الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 22nd September,2003 العدد : 29

الأثنين 25 ,رجب 1424

وأيضاً من طرائف الرقابة مرة أخرى!!
محمد عبدالرزاق القشعمي

اتصل بي عدد من الأصدقاء وقابلت بعض الأدباء الذين أبدوا إعجابهم بما تم تناوله من قصص سبق ان نشرت في حلقة ماضية تحت عنوان «من طرائف الرقابة»، وتحقيقاً لرغبة من طلب المزيد من هذه يسرني ان اعود إلى ما عاناه الرواد من الصحفيين، وما سطروه في كتبهم أو إلى ما نقل عنهم ونشر في بعض الكتب.
في عام 1403هـ وعند فوز الأستاذ أحمد السباعي بجائزة الدولة التقديرية في الأدب في دورتها الأولى مع الأستاذين حمد الجاسر وعبدالله بن خميس ذهب الزميل ناصر الحميدي إليه بمكة المكرمة، ليجري معه حديثا صحفياً وليهنئه بالفوز، فتطرق في حديثه الطويل إلى تجربة المسرح وإلى تبنيه إقامة مسرح إسلامي بمكة المكرمة عام 76/1377هـ، وقد أخذ موافقة من جلالة الملك سعود واستعد لهذا الحدث بأن أحضر بعض الممثلين من الخارج، ودرب البعض، وجهز خشبة المسرح بجوار منزله، وصف الكراسي، ودرب الفريق المسرحي على الأدوار، واختار ان يبدأ بمسرحية «صقر قريش»، تحرك المعتقدون ان المسرح هو «الكاباريه» أو مكان اللهو والطرب وشرب المسكرات وغيرها، وكان الملك يستشفي في جنيف فأبرقوا له بشكل جماعي يطالبونه بمنع المنكر قبل ان يحل الغضب في مهبط الوحي، فجاءت البرقية للسباعي رحمه الله ليلة العرض الأول بأن أوقف عرض المسرحية حتى اشعار آخر.. وما زال ينتظر لما يقرب من أربعين عاماً.. وقال لناصر بعد ان رفع جزءاً من الغطاء الموضوع على الكراسي كي لا تتسخ: تركتها كما هي ولن أحركها حتى يأتي الإذن أو أموت، وهكذا مات المرحوم السباعي والمسرحية لم تعرض.
ومن طرائف الصحافة: ان مر زمن كانت العلاقة الدبلوماسية فيه مقطوعة بين المملكة والصين الشعبية، وكان التمثيل بين المملكة والصين الوطنية «فرموزا» فكان رئيس التحرير كلما يرد الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «اطلبوا العلم ولو بالصين» يضيف بقلمه بعد كلمة الصين «الوطنية» خوفاً من الرقيب.
وللأستاذ إبراهيم الفلالي قصة مع الرقيب يذكرها أستاذ النقاد عبدالله عبدالجبار في كتابه التيارات الأدبية الحديثة، فيقول: لما ألف الفلالي كتاب «رجالات الحجاز» وعرض على الرقابة استدعته واستكتبته تعهدا بأن لا ينشر الكتاب ولا يطبعه، وإذا فعل فيكون جزاؤه صارما رادعا.. وذلك، لأن الكتاب كما تزعم يسيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما جاء فيه، ومن مأخذ الرقابة على هذا الكتاب حديثه عن عبدالله بن عباس من «ان ذهنه كان كعدسة الآلة المصورة لا ترى شيئاً ولا تمر على شيء إلا التقطته» فقالت الرقابة: أي كفر أبلغ من هذا؟ ذهن ابن عم الرسول كعدسة آلة التصوير التي صنعها النصارى أيشبه صنع الله تعالى في صحابي جليل بصنع النصارى؟ هذا كفر!
ونشر الفلالي أيضاً قصيدة في الغزل عدها الرقيب الديني خارجة عن حدود الأدب واللباقة فمنع نشر الشعر الغزلي وظل هذا المنع جاريا مدة من الزمن.
وذات مرة اشترك الفلالي في استفتاء لمجلة المنهل عن الطريقة المثلى التي نحسن بها اقتصادنا وكان ذلك قبل اكتشاف البترول وكتب الفلالي في جوابه يقول ما فحواه: إنه يجب علينا ان ننظم أخذ الزكاة من الأغنياء وذلك بإجراء احصاء دقيق متقن للثروات التي بأيدي الأغنياء، ونأخذ الزكاة الشرعية من كل صاحب ثروة ونضع المجموع في مشروع تجاري أو صناعي أو زراعي، وبذلك نشغل كثيراً من الأيدي العاطلة ولا يخشى على المشروع من الفشل، لأن الزكاة تؤخذ من الأغنياء على رأس كل عام وبذلك تمتد الثروة، وتتوالد المشروعات الصالحة بالنظر لمورد الزكاة الثابت في كل عام.
والإسلام حينما فرض الزكاة ترك لنا حرية تنظيمها في كل عصر بما يناسبه واستشهد بتنظيم الخليفة الثاني عمر بن الخطاب لبيت مال المسلمين في عصره مع ان الأموال كانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم تجبى وتوزع في الحال وكذلك في زمن أبي بكر الصديق، ولكن تطور الزمن لم يمنع عمر بن الخطاب من مخالفة الطريقة القديمة وتنظيم الأمور بحسب ما تقتضيه المصلحة في الزمن الذي يعيش فيه الناس».
وعرض المقال على الرقابة فإذا بها تقول: إن هذا الكاتب شيوعي، وهي لا تجيز نشر المقال، ثم ادخلت عليه تعديلات أو بالأصح تشويهات فأصبح لا فكرة فيه ولما نشر المقال خيّل لكل من قرأه، انه يقرأ كلاما غير مفهوم.
ويعلق الأستاذ عبدالفتاح أبومدين رئيس تحرير صحيفة «الرائد» على المؤتمر الصحفي الذي عقده ولي العهد سمو الأمير فيصل بن عبدالعزيز آنذاك يوم السبت 24/7/1379ه بالرياض، وأعلن فيه رفع الرقابة عن الصحف وجعل رؤساء التحرير رقباء على أنفسهم.
فيقول في كتابه «وتلك الأيام».. ثم كانت تلك المفاجأة المفرحة، لأنها تعطي الثقة للإنسان كاختبار له، لكي يعرف ماذا يصنع بها، وإلى أي مدى هو خليق بها، وكيف يتصرف وهو يمارس عمله في ظل رقابته على نفسه، ولا رقيب عليه سوى خالقه، ثم الحكومة، بعدما يقدم عمله الذي يتحدث عنه، كنت ممن فرح بهذه الثقة، وهو رفع الرقابة عن الصحف، وكنت مشفقاً مع المشفقين، لأن هذا الامتحان ذو حدين، فما هو عندك مباح، قد يكون عند الدولة غير مباح، وقد أشرت من خلال هذه الصفحات ان ما هو مباح اليوم قد يكون محرما غدا، وما أبيح بالأمس قد يصبح محرما اليوم وهكذا.. على أية حال، فإن أية نسبة من الحرية تفيد، وهي خير من لا شيء. ومنح الثقة.. وان كان امتحانا أو يقصد به ذلك، إلا انه اعتراف بمنح حق لذويه وهي تجربة كما أشرت، وعلى المرء ان يكون فيها، ان يمارسها بوعي وحذر، وان يكون متيقظاً وفطناً، وإلا وقع فيما يكره، وربما طالب ان تبقى الرقابة على الصحافة، لأن بعض الناس لا يستطيع ان يبصر، وان يعمل في النور، وإنما هو يفضل الظلام، ولا يريد الحرية، لأنه لا يستحقها وليس أهلاً لها.. وهذا نموذج فاسد لا يعتد به، وليس له حساب عند الذين يعرفون قيمة الحرية ومعطياتها».. «قال الفيصل للأخ حسن أشعري.. «ارفع الرقابة عن الصحف، فهؤلاء مواطنون.. يعرفون مصلحة بلادهم» وكان ذلك وساماً من أوسمة الحرية.. ومن ذلك اليوم، أخذنا نمارس الرقابة على أنفسنا، واسترحنا من المراقبين وعنتهم، واعطينا أنفسنا.. بعض الحرية، أكثر مما كانت عليه الحال.. يوم كانت الرقابة تضغط على أنفاسنا، ولابد ان تستريح وتريح، فقد كنا مصدر تعب للمراقبين، تصل الحال ببعضنا إلى شكواهم إلى مراجعهم.. «وقال بعد ان انتهى عصر صحافة الأفراد وعمل في جريدة عكاظ كمسؤول عن العدد الأسبوعي في عصر صحافة المؤسسات.. «اذكر اني كتبت مقالا في الصفحة الأخيرة من عكاظ الاسبوعية عنوانه كلمات فيها مصارحة انتقد فيه بلدية جدة يومئذ، وكانت شركات تشارك في أخذ «مناقصات» تزفيت الطرق ونحوها.. كتبت انتقد بعض مرافق البلدية ولم انتقد العمل الذي تؤديه شركة بعينها، وإنما أعمال شتى، ويوم صدر العدد ساءت الحال مع مدير المؤسسة العام. وجاء في اليوم التالي ليوجه إلي كتاباً يعلن فيه ان ما كتبته ليس نقداً ولا ينبغي ان يكون.. ثم أخذ مني مواد العدد القادم، وفرض نفسه رقيباً عليها رغم ان الدولة ألغت الرقابة على الصحف، وحملت المسؤولية رؤساء التحرير ومن ينوب عنهم.. كانت حال تشنج التي مارسها معي مدير المؤسسة العام، وأدركت أبعادها ولم أجادل في شيء، ثم كلف أحد المحررين، ليكتب رداً على لسان رئيس البلدية، وعندي «مسودة» هذا الرد، ولم أره إلا مجموعا ومنشورا، والمسألة تحد وليس قرع الحجة بمثلها..»
ويذكر الأستاذ عبدالكريم الجهيمان في شهادته المنشورة في كتاب «البدايات الصحفية في المملكة العربية السعودية 1 المنطقة الشرقية» عن سبب ايقاف صحيفة «أخبار الظهران».
«.. أما كيف تركت هذه الصحيفة ورئاسة تحريرها فالسبب في ذلك انني نشرت فيها مقالا عن تعليم المرأة بتوقيع «محمد بن عبدالله» وقامت بسبب هذا المقال زوبعة من النقد لهذا المقال من بعض المواطنين محدودي التفكير والذين منهم من هو ضد تعلم المرأة.. والفت لجنة سألتني من كاتب المقال فأجبت بأنني لا أعرفه فقيل لي: إذاً فأنت المسؤول عما فيه فأجبت بنعم.. فقيل لي أما تعلم ان تعليم الفتاة والدعوة إليه سابق لأوانه فقلت: انني نشرت هذا المقال لعله يجدد هذه الفكرة، ويهيئ الجو لهذا الاتجاه. ولكن اللجنة لم تقنع بالمبررات التي قلتها وقررت ايقاف الصحيفة حوالي عشرين يوماً، كما قررت ايقاف رئيس تحريرها المسؤول مدة مماثلة».
وبمثل ذلك يقول الأستاذ سعد البواردي صاحب ورئيس تحرير مجلة الاشعاع التي أصدرها بمدينة الخبر بالمنطقة الشرقية في شهر المحرم عام 1375هـ.
«طوت صفحة عامها الأول، دلفت إلى عامها الثاني وقد أخذت حجما أكبر في مقاسها.. كان لسانها في بعض الأحيان لاسعا ينقصه الدفء..
الأقلام مشبوبة تتعامل مع ما حولها بجرأة حادة تفتقدها صحافة اليوم، لأنها كانت تعيش عصر تحولات سياسية واجتماعية..
ومن هنا جنت براقش على نفسها.. وجاءت القشة التي قصمت ظهر البعير يوم ان وقفت متصدية لبعض التجاوزات بحماس زائد عن الحد.
صديق وزميل يعمل في حقل الأدب كان السبب.. هكذا أوحى المرحوم الشيخ عبدالرحمن القويز لبعض المقربين منه، قال بأمانة النقل: إن صاحبنا حمل العدد الثالث والعشرين من مجلة الاشعاع الصادر في شهر ذي القعدة عام 1376هـ.. إلى المرحوم الأمير عبدالله بن عبدالرحمن واضعا اصبعه على الدمل كما يعتقد قائلاً لسموه.. «انظر ماذا يقول سعد البواردي عن.. وعن..»
توسعت دائرة الاشكال.. والسؤال.. والمساءلة..
ونجد الأستاذ أحمد السباعي يقول في كتابه «أيامي»: وكنت متحمسا لتعليم الفتاة بشكل حاد، فأنشأت اكتب في اسهاب، محبذا تعليمها بشكل أثار علي حفيظة الكثير وعرضني للنقد اللاذع فرأيتني اتحايل على الفكرة.
شرعت أكتب بتوقيع «فتاة» فصولاً متسلسلة جعلت الفتاة فيها تصف نشأتها التعليمية وما نالها من عناية أبيها وأخيها حتى تذوقت معنى الحياة وبدأت تنمو بأفكارها إلى مستويات باتت محسودة عليها.
كتبت هذا في بحوث مستفيضة، فلم ألبث ان وافاني تعليق لفتاة لها شخصيتها المعروفة بين بيوتات مكة، فتركت المجال يتسع بينها وبين الشخصية الخيالية حتى طال، وحتى ظن القراء انه نقاش جاد بين شخصيتين لا يشك مرتاب في جهودهما.
وزارني في أحد الأيام عين من مكة يسألني ان أصارحه باسمي الفتاتين.
قلت ولكن النظام لا يبيحني هذا، قال ولكني أنوي خيراً، فأنا قادم على زواج ويسرني أن أجد الفتاة المتعلمة التي تسعدني.
قلت أما والأمر ما ذكرت، فثق اني لسوء حظك أحد الفتاتين!! أما الثانية فهي من بيت فلان!!
فلم يملك ان سمع اسم هذا الفلان حتى أسرع يطلب يد المصونة وهي اليوم والدة لخمسة من شبابنا أشرفت على تنشئتهم اشرافا لا تحسنه أم جاهلة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved