الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 23rd January,2006 العدد : 137

الأثنين 23 ,ذو الحجة 1426

أسواق صنعاء ومجتمعها
شيخ الليل

*تأليف: فرانك ميرميه
ترجمة: محمد السبيطلي- رندة بعث
بيروت: قدمس، 2005م
الأسواق بوابة المدينة، هذا هو موضوع الكتاب : الدخول إلى صنعاء، مثلما كان المسافر يفعل قديماً عبر باب اليمن، البوابة الجنوبية للمدينة والسوق، وهي البوابة الوحيدة التي لم يجر تدميرها بعد ثورة 1962م .
منذ ذلك التاريخ، توسعت المدينة خارج أسوارها التي بقيت إلى اليوم بعض آثارها وسوف يتجاوز عدد سكانها قريباً مليون نسمة.
يمكن إذن أن تبدو هذه الطريق المؤدية إلى المدينة ضيقة جداً وألا تؤدي سوى إلى اكتشاف تخم شاهدٍ، تخم مجتمع حضري، ينحصر الآن داخل أسوار المدينة أو يغرق في كتلة النازحين السكانية، لكن ذلك يعني نسيان أن السوق نظام لا يمكن أن يختزل إلى مساحات من الأرض محددة على نحو واضح، بل إنه يمثل، بالعديد من المظاهر، نمط تبادل ونمط علاقات اجتماعية يغذيان المجتمع بأسره.
ويضاف إلى قيمة السوق نموذج لا يمكن حصره في فضاء بعينه، مركزية اقتصادية واجتماعية تحكمت لزمن طويل في علاقات الجماعة الحضرية بالسلطة السياسية وبمحيطها القبلي والإقليمي.
بهذه المقدمة استعرض المؤلف تاريخ وأهمية السوق في الثقافة اليمنية، ومنها تناول في إسهاب وظائف الأسواق المتعددة، ودور المجتمع الحضري في مرآة تلك الأسواق.
وسواء على تلك المؤسسات والفئات الإجتماعية أم على مستوى أشكال التمثيل العقدي، نجد تداخلاً كبيراً بين السوق والمدينة.
فالسوق تتظاهر في المجال العام أو تربط في فضائها وفي أشكال التبادل الخاصة بها مكونات المجتمع الحضري.
ويسمح عرض أبعاد المدينة عبر الأسواق بالتقاطها ليس لكونها عالما مغلقا ومعزولا خلف أسوارها، وإنما كونها مكاناً تثير التجارة والبشر فيه مواجهة مستمرة مع الآخر، حيث تتحوصل علاقات المدينة مع عالم الريف ومع الخارج القريب والبعيد.
يقول المؤلف: في صنعاء، كان تعيين الحدود المادية والوظيفية بين الأحياء السكنية والأسواق، حيث لم يكن يسمح إلا بوظيفة الإقامة المؤقتة المحصورة بحاجات التفاوض، يعكس على نحو ما ترتيبا ينظم ضرورات التبادل في هذا الفضاء.
فالسوق بوابة داخلية للمدينة، كما يمكن النظر إليها كانعكاسٍ داخلي للحدود الحضرية، يسمح لسكان المدينة بأن يتركوا لبرهةٍ المواجهة الدائمة داخل الأحياء، أرض الأنساب العائلية.
وهي إن لم تتوفر لهم الغفلية المؤقتة، فإنها تضمن لهم على الأقل رؤية التنوع الحضري المتبدل.
ولكونه مكاناً للاحتكاك بين رجال القبائل وسكان المدينة، كان السوق يمثل أيضاً فضاءً أولياً وعتبة تمتزج فيها وتتواجه المنظومات القيمية لكل من العالم القبلي والعالم الحضري.
وهنا كانت الدولة تقوم بفرض طابعها من خلال ضبط التنظيم البلدي للمدينة الذي يشع حول قطب مؤسساتي يتمركز وسط السوق العام، إلا وهو سوق البز. إن حضور السلطة السياسية في المدينة، بما أن قدر صنعاء هو أن تكون عاصمة البلاد حتى وإن لم يكن هذا الوضع إلا افتراضياً أو أنه اندثر على امتداد عهود طويلة، قد صاغ ولا يزال يصوغ اقتصادها وأنماط إثراء نُخبها وإدراك سكانها الحسي لمدينتهم ومحيطهم القبلي والإقليمي.
في الوقت ذاته فإن الاندماج الوطني غير المكتمل والذي تعود عوامله إلى تاريخ مشظى بقدر مايعود إلى ضعف الدولة المركزية ونمط عملها اللذين اخترقتهما
النزعة القبلية، قد حال دون أن يصبح نموذجها الثقافي مرجعية لكل البلاد...
ولكن إذا كانت العاصمة اليوم قد مدت شبكات نفوذها السياسي والاقتصادي على مستوى البلاد بأكملها، فإنها بالمقابل تحولت أيضاً إلى مركز جذب لا يقاوم. وقد ازداد عدد سكانها ازدياداً كبيراً إثر انتهاء الحرب الأهلية سنة 1970م، - كما تشير الدراسة - فارتفع من نحو (50) ألف نسمة سنة 1962م، إلى (952.911) سنة 1994م.
خلال ذلك، فقدت المدينة طابعها الزيدي البحت بعد أن استوعبت وافدين أتوا من جميع أنحاء البلاد، ولاسيما من المناطق شافعية المذهب.
والجماعة الحضرية التي ستكون الموضوع الأساس في هذه الصفحات، تلك التي تدرك نفسها وتدرك بوضوح أنها كذلك، لم تعد اليوم سوى أقلية بين سكان المدينة، غير أن سكان الأحياء داخل الأسوار (صنعاء القديمة)، وهم يمثلون نحو 5% من مجموع سكان المدينة وضواحيها، لا يضمون جميع المنحدرين من العائلات المدينية العريقة، إذ استقر عديد منهم في الأحياء الجديدة.
إن مسار التوسع المدني هذا، قام بنسف مركزية المدينة المتمحورة تقليدياً حول قطب الأسواق، الجامع الكبير، وأضاف إليه مركزاً ثانياً يتمثل بالمركز الحديث، وهو ميدان التحرير وشوارعه التجارية.
هذان المحوران المركزيان هما أمكنة للتجارة والمرور في آن، وفضاءات للقاء تشكل أرضية اعتراف بين جميع مكونات المجتمع المديني.
في هذا السياق الجديد، نجد أن السوق الذي كان يضم حتى الستينيات أهم الأعمال الحرفية والتجارية للمدينة، قد فقد قدرته المعهودة على إنجاز الإندماج الاجتماعي والمهني في مجتمع المدينة.
إلا أنه يبقى ركيزة لهوية ثقافية مدينية ولكنها أيضاً يمنية تضرب جذورها في ممارسات استهلاكية معينة.
وهكذا لا يمكن عزو حيويتها الاقتصادية إلى تطور السياحة، التي تبقى حتى الآن محدودة في اليمن، والتي لم تؤد إلا إلى توسع مهنة صياغة الفضة.
هذا ما جاء به الكتاب عن أسواق صنعاء، عبر دراسة السوق وهيئاته الحرفية والتبادل وإنتاج السلع حيث تظهر مجموعة من المسارات التي تحيل إلى نظام للتغيير يصل إلى المجتمع بأسره، وتقدم الأسواق صورة عن هذه المسارات كالمرآة المعكوسة، فتبلور على مستوى المدينة ما يتخطى المجتمع ويخترقه: تفكك المهن الحرفية القديمة وبروز فرص اقتصادية جديدة وفئات اجتماعية جديدة.
هكذا تبدو الأسواق في صنعاء وكأنها إطار مفضل للرصد والمشاهدة والاستنتاج، تتضافر فيها في آن واحد أشكال الاستمرار والقطيعة وأنماط التكيف مع التغيير ومقاومته.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved