الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 23rd February,2004 العدد : 47

الأثنين 3 ,محرم 1425

عبدالله الغذامي.. ولعبة الأنساق

منذ صدور كتابه :(الخطيئة والتكفير في العام 1985م أوغل الدكتور عبد الله الغذامي في ممارسة لعبة الأنساق، فالمنهج البنيوي الذي قرأ على هديه شعرية حمزة شحاتة إنما هو لعبة نسقية في الدرجة الأولى، حيث ينبسط النص عبر وحدات لغوية يتم تفتيتها وتفكيكها بشكل نسقي منظم نزوعا للوصول إلى وحدة كلية للنص.
النسق هنا لا يصبح الرؤية أو الموقف أو الدلالة، إنما الظاهرة النصية هي النسق، وهذا الأفق البنيوي يعيد تشكيل النص تبعا لمعطياته النحوية والصرفية واللفظية، وتبعا لأدبية النص وشعريته، هنا يصبح الشكل، الإطار النسقي هو المهاد الأول للقراءة النصية، على اعتبار أن ما هو أدبي فيما يرى موكارشوفسكي يشير إلى تلك الرسالة التي يعتبر شكلها لا مضمونها هو موضوعها الحقيقي.
الغذامي يجري هذه اللعبة النسقية على النص، يفكك حينا، ويؤول حينا آخر، ويوغل تبعا للتطور المعرفي المنهجي، وتطور النظرية الأدبية في قراءة بنية الأنساق العربية المهيمنة.. من بنية النص الشعري، إلى بنية الثقافة الذكورية، والرؤية الفحولية المستبدة بالذهنية الثقافية العربية، وتجلى ذلك على الاخص في كتابيه:( المرأة واللغة) و( ثقافة الوهم)، وفي الكتابين إعادة قراءة لمسلمات ثقافية سيطرت لوقت مديد على مجمل الرؤى والطروحات والبحوث العربية بشكل تكراري لا يعفي فيه اللاحق على أثر السابق بل يعيد تكراره لا إنتاجه، وإماتته بمعنى ما لا توليده وتخصيبه، خاصة فيما يتعلق بالموروث العربي، وبالنظر إلى إبداع المرأة تحديدا نظرة دونية، حيث إن الثقافة الفحولية الذكورية هي المهيمنة على الوعي الثقافي العربي بوجه عام، وهنا بدأت مع الغذامي رحلة البحث عن المتاعب، فهذه الآراء التي يطرحها هي آراء بالضرورة مخالفة للآراء المطروحة في الطريق الفكري العربي، وهذه المقولات التي ينشرها هي مقولات ضد ذهنية راسخة اتكأت كثيرا على المعهود والدارج من القول، وهذه المفاهيم التي ينمذجها تتأبى على القبول.
إنها مفاهيم رافضة بدورها للمساحات الشاسعة في الأكاديميات والكتب والدراسات التي تمثل فيما تمثل ركاماً هشاً لأنها مبنية على التكرار والقولبة، وترداد مسلمات يجانبها الصواب أحيانا، ويجافيها البحث العلمي الجاد العقلاني على الأغلب.
ذلك كله قاده الى التحول من الجزئي (النص اللغة) الى قراءة الماهيات الكلية(النص النسق) فتراجعت العوامل اللغوية والجمالية في الخلفية المعرفية لديه، وسطعت مفاهيم أخرى انبثقت عبر الدراسات الثقافية للأنساق، وللظواهر الكلية، وهنا يطرح الغذامي مقولته:(لقد تحولت من النقد الأدبي الى النقد الثقافي) هذا التحول الذي جلاه في كتابه:( النقد الثقافي) الذي أثار زوبعة بحثية وغير بحثية لم تهدأ بعد، رغم مرور 4 سنوات على صدور الكتاب. مشكلة الجديد
يذهب الغذامي بعيداً في تقصي الظواهر، مستثمراً رحابة مناهج الحداثة وما بعدها، مازجا إياها ببعد هيرمينيوطيفي ( تأويلي) وها هو السر في أن ما ينجم من أسئلته وتأملاته في الظواهر الادبية أو حتى الاجتماعية يكون غريبا على القاريء العام، وربما القارئ الواعي بتحولات النظرية والمنهج، كثير من كتابات الغذامي تحمل هذه الغرابة التي تصبح مألوفة ومعهودة لدى القارئ المتابع ما يحدث من تحولات على مستوى النظرية، ومستوى النسق المعرفي العام الذي تجاوز أيضا مرحلة البنية، والأسلوب، والتفكيك، والخطاب الكولونيالي الى تقديم نسق آخر من الدراسات الثقافية التي تربط بين ما هو تاريخي واجتماعي وزمكاني من جهة وبين ما هو جمالي، إبداعي من جهة ثانية، وتنهض مقولة النسق النظام بوصفها المقولة الجامعة لكل ما يتمخض عن هذه التصورات.
في كتابه
الغذامي نوع من البحث الذي يجاوز سطوح الأشياء، قد تحتمل تأويلاته الصواب حينا، وقد لا تحتمل الصواب حينا آخر، لكن يبقى طرح السؤال وتفجيره هو المحك الأول لعمل الباحث والناقد، بدلاً من الوقوع في التكرار، أو المألوفية التي لا تضيء درباً ولا تقع على طريقة، وهذه هي مشكلة البحث عن الجديد، إن الباحث لا يرضى بالأسباب التي قطوفها دانية، أو بأن يرضى بأن تكون كتابته بمثابة وقوع الحافر، بل إنه يعفي على أثره، ويستلب ما جاء به الأول ليعيد صياغته وتحكيكه من جديد، ليقدم عنوانا معرفيا مغايرا، وهذا هو المبدأ المثالي للباحث الأكاديمي.
إن الغذامي كما ذكر لى في حوار نشر بالأعداد الماضية بالثقافية أراد أن يرصد تحولات الحداثة في المملكة، لقد انتظر أن يتقدم باحث ما برصد هذه التحولات وحكايتها لكنه لما لم ير ذلك، قام هو برصدها بنفسه على الرغم من أنه هو نفسه طرف في هذه الحكاية.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved