الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 22nd December,2003 العدد : 40

الأثنين 28 ,شوال 1424

حلقات من سلسلة .. شريفة العبودي
النموذج العصري.. للنص.. والعتبات..!
*الثقافية محمد الدبيسي
بسلسلة من الإنجازات.. ليس آخرها.. إصدار كتاب «فن التطريز»و «التمر والغذاء» و«وصفات أصيلة من القصيم» و«معجم مصطلحات الأغذية والأدوية».. وفعاليات على مستوى المنجز القصصي.. تمثلت في الفوز بخمس مسابقات.. تأتي «حلقات من سلسلة» لكاتبتها «شريفة العبودي» تنويعاً على ممكنات قبول الذائقة.. وسيرورة خط حكائي.. «ملتبس» بخاطر الكتابة..
يتقشف انتهاك تلك الذائقة بأحد عشر نصاً.. تمثل بحسب «مقدمة» كاتبتها «انطباعات متفرقة، أو أزمنة مختلفة، قد يكون بعض منها أحداثا وقعت بالفعل وإن لم تخلُ من خيال اختلط بالواقع. وقد يكون بعض منها قصصاً كلها خيال ولكنها تحمل نكهة الحياة في هذه الأرض الغالية». ص 5.
ومن خلال هذه الاشارات المؤكدة على استسهال الكتابة كقيمة والثقة المفرطة بالذات كمنتج«فائق الجودة» تخط «الكاتبة» واقعها وخيالاتها بلغة اخبارية، تتجشم عناء الوصف، والتلويح باللغة المشهدية كدال على «المكان» ومدلول للحدث لتلوين المشهد الكتابي بالمضمون السردي المتبقي والخالي من القيمة، باعتبار مقاطعه الموضوعية ومضمونه العام والصياغة الداخلية التي تفصح عنه.
فمابين التقاطع الكتابي بين التقاطات الكاتبة من المعين اليومي الاعتيادي، وخميرة ذائقتها الكتابية، تتوزع النصوص في دلالاتها الكلية، اهتمامات هامشية، تنضح بلغتها الاعتيادية، التي تقترب من المباشرة الوصفية، وانشائية الترادف بين العبارات وتكريسها لمثالية النماذج الشخصية لأبطالها..!
ولم يشفع التحديد الزمني الذي كثيراً ما تلح عليه من مبدأ اعتباري مثالي لتنتقي نماذجها الإنسانية من بديهيات المعاش الحياتي، الذي لا يبرز وجوده، رمزية اشكالية، أو نموذجية فنية..!
ففي نص «بيت الطين» ص25، يحنُّ أحمد إلى بيت الطين، وهو لم يغادره ويصف تفاصيله المنظورة.. ويتعجب «يا الله..!! أين هو القبح الذي جعلهم يفرون من هذا البيت..؟ ليس هنا إلا الجمال والراحة..! كيف استطاع هذا الخواجة أن يرى ما لم يقدروا على رؤيته... كيف استطاع أن يعطي هذا البيت حقه، بينما هرب هو وأهله منه وتركوه إلى غيره»ص33.
والقارئ لهذا النص.. لن يدرك كيف قفز «الخواجة» إلى النص..؟ ومن أي «السلاسل» أقتيد.. إلى «بيت الطين»؟..
لتتوالى الاستفهامات بتلك «الصيغة» الاستنكارية.. ! التي تحقق المستوى الصياغي لدى الكاتبة.. في ممكنات.. تتفتق عنها ذائقتها المتلبسة بالماضي.. والمرتهنة، لدوائر المنظور، المفتقد إلى حيوية المخيلة، وجمالية بناء العبارة، ووصف المشهد.. أو حتى إبراز القيمة الموضوعية للحكاية، كمضمون نصي، يتحفز لتكوين سياقه الفني المختلف عن استعمال الصياغة القصصية.. وتدوير المشاهد.. بمثل تلك المقالية المنمطة في نقلها للحدث، من درجة النظر.. أو الاستحياء.. إلى مستوى التدوين والتصوير.. وهي تتخذ من «القصصية» عنواناً لتجربتها وتمييزاً لكتابتها..!
وفي نص «السقوط» ص63 «تؤرخ» الكاتبة مسيرة بطلها مخترقة تيار الوحي، ومختارة تكثيف لحظة انبثاق النص من «داخل القبر» حيث «هتف أحمد لنفسه في هلع وهو يشعر بأنه مسجى على ظهره في مكان بارد مظلم. بل حالك الظلام. وأول ما خطر على باله هو أن هذا هوالقبر.. هل حقاً أنا في القبر...؟»ص63.
لتبدأ الكاتبة في تفصيل «ميتافيزيقي» للحظتها تلك.. تنتهي «.. بصورة أم أحمد بوجهها السمح الطيب....؟؟
أحمد ياولدي... الله يحمدك العافية... انتبه لنفسك... تراك اليوم على الثرى وبكرة تحته.. ولاتدري متى يجي يومك...؟» ص73.
ومن «بيت الطين» إلى «القبر» يتردد أحمد... معلناً وجوداً رمزيا لرؤية الكاتبة في استثارة سكون الوجود المجرد المحيط بعوالمها القصصية التي تختزل بها العناصرالتكوينية الرئيسية لفنية القص، في قصد أولي معلن عن مزج الخيال بالواقع.. كما جاء في مقدمتها..؟!..
ولكن ذلك المزج.. لا يحقق القدر الأدنى من قيمته كنص.. تزعم له منشئته، تفريعاً نصياً ويجاذب لحمة ونسيج البنية القصصية في أدنى مستوياتها..!
فعندما يغيب القصد الفني.. وحرفية التعامل مع اللغة.. والاكتراث بصياغاتها العامة.. والمباشرة. تنصرف مشهدية الحكاية، إلى تراتبية أفقية.. منفصلة الأجزاء.. ومبعثرة المقاطع.. تنعت موجودات المشهد بتعبيراتها المجردة، وتستدني منها مايواتي نظرها القريب، وهو ما يحيل إلى عنايتها الفائقة.. بتفسير بعض الألفاظ المندرجة في نسيجها الحكائي.. في هامش كل صفحة..
ثم في الرسومات التعبيرية الصامتة التي جعلتها موازية لعناوين النصوص.. وهي «الرسومات» التي تعبر وبصدق.. عن ماهية ذائقتها.. وعن جوهر وعيها الكتابي.. المنفلت من جدية التعامل مع الفن.. والتأسيس لكتابتها.. بوعي ثقافي.. وانتقاء لغة مجازية، والاحتكام للنظام الاستعاري في لغة الكتابة..!
ناهيك عن فحوى خيالها الجمالي.. المرتهن لتعبيرات شعارية، وحس ظاهر.. يحفل بمقدمات الأشياء.. دون عمقها ودلالاتها..!
ولا أشك أن طرحاً بهذا المستوى.. يحتمي بقائمة من المبررات الثقافية ومسوغات عمومية.. تجادل بالتي هي أسهل.. ولاسيما وهو معبأ بطرافة ذائقة.. تبحث في أفقها الخاص جداً عن معنى للكتابة.. ومبرر لممارسة الكلام..! و«الكلام».. المكتوب.. هارب من سجن الصمت.. إلى فسحة التدوين، وتتجلى باعتبارية وتوقية، تزفه إلى مشهد القراءة والتلقي.. بأصوات وعناوين وعتبات،تعلن نصيته..! دون أن تؤكد أو تفرض قصصيته..!
بمعنى تجذير انتماء هذه النصوص للخطاب الأدبي «السردي» في خصوصيته المتاحة للكاتبة وللخطاب الثقافي في بعده الاجتماعي. وهو ما لايملك القارئ فضيلة احتكاره.. فضلاً عن تقعيد واختطاط شروطه القبولية.. وهو ما تعيه الكاتبة تماماً.. وهي تعلن في مقدمتها النظرية.. امتنانها العميق.. «..لكل من كتب وقص، وأخص بالشكر أولئك الذين أثروا مخيلتي برؤى متميزة خصبة، وهم والدي ووالدتي وجدتاي ووالدة زوجي ثم أبنائي وبناتي الذين أرى فيهم وفي رؤاهم المستقبل في وعده ووعيده» ص6.
فهذا الإطار العائلي، يشكل المرجعية الثقافية، وهو في براءته.. يؤكد مهاوات الوعي وبنية المفاهيم المحورية التي تنطلق منها الكاتبة.. وهو ذات الفضاء المسيج.. الذي تتشكل فيه نصوصها.. حكايات.. تساعد على النوم ووهدة تأملية.. تمنع استرخاء اللغة وضعفها قدرة على الانكتاب.. والنهائية وليس ثمة فضاء.. غير هذه الحلقة العائلية تمكن من جدوى هذه النصوص المستقاة من وجود جزئي وخاص جداً.. وتكشف منظوراً مختلفاً للكتابة القصصية.. ومساراً مغايراً في إعادة صياغة حكايات قبل النوم.. وخطابات التربية العائلية..!
وقد تكون الكاتبة الواعية بالبعد الفني للعتبات النصية.. قد استملت وبانتقائية الرسومات المصاحبة للنصوص.. لتتضافر خيوط الدلالة في متن قصصها.. فنص «السقوط» ص63.. جاء مصاحباً للوحة «حادي مروري بين مركبتين» ونص «على مفترق الطرق» ص 52.. جاء مصاحباً.. لطريق اسفلتي من مسارين» ونص «رائحة الدخان» ص147 جاء مصاحباً «لثلاث سجائر» لم تطفأ بعد.. وهو بالمناسبة نص يتحدث عن «شخص يعتقد خيانة زوجته لأنه شك في ممارستها لعادة التدخين» عندما شم رائحة السجائر في ملابسها..! وهو مايقود إلى جدارة هذه العتبات.. في موازاة الحضور النصي لهذه القصص.. والرؤية المنتجة لها.. بحيث تنحصر في فلك بدائي يتكرر بتكرار عنوانية، ورموزه المكللة بهمنية أحادية ذاتية.. قد لا تملك الكاتبة قدرة مزجها.. بما يحقق قدراً يسيراً من الاعتبار الفني لها.. إلا بما نصت عليه في نهاية الصفحات من فوزها بخمس مسابقات أدبية.. والله الموفق ..!!
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
وراقيات
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved