الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 22nd September,2003 العدد : 29

الأثنين 25 ,رجب 1424

قصة
الوقت الضائع
* منى الزيني
في كثير من الأحيان قد تأتي الشجاعة متأخرة، ربما نتخذ القرار الصحيح ولكن بعد فوات الاوان، أي في الوقت الضائع هذه الكلمات هي ما اختلج وتلاطم كالموج القاسي في نفس «نشوى» نعم فهي الآن كما يقولون تحاول الوصول للشاطئ بمجاديف مكسورة
عادت للوراء كثيرا عندما هاجمها شبح العنوسة وحاول وأد احلامها في بيت وصغار ورجل تتقي به برد الليالي الطويلة.. رجل تضع رأسها على كتفيه بمتاعبها ليحملها عنها.. حاولت المقاومة ولكن دون فائدة فهي إنسانة.. بشر لا تستطيع تجاهل رغباتها.. كل يوم كانت تزداد رغبتها في البحث عن الدفء عن الحب عن الحياة المفعمة بالعواطف المتأججة بداخلها
في وسط تلك المشاعر المتلاطمة وجدت يده ممتدة إليها بكل ذلك.. ترددت فقد كانت خائفة من نظرة الناس لها فهي أكبر منه سنا.. مستواه الاجتماعي لا يقارب
الارستقراطية التي تنتمي إليها.. متزوج ولديه ثلاثة أطفال.. اي ليس هناك ما يشجع على أن تخطو تلك الخطوة التي اعتبرتها وقتها خطوة طائشة لا يحركها الا رغباتها المتقدة بداخلها، تشجعت وصارحت امها بما تعانيه، ولكنها لم تفاجئها حين قالت صارخة انه افضل لها أن تعيش عانساً طوال حياتها ولا تتزوج واحداً من ذلك المستوى المتدني في نظرها «لا اصل ولا فصل»
ومرت الأيام وهي تقاوم تلك الرغبات ولكن في إحدى الليالي الباردة أسلمت نفسها للواقع.. لم يكن هناك عرس بالمعنى المفهوم ولكن عقد القران وحضر الشهود أغراب لم تعرفهم ليس بينهم اخوها ولا عمها ولا اي من اقاربها كانت وحدها.. امها ليست معها ولا اخواتها هي فقط كان شرطها الاساس أن يبقى زواجهما سرا حتى تأتي اللحظة التي تستطيع فيها البوح بهذا السر ومرت اللحظات واحدة تلو الاخرى وهي تختلس بعضا من السعادة ثم تعود لتنام في حضن امها.. في البداية ارقها الشعور بأنها خانئة لأهلها برغم أن زواجها زواج شرعي صحيح، ولكن دائما في عينيها انكسار وفي حلقها غصة.. دائما تشعر انها تسرق السعادة وليست تحياها.. وجاءت المفاجأة
: مبارك يا هانم أنت حامل
دارت الدنيا بها.. مادت الارض من تحت اقدامها
كان مفترضا أن تطير فرحا.. فقد تحقق احد احلامها ستصبح اما لم تنكر انها شعرت بالسعادة كأنثى اثبتت صلاحيتها برغم تخطيها الخامسة والثلاثين
.. لكن الخوف من كلام الناس وغضب اهلها كان أكبر من تلك السعادة
ماذا أفعل؟ ماذا سيقولون عني؟ ماذا والف ماذا وكأنها ارتكبت معصية
انهارت مرضت.. لم تبح بما بها حتى لزوجها الذي لم يكن له ذنب سوى انه احبها وارتبط بها كلما حاولت البوح لأمها بما بها توقف لسانها عن الكلام.
واخيرا اتخذت قرارها.. اتخذته وحدها دون ان تستشيره او تسأله
خرجت من العيادة وهي فاقدة لتوازنها فهل ما فعلته صحيح ام لا؟
ولكنها شعرت براحة زائفة لأن سرها سيظل كما هو مرت السنوات، وليست الايام وكل ما تناله من زواجها هو تلك اللحظات القليلة التي تسرقها من امها واهلها وابناء زوجها وزوجته.. شعرت بالملل والرغبة في العيش الحقيقي.. خنقها الشعور بأن زواجها كان من اجل الرغبة في المعاشرة فقط.. لم تعد تستطيع التحمل فكل ما تريده أن تعيش حياة طبيعية.. ان تستمتع بالنوم في فراشها للصباح أن تنهض لتحضر الفطور أن.. تحسست بطنها أن تحقق حلمها في الامومة
ذلك الحلم الذي لم يعوضه النجاح المادي الذي حققته مع زوجها
وأين كان هو من كل ذلك.. كان موجودا عند الطلب فهي ربة العمل لم يستطع ابدا ان يعارضها في شيء، وإن كان دائما على استعداد تام لاعلان زواجهما، فمن جهته كانت خلافاته الدائمة مع زوجته تدفعه للطلب منها ان يعلنا زواجهما حتى يعيشا حياتهما، وفي لحظة من لحظات الصدق مع النفس قررت البوح بسرها وازاحة عبء السرية عن عاتقها ودون اية مقدمات وبشجاعة كانت تفتقر اليها دوما ولا تدري من اين اتتها جمعتهم واخبرتهم انها متزوجة منذ عدة سنوات.
نزل الخبر كالصاعقة على الجميع، صفعها اخوها الكبير على وجهها واتهما بالفجور، صرخت امها متبرئة منها.. اختاها الاكبر منها نظرتا اليها نظرة غريبة لم تستطع تحديدها.. ربما كانتا تقولان في نفسيهما: يا حظك فقد عشت حياتك وتحررت من اسر العنوسة
خرجت مطرودة تلملم احزانها وتكفكف دموعها.. ولأول مرة ارتمت على صدره وظلت تنتحب ولم تشعر بما حدث بعد ذلك.. فتحت عيونها قامت فزعة من ضوء الصباح ظنا منها انها تأخرت عن العودة لأمها ولكنها وجدته نائما بجوارها لأول مرة فتذكرت ما دار بالأمس، قامت من فراشها هذه اول مرة تمارس حياتها الحقيقية بعد سنوات من زواجها ، شعرت بسعادة غريبة وهي تعد له الحمام، وتحضر الفطور، وتجلس معه في استرخاء
ارادت للزمن ان يقف بها عند تلك اللحظات ولكنها افاقت على ما سيحدث بعد ذلك؟ عاد في المساء واخبرها انه اخبر زوجته فلم تبد ردة فعل تذكر فقد كانت حياته معها
منتهية منذ زمن ولكنهما يعيشان معا من اجل الا يتشتتا الاولاد
طلب منها أن تنتقل للعيش معه في البيت المجاور لبيت زوجته السابقة واولاده لانه لا يستطيع أن يتركهم دون رعاية وافقت على الفور فهي تريد أن تعيش حياة طبيعية ولا تريد أن تستأثر به وحدها تركت موانع الحمل وكلها امل في أن تسمع خبرا سعيدا في القريب العاجل، ولكن مرت الشهور وهي مترقبة.. لم يخالجها الشك في أن يحدث الحمل بمشيئة الله.. ولم لا وقد حملت قبل ذلك وتخلصت من الجنين خوفا من انكشاف سرها انقطع الطمث.. فرحت كما لم تفرح من قبل.. اسرعت بالذهاب للطبيبة وبعد عمل الفحوصات جلست وعلى وجهها فرحة لم تحيها من قبل صمتت الطبيبة لا تدري ما تقول
خير يا دكتورة؟ مدة الحمل كم؟
للاسف ليس هناك حمل يا سيدة نشوى
هل تقصدين ان الحمل هذه المرة حمل كاذب
: لا
ماذا اذاً؟
أعتقد والعلم انه لن يكون هناك حمل بعد الآن فقد دخلت في سن انقطاع الطمث
: ماذا تقولين يا دكتورة فما زالت في الخامسة و...
سكتت فقد أعمتها فرحتها عن حساب عمرها.. يالله مر على زواجي في السر سبع سنوات! كيف لم أنتبه انني قد تخطيت الاربعين؟
صارحتها الطبيبة: اظنك تذكرين انني حذرتك من الاجهاض السابق واخبرتك انه حمل عزيز ويجب بمشيئة الله الحفاظ عليه
: نعم شكرا لك
خرجت لا تدري أين ولا كيف تمشي؟ يبدو أن الخطوة الواحدة الخاطئة تجر وراءها خطوات كثيرة اكثر خطأ ها انا كمن وقف في منتصف السلم لاطلع ولا نزل
وتساءلت هل استمر في اللعب في الوقت بدل الضائع؟ ام تعلن الصافرة انتهاء المباراة.. هذا مالم تقرره بعد


molhema@naseej.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved