الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 23rd January,2006 العدد : 137

الأثنين 23 ,ذو الحجة 1426

شوفينية قُطْرية!!
*أمل زاهد
من عجائب الزمان أن يتحول حلم الوحدة العربية الذي كان يدغدغ عقول وقلوب الكثير من مواطني هذه البقعة من الأرض الممتدة من الخليج إلى المحيط إلى شوفنية قُطرية تكشر عن أنيابها كلما سنحت الفرصة لذلك، فيتم التشمير عن السواعد وفتل العضلات وشحذ الأقلام وتوجيه اللكمات لكل من يحاول أن يمس شوفنيتنا القُطرية المجيدة بكلمة مقصودة أو غير مقصودة، أو حتى ما قد يصوره لنا ورم الأنا المحتقنة بإشكالياتها الدائرة في أفلاك الذات - حصريا - على أنه لمزة يراد بها الغمز أو الانتقاص من قدرنا.
ولك أن ترى ماذا يحدث عادة عقب أي مباراة رياضية بين قطرين عربيين أو حتى منافسة سطحية ومتواضعة تضم مرشحين من أقطار عربية مختلفة كتلك التي يدور رحى معاركها عبر برامج يتابعها الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه كبرنامج (ستار أكاديمي) أو (سوبر ستار)، فيُحمل الفائز ذو الحظ السعيد والشرف التليد على الأعناق فقد تم له النصر المؤزر وتمكن من أداء مهمته في رفع قامة قطره ممتشقاً ورؤوس مواطنيه عالية فوق رؤوس باقي الأشقاء العرب الآخرين. وقد يصل الأمر إلى الإيذاء الجسدي لو تم لأحد المتنافسين الفوز فوق أرض الخصم وعلى ذرات تراب قطره المجيد!! كما حدث في احدى حلقات سوبر ستار حين فازت المرشحة السورية (رويدة عطية) بنهائي إحدى الحلقات الأخيرة فوق أرض لبنان فما كان من الجمهور الغاضب إلا أن اندفع كالسيل العارم في وجه رويدة التي أصابها الإغماء خوفاً وجزعاً على المصير الذي قد تؤول إليه نتيجة لنوبات الغضب اللبناني الجامح التي كانت تنوي نهشها وإخراس صوتها داخل حنجرتها لولا إنقاذ رجال الأمن لها!!
ولك أن تتخيل أيضا ماذا يمكن أن يحدث لو ترك العنان للجماهير الغاضبة في الدورات الرياضية والتي يشتعل وطيس معاركها على أرض العروبة حين يهزم فريقها فوق أرضه أو إذا هزم من فريق يقف موقف الند أمامه!!
فلا تمر دورة رياضية دون نزاعات من هذه الشاكلة، ولا من دون صراعات على أحقية الفريق الفائز بالنصر أو عدم أحقيته، ويتحول التنافس الرياضي الشريف إلى شوفينية قُطرية بغيضة وإلى نعرات وتعصب لا يمت بصلة إلى قاموس التنافس الرياضي، وكم من عداوات ونعرات ذكّاها التنافس الرياضي بين الأقطار العربية وتحولت الشعوب من خلاله إلى براكين غضب تتوق للانفجار عند أدنى تماس أو احتكاك!!
والسناريو المعروف التفاصيل والمعلوم مسبقا يقول إنه بعد إعلان نتائج إحدى تلك المنافسات أو فوز فريق قطر معين على قطر آخر لا بد أن تقرع أجراس النصر وينتشي الناس بأهازيج الفرح ويتغنوا بأناشيد الفوز المحلقة في سماء الفخر والاعتزاز إذا ما كانوا ينتمون للفريق المنتصر أو للمرشح الفائز، بينما يطأطئ المنتمون للفريق المهزوم أو للمرشح المستبعد الرؤوس أولاً، ثم يأتي بعد ذلك دور البحث والتنقيب عن أوراق تآمرية يمكن إشهارها للدفاع عن شرف الفريق المهزوم أو المرشح الخارج من حلبة السباق، فذلك الشرف المستلب يمثل جزءاً لا يتجزأ من كرامة وعزة القطر الذي ينتمي إليه صاحبه بالطبع!!
فالحكم (منحاز) أو مرتش، والتصويت ملعوب به وغير نزيه، وذلك المرشح فاز بسبب الكثافة السكانية وليس بسبب جدارته، وهلم جرا حتى يتسنفد القطر المهزوم كل أسلحة نظرية المؤامرة الموجودة في جعبته، وحتى يجهز على أدوات العاجز المتجسدة في إلقاء أسباب الهزائم على الخصم بدلا من البحث عن تلك الأسباب في الطريقة والأسلوب والمنهج الذي قاده إلى الهزائم!!
وترجع هذه الشوفينية إلى فشل الدولة القََُطْرية التي نشأت بعد الاستعمار في تكوين وزرع مفهوم الدولة الحقيقي، فلا زلنا نسير في دوائر النظام البطركي العمودي والذي يبدأ فيه الولاء والانتماء للأب فالأسرة فالعشيرة وهكذا دواليك، ولاتزال فلسفة (أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب) تحكمنا، كما أن القبيلة والقبليّة لبست ثوباً جديداً يتناسب مع عصر العولمة!! ولا تكتفي الشوفينية بتأجيج العصبيات والنعرات بين الأقطار العربية ولكنها تتشعب وتتفرع داخل القطر الواحد مكونة شجرة من الشوفينيات والنعرات في كل قطر.
أثارت مقولة ذكرتها في إحدى مقالاتي حفيظة عدد من القراء، فُنسي جوهر المقال الذي كان ينتقد في المقام الأول الثقافة الخليجية والسعودية التي أنتمي أنا إليها والتي جعلت من السيدة اللبنانية سلعة في سوق نخاسة القرن الواحد والعشرين!! وانضممت إلى قائمة المتآمرين على السودان الشقيق الذي يعاني من حرب إعلامية ضروس تتعمد إقصاءه وتهميشه!!
فقد كتب قارئ كريم من السودان قائلاً: ذكرتِ مقولة (القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ) لكن الحقيقة هي أن الخرطوم تقرأ وليس بغداد لا غرو في ذلك فهذا هو ديدن الإعلام العربي وجهل الإعلاميين العرب، بل وجهلهم قد يتعدى إلى هضم حقوق السودان وإقصائه بطريقة عنصرية أو إزاحته عن الطريق خوفا من قدومه، أؤكد لك.. السودان قامة لن تطال أبداً ولا محال أنه قادم إلى الأضواء بعد أن غيّبه الإعلام والإعلاميون العرب إما قسراً أو خوفاً أو تبعية للمخطط الغربي دون دراية.
الأستاذة زاهد أرجو تصحيح المقولة الواردة في المقال وفقا للعرف الصحفي).
قارئ آخر من السعودية كتب أيضاً يصحح لي المقولة مضيفاً (الرياض تنشر)!! وقارئ ثالث من السودان أيضاً تساءل عن صحة هذه المقولة وأردف قائلاً إنه سمع المقولة بطريقة مغايرة فالخرطوم هو الذي يقرأ وليس بغداد.
حين كتبت تلك المقولة المعروفة والتي قرأتها وعرفتها بالصيغة التي كتبتها بها لم أكن أقرر امتياز قطر عربي على قطر عربي آخر، ولا يعني أن بغداد تقرأ، أن الخرطوم لا تقرأ أو عمان أو الرباط أو دمشق أو باقي العواصم العربية الأخرى لا تقرأ.
والسودان الشقيق بلد سامق القامة ومليء بالمواهب المتميزة والعقول المستنيرة ككل الأقطار العربية الأخرى وأنا من أشد المعجبات بأدب الطيب صالح الخارج من عبق أرض السودان ومن أصالة وعراقة ثقافتها، ولكني لن استغرب لو خرج عليّ غداً قارئ من الأردن أو المغرب أو ليبيا أو سوريا قائلاً أني اشترك في مؤامرة ضد وطنه وشعبه وثقافته!! فالجميع يفكر بذات الطريقة وتحكمه شوفينيته القُطْرية...!!


Amal_zahid@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved