الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 22nd December,2003 العدد : 40

الأثنين 28 ,شوال 1424

وقفة في ثنايا الملتقيات الثقافية (2)
إيغور تيموفييف والواقع المؤلم
يبدو واضحاً أن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية يأخذ على عاتقه من الناحية الثقافية مسؤولية الانطلاق نحو مواكبة النشاطات المختلفة التي تشهدها المملكة العربية السعودية، ففي إطار دعم الجهود السياسية الرامية إلى توطيد العلاقات بين المملكة العربية السعودية وروسيا، نظم المركز مساء يوم الاثنين 17/8/1424ه محاضرة جريئة بمعنى الكلمة تحت عنوان: «سُبل تطوير العلاقات الثقافية بين المملكة العربية السعودية وروسيا»، للدكتور إيغور تيموفييف، نائب رئيس الصندوق الروسي لدعم تطوير الاستعراب والتعاون مع الأقطار العربية، وقد تألق في إدارة الحوار لتلك الأمسية الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن الفرج؛ مدير إدارة التخطيط بالغرفة التجارية الصناعية بالرياض.
وبطبيعة الحال ابتدأ الضيف محاضرته بالإشارة إلى زيارتَي صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني، وصاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية، منذ مدة قريبة إلى روسيا، وأسهب حقيقة في الحديث عن الزيارتين وأهدافهما، مبيّناً رغبة روسيا الأكيدة في بناء جسر قوي من العلاقات بين البلدين في شتى المجالات، ووضع تصوراً خاصاً نال إعجاب الحاضرين يتعلق بالجانب الثقافي، وفي الوقت نفسه أشار إلى سيل المعلومات السلبية التي تعرضها البرامج التلفزيونية والمطبوعات الصحفية الروسية عن المملكة العربية السعودية، والتي في معظمها اجترار وتكرار لما تبثه الآلة الدعائية الأمريكية.
وأضاف قائلاً: «لذا ينبغي ان يقوم التبادل الثقافي المرتقب بين بلدينا على أساس من التعاون في مجال الإعلام الذي يقتضي إيجاد بنية تحتية فاعلة لوسائل الإعلام لمواجهة سيول الافتراءات والأكاذيب التي انهالت على رؤوسنا جميعاً».
وبقدر ما كان الضيف سعيداً وهو يرى علامات الإعجاب الشديد على وجوه الحاضرين، وخصوصاً إعجابهم باللغة العربية التي استخدمها ليس فقط في محاضرته المكتوبة، وإنما أيضا في الجزء الثاني من المحاضرة المخصص للرد على تساؤلات الحضور ومداخلاته، بقدر ما فوجئ بذلك الكم الكبير من التساؤلات والمداخلات؛ وجميعها كان بمستوى جرأة الضيف وفصاحته، ويطيب لي أن أسرد فيما يأتي بعض تلك التساؤلات التي بدت وكأن الحضور اتفق على صياغتها لتدور حول محور واحد تقريباً وهذا له دلالة واضحة.
بعض التساؤلات
* هل باستطاعة روسيا، بوضعها الراهن الذي لا يخفى على أحد، أن تكون بديلاً وشريكاً للمملكة بدلا من علاقات المملكة مع الولايات المتحدة على كافة المجالات والأصعدة المختلفة بما في ذلك حماية المملكة من أية أطماع أو تهديدات من طرف أمريكا أو غيرها؟
* هل يظن المحاضر الكريم أن في روسيا بقايا قوة سياسية أو عسكرية يمكن للمملكة الاعتماد عليها في عالم تكاد تسيطر عليه أمريكا؟
* تقولون ان روسيا عامل مهم جدا بحيث لا يمكن بدونه استتباب الأمن في منطقة الخليج، وأتساءل هل أنتم جادون في هذا القول؟! وإذا كانت أمريكا تحسب حساباً بهذا الحجم لروسيا، فأين كانت روسيا وهي ترى أمريكا تضرب الجميع «ومجلس الأمن» عرض الحائط وتحتل العراق؟ وأين كانت روسيا وأمريكا توجه لها أقوى ضربة بعد الحرب الباردة وهي توجه ضرباتها إلى السفير الروسي وموكبه وهو يغادر العراق؟
* ألا ترى بأن أمريكا الآن تطوق روسيا وتسعى لخنقها بواسطة الدول المستقلة فأين المستقبل بالنسبة لروسيا؟
كأني بالقارئ الكريم يرغب في معرفة ردود الضيف على ذلك، وأستميحه عذرا إذ يصعب سرد ردوده كاملة، ولكن أختصر القول بأن المحاضر وبعد أن سبح كثيراً في أحضان الماضي؛ أعني أحضان الاتحاد السوفيتي السابق، تدرج في حديثه شيئاً فشيئاً إلى أن صرّح بكل جرأة أن واقع اليوم مختلف ومؤلم، ولعلي أنتقي من إجاباته العبارات الآتية:
* لو سُئلت هذا السؤال قبل خمسة وعشرين عاماً لقلت نعم يمكن ان تكون روسيا بديلاً مطلقاً للمملكة العربية السعودية وتضمن لها الأمن وكل شيء. أما الآن طبعا لا يمكن القول بأن روسيا يمكن أن تصبح بديلاً.
* وبالنسبة للوضع الاقتصادي والعسكري لروسيا، دعونا نتصور جميعاً ماذا حدث في روسيا في السنوات الأخيرة، بين ليلة وضحاها انهار النظام الشيوعي الذي كان مسيطراً على روسيا، ثم تحول النظام من اشتراكي إلى رأسمالي، فأدى هذا إلى التدهور الاقتصادي؛ انتقال الملكية من الدولة إلى الأيدي الخاصة إنما هي عملية صعبة ومؤلمة جداً. و تابع قائلاً : بدأ الاقتصاد الروسي في السنوات الأخيرة بالنهوض تدريجياً، وهناك ارتسمت في الأفق بعض بوادر الخير، ولكن مع ذلك لا نستطيع ان نقول إن روسيا على استعداد لأن تعلن نفسها قطباً آخر وان تتحدى الولايات المتحدة الأمريكية.
* وبالنسبة لروسيا ووصفها بالعامل المهم الذي لا يمكن بدونه استتباب الأمن في منطقة الخليج، قال الضيف: «أنا كنت أقصد روسيات سنة 1990م، سنة 1990م موقف روسيا كان مهماً جداً للولايات المتحدة الموقف الذي اتخذه الاتحاد السوفيتي الذي كان موجوداً واشنطن كانت تنظر إلى هذه القضية بمنتهى الجدية، ولما وافقت روسيا على التعاون مع الولايات المتحدة والحلفاء طبعاً للأمريكان هذا نجاح كبير. لكن الموقف تغير اليوم طبعا أنا لم أقل إن روسيا ما زالت عاملاً مهماً وحاسماً في تأمين الأمن لمنطقة الخليج».
وتجدر الإشارة هنا إلى موضوعين ذكرهما الضيف في أثناء ردوده على مداخلات الحضور، الموضوع الأول يتعلق بمبادرة الرئيس الروسي «فلادمير بوتين» الانضمام إلى منظمة المؤتمر الإسلامي، حيث أبدى عدم رضاه على أولئك الذين ردوا عليها بالسخط والحقد والسخرية، وتطرق إلى الكاريكاتير المشهور الذي يبين «بوتين» وهو يلبس الدشداشة. أما الموضوع الثاني فيتعلق بكتابٍ تحت عنوان: «The Saudis» للصحافية والكاتبة الأمريكية «Sandra Mackey»، وقال ان الكاتبة عاشت مع زوجها الذي كان يعمل في المملكة العربية السعودية حوالي أربع سنوات، وبعد عودتها قامت بتأليف ذلك الكتاب وطبعه ونشره، ووصف الكتاب ب «انه لا يعكس الصورة الحقيقية للمملكة العربية السعودية وإنما يعكس الصورة المشوّهة أو التصوّر المشوّه عن المملكة.. فهي تنتقد السعوديين في بعض عاداتهم وتقاليدهم.. ولم تتردد في أن تعرض تلك الاعتراضات على الحضارة والثقافة هناك»، وأشار أيضا إلى وجود بعض الأخطاء في التواريخ المذكورة في الكتاب.
ولمّا لمستُ تأثر الضيف وانزعاجه وهو يتحدث عن ذلك الكتاب، قلت في نفسي لا بد ان يجد هذا الكتاب مَن يقرأه بدقة ويرد عليه بدقة، وتمنيت لو يترجم المحاضر مشاعره هذه إلى مقالة، ومباشرة وجَّهتُ إليه «كتابة» السؤال الآتي: تُرى هل نتوقع منكم رداً واقعياً على ذلك الكتاب؟»، فبدا متفاجئاً بالسؤال، وقال انه لم يفكر في هذا الأمر من قبل، ثم بسرعة عاد وقال انه نعم سيكتب مقالة حول الكتاب، ووجّه الدعوة للجميع بوجوب الرد أيضاً. وهكذا يكون المحاضر قد استعدّ مستجيباً لدعوتي، ولكن هل يستجيب الآخرون لدعوته؟؟


عادل علي جودة aaajoudeh@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
وراقيات
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved