الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 23rd January,2006 العدد : 137

الأثنين 23 ,ذو الحجة 1426

فقه التسامح في الفكر العربي الإسلامي
الثقافة والدولة
*تأليف: عبد الحسين شعبان
بيروت: دار النهار 2005
يتناول الكتاب ظاهرة العنف، كما يتلمّس أثر التسامح الكامن في جوهر الثقافات والحضارات الإنسانية، بوصفه رسالة تضفي قيمة عليا على الاختلاف والتباين. وليس قدراً محتماً أن يكون الاحتراب صنو الاختلاف، ذلك أن في الاختلاف رحمة، ومنه ينبجس المعنى وتختلق الدلالة، فيكون الإبداع، وتكون التنمية، ويكون السلام.
وقد أبرزت الفلسفة قيمة التسامح التي نهضت عليها حقوق الإنسان وشرعتها، وهي قيمة تجد مرتكزاتها الراسخة في الفكر التوحيدي، وتستند إلى وحدة المشترك الإنساني بغض النظر عن التباينات والاختلافات الفكرية والأيديولوجية والإنسانية، لذلك يقدم المؤلف فكرة المشترك الإنساني بوصفها حاضنة لجملة من القيم الإنسانية الكامنة في جوهر كل الأديان والحضارات.
وينطلق منها ليبيّن أن فكرة التسامح تعني القدرة على تحمل الرأي الآخر، والصبر على أشياء لا يحبها الإنسان ولا يرغب فيها، بل يعتبرها أحياناً مناقضة لمنظومته الفكرية والأخلاقية، ذلك أن قبول مبدأ التسامح وفكرةالتعايش يعني تجاوز سبل الانقسام الذي ينهض على أساس رابطة الدم أو الرابطة القومية أو الدين أو الطائفة أو العشيرة أو غيرها من الروابط ما قبل المدنية من الناحيتين النظرية والأخلاقية على أقل تقدير. أما مبدأ التسامح فيتخذ منابع متعددة، دينية وسياسية وقانونية وأخلاقية واجتماعية وفكرية وفلسفية، لذلك فإن غياب التسامح يعني انتشار ظاهرة التعصب والعنف وسيادة عقلية التحريم والتجريم في السلطة وخارجها من قبل جماعات التطرف والتشدد أو ما اصطلح على تسميته بالجماعات الأصولية، سواء على الصعيد الفكري أو السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي أو ما يتعلق بنمط الحياة وأسلوبها. وينتقد المؤلف الجمود الذي لحق بالفكر الإسلامي، كما ينتقد توظيف الإسلام طبقياً وسياسياً، كذلك ينتقد بالمقابل نزعة العداء للإسلام السائدة في الغرب وظاهرة الإسلاموفوبيا، خصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001م. كما ينتقد بعض توجهات الفكر الغربي من خلال رؤية لأزمة هذا الفكر إزاء قضايا التسامح واحترام وقبول الآخر، فقد تعامل هذا الفكر بطريقة براجماتية انتهازية مع الإسلام، وساهمت البلدان الغربية مساهمة لا يمكن لأحد أن ينكرها في دعم التيارات الأصولية المتعصبة، بل والجهادية، عندما كان توظيف هذه الاتجاهات يحقق مصالح الغرب وهيمنته، ولكنها انقلبت عليها عندما باتت هذه الأصوليات تهدد مصالح الدول الغربية. كما روّج الغرب فكرة أن الإسلامويين أو المتطرفين والمتعصبين هم نموذج الإسلام، وكان يريد من وراء ذلك تحقيق أهداف معينة، والأهم هي محاولته فرض الاستتباع والهيمنة.
من هذا المنطلق يحرص المؤلف على مناقشة فكرة التسامح وأساسها دولياً ومعناها وإشكالياتها، ثم مناقشة التسامح إسلامياً وبخاصة في الفكر العربي الإسلامي المعاصر، بغية استكمال الصورة ومعرفة مكوناتها، ثم يبحث في المواثيق والأحلاف الإسلامية، ومنها دستور المدينة (الصحيفة) الذي وضعه النبي في مجتمع تعددي مكوّن من مسلمين ونصارى ويهود ووثنيين، وكان بمثابة عقد اجتماعي ينظم العلاقات ما بين القبائل على أساس وحدة سكان المدينة، والمساواة بينهم في الحقوق والكرامة الإنسانية، والعمل على رفعالظلم، والاحتكام إلى الشورى.
ثم جاء صلح الحديبية ليشكل عهداً من لدن النبي إزاء نصارى نجران، واستند إلى مبادئ التسامح وكفل الاعتراف بالآخر، كذلك فإن العهدة العمرية التي أجراها الخليفة عمر بن الخطّاب مع البطريرك الأورشليمي صفرونيوس تشكل خير دليل على التسامح إزاء الأديان الأخرى. واليوم في ظل غياب التسامح انتشرت كالهشيم في النار، ظاهرة التعصب والعنف وسيادة عقلية التحريم والتجريم، سواء على الصعيد الفكري أم السياسي أم الاجتماعي أم الثقافي أم ما يتعلق بنمط الحياة، وبالتالي فإن التحدي الأساسي الذي يواجه العالم العربي يتعلق بقدرتنا على اللحاق بالركب الحضاري، ولن يحدث هذا إلا عبر التطور والوسطية والاعتدال والبحث عنالمشترك الإنساني والاعتراف بالآخر والتسامح في التعامل معه. ويرى المؤلف أن الحل يتمثل في الحوار، ويشترط أن يبدأ كل طرف عملية فعلية لنقد الذات ولموقفه من الآخر، وذلك كي يكون هناك الحوار إيجابياً وفعالاً، فالأمر لا يتعلق برغبة رومانسية في التواصل وإنما بالتزام وضرورة. ويقع الكتاب في 197 صفحة من القطع المتوسط.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved