة إلصاقية لفرض قامة إبداعية بكائية جديدة مقرونة بنحيب
لافتقادها للذاكرة المحافظة للتناسق والتناغم لنحرم حتى من مجرد الاحتجاج الجمالي
والمعرفي.
ولا أدري لماذا لجأ د. أحمد، إلى فرض أرستقراطيته للفنون البصرية بهذه
الصورة الباهتة؟ ألا يعلم بأن في ذلك.. اجترار لحركة ثورية قامت ثم بادت ضد الفن في
موسكو (روسيا) خلال العقد الثاني والثالث من القرن العشرين؟ حيث إن البنائية
(البنيوية) القائمة على الدال والمدلول والعلاقة القائمة فيما بينهما حركة تبرأ
منها روادها.. ونعاقها.. إلا أن تبعثر أفكار الفنان الأكاديمي، الذي اعتقد خطأً
بأننا سُذَّج لا نفقه شيئاً في الفنون، وأنه العالم بسرائرها.. قد حال دون تفاعله
الثقافي للبحث عن مرفأ ينطوي على المزيد من الإمكانات والقدرات التي يبحث عنها
ليتمكن من استثمارها وإيجاد مداخل ثقافية متنوعة لإثراء تجربته الجمالية، فما قدمه
في معرضة يعد سم أرستقراطية الفنون البصرية، لا سيموطيقا الفنون البصرية، في
محاولة.. لإعادة تفكير شعوبنا بحيث يصير مماثل للطرف الآخر..
فظهور جيل من هؤلاء
نجده عاجزاً عن مواجهة مشكلات التكييف مع القدرات المحلية واستغلالها..مما أحدث هوة خطيرة عميقة بين النخبة.. والجماهير.. وقد يكون مبرراً..
ولكن ما مبررات من تتلمذ بحلوان في تحليل محتوى نظم الزخارف الهندسية الإسلامية؟
أليس في ذلك.. تخاذل ومناورة؟.


monif@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved