الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 22nd November,2004 العدد : 84

الأثنين 9 ,شوال 1425

أثر التراث الشعبي في تشكيل القصيدة العربية المعاصرة
قراءة في المكونات والأصول
تأليف: كاملي بلحاج
دمشق: اتحاد الكتاب العرب، 2004
**
تحاول هذه الدّراسة أن تستكشف الجوانب الفنية والدلالية في الشعر العربي المعاصر وبالخصوص تلك التي لها علاقة بظاهرة توظيف التراث الشعبي إذ لا يكاد ديوان يخلو من الإشارات الفلكلورية والرموز الأسطورية، والأجواء الشعبية المعروفة لدى العامة والخاصة، أو تضمين هياكل أسطورية وأشكال شعبية قديمة أو حديثة للتعبير عن مضامين جديدة وتجارب معاصرة.
ومن ثمّ باتت هذه الظاهرة في حاجة إلى بحث يعمق دلالتها، ويستكشف أصولها ومرجعياتها الفكرية والحضارية، ويحدد قيمتها الفنية.
تتوجّه هذه الدراسة في ضوء ذلك إلى محاولة إزاحة اللثام عن أسباب اهتمام الشعراء المعاصرين بالتراث الشعبي وطرائق توظيفه، وما اكتسبه النص الشعري من خلال استعانته بأشكال التعبير الشعبي.
كما تتوجه في الوقت ذاته إلى اقتراح بعض الأساليب الفنية في استخدام هذا التراث التي من شأنها توضيح الرؤى والمعالم، وبالتالي تجنيب الكتابة الشعرية الوقوع في الحشد والتكرار وغيرهما من المزالق الفنية، كالغموض الناجم عن العجز في تمثّل هذا التراث، أو طغيان أحد الملمحين (التراثي أو المعاصر) على الآخر، أو التأويل الخاطئ لبعض الشخصيات والأحداث، أو التقليد الناتج من التشابه المفرط في طرائق الاستخدام والتوظيف.
وهي تهدف إلى:
أولاً : الوقوف عند النص الشعري المعاصر والكشف عن مكوناته الفنية ومرجعياته الفكرية.
ثانياً: تقريب هذا النص من القارئ بإزاحة بعض غموضه الناجم عن توظيف الأساطير والرموز ذات المناحي الفلكلورية.
وثالثاً: تقريب القارئ من النص بتزويده ببعض الآليات التي تمكّنه من الولوج إلى أعماق القصيدة واستكشاف أسرارها.
يقول المؤلف في مقدمته: (يؤمن الدّارس إيماناً قوياً بصعوبة قراءة النص الشعري المعاصر وفهمه فهماً صحيحاً في غياب مثل هذه الدراسات والإلمام بالتراث الميثولوجي الإنساني عموماً، لأن هذا النص تأسس في اعتقادنا أصلاً عندما انفتح على هذا التراث فتأثر به وأثر فيه.
وذلك بعض آفاق هذه الدراسة التي تطمح إلى التأسيس لقراءة جديدة تستحضر السياق دون أن تغض الطرف
عن نسقية النص حين يتحوّل الأسطوري إلى شعري. وبعد فحص المادة والإلمام بجل جوانبها تراءى لي أن أتناول الموضوع انطلاقاً من خطة كانت تبدو أنها ستقود إلى الغايات التي رسمت، وهي الكشف عن بنية هذه القصيدة ومرجعياتها الفكرية والجمالية، من خلال الوقوف عند المصادر والخلفيات التي كان يستقي منها الشعراء مادتهم، والأساليب التي كانوا يستعملونها.
وانطلاقاً من طبيعة الموضوع نفسه والغايات التي حاولت تحقيقها، كان من الضروري الاشتغال على النصوص الشعرية، وآراء الشعراء حول الظاهرة، دون الانسياق وراء الجوانب النظرية إلا في الحالات التي تقتضيها الضرورة.
ولعل ذلك ما جعل الدراسة تغض الطرف عن كثير من القضايا النظرية للآليات التي اختارتها أن تكون مصاحبة لها في قراءة المتون الشعرية على الرغم من قيمتها في مثل هذه الحالات. غير أن طبيعة الموضوع كانت تقتضي الابتعاد عن التنظير ومقاربة النصوص مباشرة.
كما أن اصطحاب النظريات من شأنه أن يحد من حرية الدّارس في قراءة النصوص ويجعله سائراً وفقه وتلك بعض معضلات النقد المعاصر الذي يغوص في التعاريف دون أن يمكنه ذاك من الولوج إلى عالم النص الذي لا يرتضي دائماً قواعد عامة قد تصلح لنص ولا تصلح لآخر
تم تقسيم هذه الدراسة في جزئها الأول إلى تمهيد وفصلين وخاتمة.
اقتصر التمهيد على عرض أهمية التراث الشعبي في الكتابات المعاصرة مركِّزاً على الإرهاصات الأولى لتوظيف التراث الشعبي في حركات التجديد الشعري الأولى.
الفصل الأول: أفرده المؤلف للمكوّنات والأصول، فتطرق فيه لعلاقة الفن والشعر بالطقوس السحرية والأسطورية ورأينا فيهما تلازماً قوياً منذ أن كان الفن والسحر ممارسة وشكلاً تعبيرياً واحداً ليس إلا. ومما لا شك فيه أن القصيدة الجاهلية تثبت في كثير من وجوهها ذاك القران الشرعي بين الشعر والطقوس الشعبية سواء من حيث النشأة أو الوظيفة، أو الأجواء العامة التي كانت تصاحبهما. وعلى الرغم من الانفصال الظاهري الذي حدث بينهما بعد ذلك، فإن العلاقة بينهما كما أوضحت هذه الدراسة قوية ومتينة، ولا عجب أن تكون القصيدة المعاصرة حاملة لزخم التراث الشعبي تتوارى بالإيماء والإيحاء حيناً، وتقيم علاقات مباشرة معه حيناً آخر.
أما الفصل الثاني: فخصص للحديث عن الرّوافد التراثية التي أقام الشاعر المعاصر عليها علاقته مع التراث الشعبي، فلم يستثن في بحثه الدائم عن أشكال تعبيرية جديدة مصدراً ومرجعاً.
فكل المشارب صالحة للارتواء ما دامت تعيده إلى اللغة البكر والخيال الواسع. وقد كان للغصن الذهبي لصاحبه جيمس فريزر فضل بالغ في تعريف الشعراء المعاصرين بتراث الإنسانية الشعبي، وتقديم أشكال تفكير الشعوب عبر مراحلها الطويلة، فلم يعد يخفى على الشاعر أساطير ومعتقدات أجناس بشرية كانت توصف بالبدائية، وأصبح من المتيسر استحضار تلك الإنجازات الحضارية للدلالة على القيم الإنسانية العليا التي لا تختلف وإن تناءت الأماكن واختلفت الأزمنة.
ولم يعد برومثيوس وتموز وسيزيف والسندباد غرباء في المجتمعات الحديثة، بل إن بعضها أصبح دائم الحضور وأقرب عند الشاعر من إنسان هذا الزمان.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved