الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 22nd November,2004 العدد : 84

الأثنين 9 ,شوال 1425

أعراف
عودة إلى (العودة) (2)
محمد جبر الحربي
(تلك نهاية الأوقاتِ، فاتحة القصائد في شغاف القلب
أنتِ قصيدتي الأولى
سيكتبها الصغار على دفاترهم
ستحملها حقائبهم، كوقع الموكب التتريّ
أنت قصيدتي الأولى،
سأكتب فيك ما أهواه من وطني
ومن عينيك
أسبح في غديرهما
أكون سؤال صعلوك، تبعثر في فجاج الأرض
أوقدَ نار شهوته، على الفلوات
أنت قصيدة الأوقات
حين ترين أسئلتي تخف إليك
تسأل عن بذور العشق، واللعنات
كوني أرحم اللعنات،
في وجهي
أو انبثقي
انبثاق شرارة المنفى)
هذا الدفء والجمال، وهذه الحرقة من قصيدة (فاتحة القصائد) التي أبدعها شاعرنا عبدالكريم العودة عام 1982، وهي تحكي وتحاكي عبدالكريم بهدوئه الصاخب، وتطلعه القلق، وأسئلته الجادة الهادفة، وعمقه الذي لا يُسبر، وعشقه الأخّاذ للوطن، والناس.
بل هو عبدالكريم ساعياً أبداً بين الخوف والحلم، بين الحلم والخوف على الحلم:
(هنالك ترقص الصحراء عارية،
وتورق في عيون الخيل آمال مسرّجة
وحين تُقلها الهضبان من نجدٍ
وتمنحها الجبال السمر لهفتها
تضجّ الأرض بالأسرار
تودع في عذوق النخل سر الصرخة الأولى
تمرّ بنا الخيول الحمر مسرعة، وقد وردت
على ماء ببادية الحجاز
فهفّت الأوراق للفرح الرسولْ.
هذا النخل من (جيزان)
من (نجران)
من بوابة (الاحساء)
من نبع بأطراف (القصيم) جرى
فكان الشعر..
كان الموتُ يُمعنُ في تودّده)
هو عبدالكريم إذاً بتلفته الدائم حين كل الجهات الوطن.
وهو عبدالكريم إذاً يصوغ أفكاراً لا تفسد الشعر، بموسيقى عالية
متماوجة ولكنها لا تسرق الشعر أيضاً، إنه الشعر الخالص لا يتأتى إلا لمن وهبهم الله أسراره:
(هذا الوقت فاتحة، كما تدرين
هذا الصمت في عينيك، نبع قصائدي الظمأى
تقولين المدى رحب،
وشارعنا الذي هدموه لن ينسى طفولته
تقولين المدى بيتٌ ومدرسةٌ
وحين تغادرين البيت، تأخذك المواعيدُ
كأن مداخل الطرقات لم تأبه لمشيتنا، وشكل لباسنا
المرتاب، رجفة صوتنا الشجري يطلعُ من غبار الرمل
ننظرُ في وجوه الناس عند تجمع العربات في الشارات
يقتلهم لهاث الشمس..
يفاجئهم نداء البائع الجوال محتضناً جرائده..)
(تلك نهاية الأوقات)
بل بدايتها، طالما أن هناك (فاتحة للقصائد)، طالما أن هناك قصائدٌ، وشعرٌ عالٍ كهذا.
ومثقفون كهؤلاء.
وإذا ما عدنا إلى سؤالنا في نهاية كتابتنا السابقة عن عبدالكريم وهو: لماذا لم نعد نرى مثل هذا الإبداع إلا قليلا؟!
اجبنا بأن لذلك عدة أسباب، ومنها:
افتقاد العين الثاقبة الكاشفة.
افتقاد الإحساس العميق بالوطن وقضاياه.
وإذا ما وجد هذا الإحساس، طغى الخطاب على الشعر.
ندرة المواهب الشعرية الحقيقية.
النزوع إلى القراءة بشكل مكثف، ولكنها قراءات ناتجة عن اختيارات حسب الموضة، ورغبات في الاستعراض، لا قراءات انتقائية هادفة.
الاعتقاد بأن التجديد محصور في الخروج عن العمود او التفعيلة.
وغير ذلك من العوامل.
ولكن هذا لا ينفي وجود أصوات شعرية مميزة، رغم قلتها.
وفي النهاية، لقد مررنا سريعا على تجربة الشاعر عبدالكريم العودة، إشارة منا إلى مثقف نادر، وشاعر مميز، ولمحة وفاء، واستعادة لزمن مميز ونحن نعيش في زمن غير مميز، او هو مميز بالفعل!!


mjharbi@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved